نيو يورك تايمز: العراق ليس دمية إيران



الرئيس الإيراني حسن روحاني، على اليمين، ملتقيًا برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، على اليسار، في طهران الشهر الماضي/ رويترز

العراق، مرةً أخرى، متورطٌ بعمقٍ في أزمة. على مدى ثلاث سنوات، قاتلت الحكومة المركزية في بغداد، والمنطقة الكردية معًا لإطاحة “تنظيم الدولة الإسلامية”. والآن، وبعد استفتاء 25 أيلول/ سبتمبر حول استقلال المنطقة؛ يوجهون بنادقهم إلى بعضهم البعض.

إنَّ الديناميات في العراق أبعدُ ما تكون عن البساطة، حيث التنافسات البينية بالنسبة إلى الأكراد، والانقسامات الطائفية والسياسية في بغداد، والحرب ضد “الدولة الإسلامية”، مرئية بالكاد في مرآة الرؤية الخلفية. ومع ذلك، يبدو أنَّ الكثير من الناس في واشنطن، وفي أماكن أخرى، يركّزون -بقصر نظرٍ- على عاملٍ واحد فقط: إيران، التي يرون أنَّها تسيطر، وتهيمن على الوضع في العراق، سعيًا إلى سياسةٍ خارجية طموحة توسعية. هذا أبعدُ ما يكون عن القصة الكاملة.

منذ تولى السلطة في عام 2014، عمل رئيس الوزراء العراق حيدر العبادي، على صدِّ الهيمنة الإيرانية. على الرغم من أنَّه (مثل الحكومة الإيرانية) شيعي، وقال إنه يدعي أولًا، وقبل كلَّ شيء، أنْ يكون وطنيًّا عراقيًّا، وهو بالتأكيد غير ملتزمٍ بالأيديولوجية الثورية للحكومة الإيرانية.

هذا لا يجعل السيد عبادي فريدًا من نوعه. كما أنَّ معظم الشيعة العراقيين لا يريدون أنْ يصبح بلدهم دمية لطهران؛ حيث يعارض رجل الدين الشيعي الشعبوي مقتدى الصدر، صراحةً الهيمنةَ الإيرانية، كما انتقد آية الله العظمى علي السيستاني (العراقي) -وهو الزعيم الروحي العالمي لجميع الشيعة- تدخّلَ طهران، في أيلول/ سبتمبر، ورفض لقاءً مع رجل دينٍ إيرانيّ كبير أرسله المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي. حتى قوات “الحشد الشعبي”، وهي مجموعةٌ مكونة من حوالي 60 جماعة شبه عسكرية، يسيطر عليها الشيعة في العراق، مقسمة: بعضها ينسق مع إيران، وبعضها الآخر يعارضها.

ولموازنة النفوذ الإيراني؛ سعى السيد عبادي لبناء تحالفاتٍ مع لاعبين محليين، وإقليميين، ودوليين آخرين، فقد زار المملكة العربية السعودية، عدوّ إيران الإقليمي، مرتين في الأشهر الأخيرة، وأقام علاقاتٍ قوية مع واشنطن. كما ازدادت شعبية رئيس الوزراء بين السنّة العراقيين، الذين يشعرون بالقلق، من اختراق إيران العميق للدولة العراقية منذ عام 2003، ويعتبرون الآن السيد العبادي شخصيةً تصالحية، وضمانةً ضد النفوذ الإيراني.

كشف تطور المعركة ضد “الدولة الإسلامية” عن هذا العمل المتوازن، فعندما اجتاحت “الدولة الإسلامية” العراقَ في صيف عام 2014؛ عرضت إيران مساعدةً طارئة، وسرعان ما قدمت الدعم المادي والتكتيكي. في وقتٍ لاحق، عندما كانت القوات العراقية تتقدم ضد “الدولة الإسلامية”، دعا السيد العبادي التحالف بقيادة الولايات المتحدة، إلى الانضمام إلى القتال، على الرغم من الاعتراضات الإيرانية القوية. وفي المعارك الأخيرة، أبقى السيد العبادي الوكلاء الإيرانيين بعيدًا عن الخطوط الأمامية.

هذا هو بعض السياق الذي يتجاهله الكثيرون في واشنطن الآن، وهم ينظرون إلى التوتر بين بغداد والأكراد، كقطعة واحدة ضمن حيلةٍ إيرانية من أجل السيطرة.

بطبيعة الحال، إنَّ إيران تشارك في سياسات ومعارك جارتها. في الواقع، إيران هي أقوى لاعبٍ أجنبي في العراق. وعندما يتعلق الأمر بالعراق، فإنَّ طهران هي دائمًا متقدمة على واشنطن وحلفائها؛ لأن علاقاتها مع مجموعات من الطوائف والعرقيات المختلفة تعطيها فهمًا أفضل للتضاريس السياسية.

على سبيل المثال، حين غادر المسؤولون الأميركيون مهرولين، بعد أنْ رفضت حكومة إقليم كردستان تأجيل الاستفتاء، كانت إيران على درايةٍ أفضل، وكانت أفضل استعدادًا لما بعد الاقتراع مباشرة. إيران ناجحةٌ؛ لأنها تعتمد على حلفاء محليين أقوياء، بما في ذلك القوات شبه العسكرية الصديقة، داخل قوات “الحشد الشعبي”. كما أنَّ لها علاقة طويلة الأمد مع (الاتحاد الوطني الكردستاني)، أحد الأحزاب الكردية الأساسية.

هذا لا يُترجم إلى رغبةٍ في تدمير العراق. تريد إيران، التي تتذكر الحرب المميتة في الثمانينيات، ضمانَ أنْ يبقى العراق ضعيفًا، ولكن مصالحها تشمل أيضًا الاستقرار النسبي، والحدود الآمنة. ولا يمكن أنْ تسمح بأنْ تكون “الدولة الإسلامية” (داعش) قريبةً جدًا منها؛ لذلك، أثار الانهيارُ العراقي في عام 2014 قلقَ طهران.

الخوف في واشنطن كان عكس ذلك: إنَّ أنشطة إيران في العراق خبيثةٌ، ومزعزعة للاستقرار. منذ عام 2003، ظلَّ المسؤولون في واشنطن يحاولون توريط إيران. ولا يزال العديد منهم متخوفًا من أزمة الرهائن عام 1979، أو الميليشيات العراقية المدعومة من إيران التي قتلت الجنود الأميركيين في عام 2003. أو أنَّهم قلقون بشأن التهديدات الإيرانية لـ (إسرائيل). عندما يتعلق الأمر بإيران في العراق، العاطفة تلقي غشاوة على الواقع، مما يحدُّ من التفاهم في واشنطن. ولكن بالنسبة إلى إيران، عندما يتعلق الأمر بالولايات المتحدة في الشرق الأوسط؛ فإنَّ السياسة الإرشادية البراغماتية تترجم إلى مزيدٍ من النجاحات.

بالنسبة إلى الحكومة العراقية، إيران هي لاعبٌ أجنبي مثل الولايات المتحدة. ويرى القادة العراقيون أنَّ المسؤولين الإيرانيين في بلادهم -بمن فيهم اللواء قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” التابع لقوات الحرس الثوري الإيراني- هم مثلُ المستشارين العسكريين الأميركيين؛ كلاهما يبحث أولًا عن المصالح القومية لبلاده. الحكومة العراقية لا تعطي أيَّ تفوقٍ أخلاقي أو معنوي لواحدٍ على الآخر، حيث إنها لا تزال بحاجة إلى كليهما.

لوصول العراق في نهاية المطاف إلى الموقف الصحيح، يجب على الولايات المتحدة أنْ تتخلى عن إنكارها المسرف القائم على الخوف من النفوذ الإيراني، وأن تعترف بأنَّ قدرات طهران محدودة، وأنْ تقدّر الخط الرفيع الذي يتعين على الحكومة في بغداد السير عليه. حتى ذلك الحين، فإن التخوف من إيران (إيران فوبيا) سيكون محقًا في أمرٍ واحد: إيران هي اللاعبُ الأكثر ذكاءً في المنطقة.

اسم المقالة الأصلي Iraq Is Not Iran’s Puppet الكاتب ريناد منصور، Renad Mansour مكان النشر وتاريخه نيو يورك تايمز، The New York Times، 2/11 رابط المقالة https://www.nytimes.com/2017/11/02/opinion/iraq-iran-haider-al-abadi.html عدد الكلمات 798 ترجمة أحمد عيشة


أحمد عيشة


المصدر
جيرون