التنمية



عرّفت هيئة الأمم المتحدة، في خمسينيات القرن الماضي، التنميةَ بأنها: “العمليات التي بمقتضاها تُوجّه الجهود إلى كلٍّ من الأهالي، والحكومة، بتحسين الأحوال الاقتصاديّة والاجتماعية والثقافية في المجتمعات المحليّة؛ لمساعدتها في الاندماج في حياة الأمم، والإسهام في تقدّمها، بأفضل ما يمكن”.

بناءً على ذلك التعريف؛ فالتنمية عملية متحركة قدمًا، تهدف إلى الانتقال من حالة معينة، إلى حالة أفضل منها، وترتكز بشكل أساس على تسخير كافة الطاقات المتاحة، واستثمارها بأفضل الطرق، للارتقاء بالمجتمع في كافة الميادين الإنتاجية والخدمية؛ بغيةَ تحسين الظروف الحياتية للسكان، وهي -بالأساس- كلمة تشير إلى النمو والتطور، كحالة معاكسة للثبات أو الانحسار.

لا يمكن للتنمية أن تقتصر على جانب واحد من شؤون الحياة؛ لأنها عملية متكاملة بين كافة القطاعات: التعليمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية وغيرها، وهذا يعني بالضرورة التنمية في كافة الأقسام التي يتكون منها أي قطاع، فالتنمية الاقتصادية -على سبيل المثال- تتضمن تنمية الخبرات التي تدفع بالتنمية الزراعية بكافة أقسامها وأفرعها، كذلك تنمية قطاع الصناعة أو التجارة وغيرها، وهي مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالتنمية الإدارية والعلمية وقطاع المال والاتصالات والمواصلات والتجارة وكافة العلوم التي أنتجتها الحضارة بشكل تدريجي وتراكمي، في مسيرتها.

من خلال التنمية، يتم ردم الفجوة بين الدول والمجتمعات المتقدمة، والدول أو المجتمعات النامية، وذلك بالبحث عن عوامل التخلف، إن كانت اقتصادية أم علمية أم إدارية أم تتعلق ببنية الإدارة والتفكير والعادات الموروثة بالتعامل مع أدوات الإنتاج، وما هي مفردات هذا الإنتاج، وهل يستند إلى نمطٍ واحد أم متعدد الأنماط والمصادر، وكيف يتم توفير رأس المال وطرق إدارته، وما إلى ذلك من عوامل مختلفة، من أجل تجاوزها.

كما أن عدم السير بخطط تنموية يقود إلى البطالة وتردي الحالة الصحية، وظروف السكن غير الجيدة، وارتفاع نسبة الجهل والأمية؛ فتصبح حالة البؤس هي السائدة مع تردي مستوى المعيشة بين الناس.

تحتاج عملية التنمية إلى خطط وبرامج متكاملة، مترافقة بنظرة استراتيجية وأهداف واضحة المعالم والتصورات، ولا تستند إلى قرارات اعتباطية تقود إلى عكس ما يراد منها، وهي عملية علمية شاملة، ترتبط بقوانين مختلفة، من حيث الأداء ومتكاملة من حيث الهدف.

لا تقتصر عملية التنمية على نقل المجتمع من حالة إلى حالة فقط، وهنا يشار إلى مفهوم التنمية الشاملة، وكذلك التنمية المستدامة، ولعل التنمية البشرية التي تعنى بتطوير قدرات الإنسان، من حيث معارفه وإمكاناته ومهاراته، والتي ستؤدي إلى تعاطيه الإيجابي والفاعل مع مفردات وأدوات العصر، إن كان في التكنولوجيا والأدوات والتقنيات، أو في قوانين ونظم الإدارة واستثمار المتاح بالطريقة الأمثل، هي أهم لبنة في العملية.

تبنت الأمم المتحدة عام 2000 عدة أهداف إنمائية كخطة عمل، يفترض أنها تحققت، بحسب برنامجها عام 2015، منها “تخفيض عدد الذين يعانون من الفقر المدقع إلى النصف، وتوفير التعليم، والحد من انتشار الأمراض، وتقديم الرعاية الأسرية، وإيجاد فرص عمل لتحسين الدخل، كما طالبت الحكومات بتنظيم خطط (تنمية مستدامة)، لأجل المستقبل الإنساني، والوصول إلى مستوى “مقبول” من المعيشة، آخذة بالحسبان عدم الإضرار بحاجات الأجيال القادمة للبشرية.

استطاع الفساد في كثيرٍ من الدول القضاء أو افشال وإعاقة مشاريع التنمية فيها، فالأنظمة السياسية الفاسدة -كما في سورية- لا يمكن أن تنجح فيها خطط التنمية، كونها لا ترتكز على معايير سليمة.

إن النظرة المتقدمة إلى مفهوم (التنمية)، أوصلت إلى مفهوم (التنمية السياسية)، وهو الأمر الذي قاد الدول الأوروبية في النصف الثاني من القرن الماضي، إلى تبني قوانين عديدة لها علاقة بحقوق المواطنين والحريات العامة والديمقراطية، وتنمية هذه المفاهيم بما يتلاءم مع ما توصل إليه الإنسان في مسيرة حياته، وهي إجمالًا تنطلق من تنمية ثقافية فكرية قانونية، لها أهميتها في الحفاظ على المكتسبات الأخرى التي وصل إليها المجتمع والدولة.


حافظ قرقوط


المصدر
جيرون