(صالون هنانو) يبحث في (شكل الإدارة الضرورية في سورية ما بعد الثورة)



عقد (صالون هنانو للحوار العربي الكردي)، أمس السبت، ندوته الحوارية (شكل الإدارة الضرورية في سورية ما بعد الثورة)، في مقرّ (مركز حرمون للدراسات المعاصرة) بمدينة غازي عنتاب التركية. شارك في الندوة التي تنتهي اليومَ الأحد خمسة عشر باحثًا سوريًا، تناولوا أربعة محاور رئيسة: الأول (الدولة السورية نظرة تاريخية)، والثاني (نماذج للحوكمة)، في حين كان المحور الثالث (المشروعات الإدارية والسياسية المطبقة حاليًا)، أما الرابع فكان (المشروع الأنسب لسورية ما بعد الثورة).

بدأ اليوم الأول بكلمة ترحيبية، للباحث في مركز (حرمون) عبد الله تركماني، تضمنت تعريفًا مكثفًا بمركز حرمون والوحدات والمنتديات والصالونات المنبثقة عنه، وأشار إلى أن “الهدف الأساس الذي يسعى (حرمون) لتكريسه، هو تدعيم الحوار بين السوريين، وتعزيز وتنمية الوعي الثقافي”.

ترأس الجلسةَ الأولى وعنوانها (الدولة السورية نظرة تاريخية) الأستاذ موسى الهايس، رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان فرع سورية، وقدم تعريفًا بـ (صالون هنانو) باعتباره مختصًا بالحوار العربي الكردي، مشيرًا إلى أن القضية المطروحة للنقاش، ضمن جدول أعمال الندوة الحالية، هي أحد أبرز التحديات التي ستواجه السوريين خلال المرحلة المقبلة، وستعكس مدى الوعي لدى النخب بمختلف توجهاتها للاتفاق على شكل أو نموذج الحكم المأمول لسورية المستقبل.

تناولت الجلسة الأولى تاريخ سورية الحديث، منذ الاستقلال وحتى حكم البعث والأسدين، إلى جانب البحث في توصيف النظام الشمولي، وصولًا إلى مناقشة النموذج الممكن والأنسب للحكم في سورية، بعد التغيرات الكبيرة التي أنتجتها الثورة.

الورقة الأولى: جاءت بعنوان (سورية من الانتداب إلى الحكم الوطني)، تطرق فيها رديف مصطفى، نائب رئيس رابطة المستقلين الكرد السوريين، إلى مرحلة الانتداب الفرنسي على سورية، وبدايات تشكيل الدولة الوطنية، مستعرضًا الظروف التي أدت إلى إسقاط حكومة الأمير فيصل، وتقسيم سورية إلى ست دويلات.

اعتبر مصطفى أن أبرز ما يمكن التركيز عليه، خلال تلك الفترة، هو “الروح الوطنية العالية للشعب السوري، وما لعبته من دور مركزي في اندلاع الثورات الوطنية ضد الانتداب، وأفشلت مشروع التقسيم، وقادت إلى تأسيس الدولة السورية عام 1936، بعد توقيع معاهدة الاستقلال ووضع دستور للبلاد”.

تناول مصطفى أيضًا مرحلةَ الانقلابات العسكرية في سورية، والتي بدأت مع نهاية أربعينيات القرن الماضي، مشددًا على أن “مرحلة 1950 هي العصر الذهبي للديمقراطية السورية، نظرًا إلى الدستور المعتمد آنذاك”، لافتًا إلى أن “هناك إمكانية حقيقية لأن يكون ذلك الدستور خلفية وركيزة حقيقة، في أي عملية صياغة لدستور جديدة لسورية، في المرحلة الحالية”.

الورقة الثانية، في أنشطة اليوم الأول، كانت بعنوان (النموذج السياسي لسورية بعد الاستقلال)، استعرض فيها الدكتور مروان الخطيب عضو حركة المستقلين الأحرار، بشكل مكثف، التحولات التي مرت بها سورية بعد الاستقلال، من الحكم الوطني برئاسة شكري القوتلي، ثم الانقلابات العسكرية والحكم العسكري المباشر، إلى عودة النظام الجمهوري عام 1954، وصولًا إلى حكم البعث وانقلاب الثامن من آذار/ مارس 1963.

تطرق الخطيب أيضًا إلى آليات وأدوات الاستعمار الفرنسي في التعامل مع المجتمع السوري، مشيرًا إلى أن الفرنسيين “كرسوا مجموعة من النظم والقوانين؛ ساعدت في تدعيم سيطرة شرائح اجتماعية بعينها، بناء على خلفية عشائرية لها جذور إقطاعية، إلى جانب أن الفرنسيين، وفقًا لدستور 1930، أسسوا الجيش السوري على ركائز طائفية أقلوية”. وشدد على أن “مرحلة الانفصال، أو فك الوحدة ما بين سورية ومصر عام 1963، حاولت العودة بسورية إلى دستور 1954، إلا أن تلك التجربة لم تدرك المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ فكان مصيرها الفشل”.

الورقة الأخيرة، في المحور الأول، كانت بعنوان (سورية في ظل البعث وحكم آل الأسد، والدولة المركزية: مزايا ومساوئ)، توسّع فيها الباحث القانوني محمد الباشا في عرض مفهوم النظام الشمولي وخلفياته، وانتقل إلى توضيح مفهومَي المركزية، واللامركزية السياسية، مبيّنًا أن الأولى هي “التنظيم السياسي الذي يوحّد مختلف أقاليم الدولة، ويكون لها وحدها السلطة السياسية كوحدة متكاملة، ولا يعترف بأي سلطة سياسية أخرى او استقلال ذاتي للأقاليم التي يكون لها فقط طابع تنظيمي إداري، كالمحافظات والألوية والأقضية والبلديات”.

في حين يمكن تعريف الثانية بأنها “التنظيم السياسي الذي يقسم الدولة إلى عدة أقاليم، وتناط بها السلطة السياسية، وتتمتع بالاستقلال الذاتي مع الإبقاء على بعض المرافق المهمّة، كالدفاع والخارجية والمالية، في يد سلطة اتحادية منبثقة عن هذه الأقاليم، كما هو الحال في ألمانيا الاتحادية”.

كما تطرق الباشا في الورقة إلى حكم البعث والأسد، كنموذج للمركزية السياسية والإدارية، “بكل ما حملته من مؤشرات كبيرة عن الممارسات الشيفونية لذلك النموذج. ممارسات أنهكت الدولة والمجتمع في سورية، وجعلت إمكانيةَ تجاوز آثار وتداعيات عقود من الحكم الشمولي، تحتاج إلى عمل كبير وروح وطنية عالية”.

رأى الباشا أن النموذج الأنسب، بالنسبة إلى الحكم، يأتي بعد العمل على “عقد اجتماعي جديد، يؤسس لدولة وطنية، بشرط ألا يكون ذلك التوجه بهدف الخروج من الأزمة المستعصية، بل أن يأتي كخطوة تساعد على تأسيس مجتمع ديمقراطي، وحياة إنسانية ركائزها الأساسية الحرية والعدالة والمساواة”.

رسطام التمو عضو مجلس إدارة حقوقيون سوريون بلا حدود، ترأس جلسة (نماذج الحوكمة)، وتناول المشاركون فيها أنظمة أو نماذج الحكم الممكنة والأفضل لسورية ما بعد الثورة، والأزمة السياسية المستعصية في البلاد من جرّاء ممارسات النظام والتغييرات الكبيرة التي أحدثتها على الأرض.

عرض التمو ورقة (دراسة في مفهوم اللامركزية السياسية)، وركّز خلالها على مفهوم الفيدرالية واللامركزية السياسية، مشيرًا إلى أن هذا المفهوم -كأحد نماذج الحكم- لا يمكن تطبيقه “في الدول البسيطة أو الصغيرة مثل سورية، إلا في حال شهدت تفككًا كبيرًا (اجتماعيًا وجغرافيًا)”. ولفت النظر إلى أن ما يجعل من هذا النموذج غير ممكن، بالنسبة إلى سورية المستقبل، هو “التجربة العراقية التي أثبتت خلال السنوات الماضية أنه من أسوأ النماذج، نظرًا إلى ما ألحقه بالجمهورية العراقية ومكوناتها من تفتيت وانقسام، نتج عنها حروب بينية متواصلة حتى اللحظة”.

مشددًا على أن مشروع “الاتحاد الديمقراطي الكردي (ب ي د)، لإنشاء فيدرالية في المناطق الخاضعة لسيطرته، لن ينجح وسيفشل لتلك الأسباب، ولأن سورية لا يوجد فيها ذلك الانقسام الكبير على مستوى التكوينات الاجتماعية التي تستدعي تفكيك الدولة إلى أقاليم مستقلة، وفق نظام حكم اتحاد فيدرالي”.

أعقب مداخلة التمو ورقةٌ، قدمها الباحث في (حرمون) عبد الله تركماني، بعنوان (اللامركزية الإدارية الجغرافية)، ارتكز فيها تركماني إلى أربع أفكار رئيسة، الأولى (عوائق تقسيم سورية)، شدد خلالها على أنه “على الرغم من التداخلات الكبيرة الدولية والإقليمية في سورية، وما نتج عنها من وقائع أفرزتها المعطيات الميدانية العسكرية، من الصعب تقسيم البلاد، لعوامل عديدة أبرزها التداخلات السكانية، من حيث توزع الانتماءات القومية والدينية والطائفية على غالبية المحافظات السورية، وكذلك الروابط والمشتركات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتداخلة للسوريين”.

المحور الثاني في ورقة تركماني كان بعنوان (تحديات فيدرالية الاتحاد الديمقراطي الكردي)، واستعرض فيه أهم ما يعترض هذا المشروع، مشيرًا إلى أن “معوقاته لا تقف عند الظروف الدولية الإقليمية فقط، بل هناك عوامل تخص الحالة الكردية ذاتها، من المساحة الجغرافية الضيقة وامتدادها على طول الشريط الحدودي مع تركيا، على شكل ثلاث مناطق منفصلة، يخترقها مناطق ذات أغلبية عربية”.

أكد تركماني في محوره الثالث: (نحو عقد وطني جديد) أن “واقع سورية الآن يتطلب بلورة عقد وطني جديد، وهذا يستدعي أن يتناول الحل السياسي القادم المسائلَ الأساسية كافة، التي تهم جميع المكوّنات السورية، من خلال انخراط الجميع في عملية صياغة هذا العقد، مع توفير الضمانات لإنجاحه وتثبيت نتائجه وحماية هذه النتائج”.

شدد تركماني على أن “الحاجة ملحّة الآن -أكثر من أي وقت مضى- إلى تنظيم وإطلاق حوار وطني واسع، يمتد ليشمل البلد بأكمله، ويفضي إلى عقد اجتماعي جديد، ومن البديهي أنّ استعادة الدولة أولًا، وإرساء الدولة الوطنية الحديثة، والمجتمع الديمقراطي التعددي ثانيًا، يشكلان حجر الزاوية في العقد الاجتماعي المأمول”.

في المحور الأخير: (اللامركزية الإدارية الجغرافية لسورية المستقبل)، رأى تركماني أن خيارات السوريين يجب ألا تكون بين “المركزية الطاغية، أو التقسيم، أو الفيدراليات الطائفية والقومية، بل بين كل ذلك، وبين نظام ديمقراطي حقيقي، تُضمَن فيه صلاحيات الحكومة المركزية، في المجالات الكبرى، كالخارجية والدفاع والعملة وإدارة الموارد الاقتصادية الرئيسية، حكومة قادرة على حل القضايا المعلقة والشائكة، وفي الوقت نفسه تمنح أوسع الصلاحيات للمحافظات والمناطق والنواحي والبلدات”.

لفت تركماني إلى أن اللامركزية الإدارية المأمولة تقوم على “أساس جغرافي، وليس على أساس قومي أو طائفي، لأنّ ذلك يتناقض مع دولة المواطنين الأحرار المتساوين في الحقوق والواجبات، إضافةً إلى أنه لا يبني تعريفه للمواطن فيه، وفق قوميته أو دينه أو مذهبه أو جنسه، فالمكانة الحقوقية متساوية لكل المواطنين”.

أعقب الجلستين نقاشٌ مفتوح بين المشاركين، ركز على القضايا الرئيسة التي طرحتها أوراق الندوة، إلى جانب مطالعة مجمل الاحتمالات الممكنة في ما يخص نموذج الحكم الأفضل لسورية المستقبل، واتفق المشاركون على أن “الدولة الوطنية التي تضمن مشاركة جميع مكونات الشعب السوري في عقد اجتماعي جديد، يضمن أن يكون للجميع بصمة حقيقية، في إقرار نموذج الحكم المستقبلي، هي الطريق الفضلى للخروج بالبلاد من الأزمة التي تعصف بها”.


نسرين أنابلي


المصدر
جيرون