هجمات الكيماوي في سورية ورقة للمساومات السياسية



استخدمت موسكو، حق النقض الفيتو، لمنع تمديد عمل لجنة التحقيق بالهجمات الكيماوية في سورية، وذلك للمرة الثانية خلال أقل من شهر، في وقتٍ قال فيه معارضون: إن واشنطن ليست جادة في إدانة النظام السوري، وإن ملف استخدام الكيماوي في سورية ليس إلا ورقة مساومات سياسية بين واشنطن وموسكو.

جاء الفيتو الروسي، عقب جلسة لمجلس الأمن أمس الثلاثاء لبحث الأوضاع في الشرق الأوسط، والتي أكد خلالها رئيس لجنة التحقيق “إدمون موليه” أن النظام السوري هو من يتحمل المسؤولية عن هجوم خان شيخون، في نيسان/ أبريل الماضي، الذي ذهب ضحيته عشرات المدنيين.

أضاف المسؤول الأممي: “اعتمادًا على تحليل مجمل المعلومات التي حصلنا عليها؛ من الممكن التأكيد -بكل ثقة- أن الجمهورية العربية السورية تتحمل المسؤولية عن استخدام غاز السارين، في خان شيخون”، مشيرًا إلى أن “آلية التحقيق لم تتمكن من تحديد شخصيات أو مؤسسات معينة، تقف وراء الهجوم”.

أوضح موليه أن “آلية التحقيق اعتمدت تحليل 8 سيناريوهات محتملة، لتطور الأحداث في خان شيخون بتاريخ 4 نيسان/ أبريل الماضي، ولم تعثر على أي دليل يؤكد أن الحادث مدبَّر، بهدف تحميل دمشق المسؤولية عن استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المواطنين السوريين”.

من جانب آخر، أكد فلاديمير سافرونكوف نائب مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، خلال الجلسة، أن “نتائج التقرير الذي أعدته آلية التحقيق المشتركة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة، اعتمد على أدلة غير كافية لاتخاذ أي قرار حول ما حصل، وعلى معطيات قدمتها معارضة مرتبطة بالإرهابيين، بما في ذلك منظمة (الخوذ البيضاء)”. وفق ما نقلت وكالة (سبوتنيك) الروسية.

أضاف المسؤول الروسي أن “المحققين في حوادث استخدام الكيميائي بسورية لم يزوروا مواقع الهجمات المزعومة، بما في ذلك بلدة خان شيخون”، معتقدًا أن “نتائج التحقيق مؤسفة جدًا، وأن الآلية لا تتمتع بالمسؤولية الكبيرة التي تخولها مواصلة العمل”. وطالب بـ “إعادة بناء نظام العمل للآلية المشتركة فيما يخص التحقيق، بشكل جذري”، لافتًا إلى أنه دون ذلك؛ ستبقى تلك الآلية أداةً عمياء لمحاسبة سلطات سورية”.

في السياق ذاته، قالت نيكي هايلي المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة: “إن الجانب الأميركي موافق على الأخذ بعدد من الأفكار التي طرحتها روسيا، حول شروط تمديد مهمة آلية التحقيق المشتركة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة”. وأضافت أن” الحديث يدور عن إيلاء اهتمام أكبر بتصرفات الإرهابيين في سورية، وضمان وصول المحققين إلى مواقع الهجمات الكيميائية، إلى جانب ضمان المقاييس العالية للأدلة في عملية التحقيق في هذه الحوادث”.

أشارت المندوبة الأميركية إلى أن “واشنطن تريد أن تعمل مع روسيا على هذه القضايا، والعثور على أرضية مشتركة معها، وكل ذلك نقاط يتضمنها مشروع القرار الروسي، ويمكننا أن نتبناها باعتبارها إظهارًا لحسن النية والسعي للتوافق”.

أثار الفيتو الروسي شكوكًا حول إمكانية مجلس الأمن تمديد عمل اللجنة المكلفة بالتحقيق بهجمات الكيماوي في سورية؛ ما دفع بعض الأوساط داخل المعارضة السورية إلى التقليل من وجهات النظر التي تقول إن واشنطن تقود توجهًا لإدانة النظام السوري، على اعتبار أن مثل هذه المسألة تتطلب توافقات سياسية غير ممكنة ضمن الظروف الحالية.

في هذا الشأن، قال الباحث عبد الناصر العايد لـ (جيرون): “لا أعتقد أن هناك توجهًا جادًا، لدى الإدارة الأميركية، بإدانة النظام السوري دوليًا، على جرائم الحرب التي ارتكبها في سورية، لأن ذلك يعني نهاية الأخير وانهيار الطموحات الروسية ومشاريعها، وهذا غير ممكن ضمن المعطيات الراهنة”.

أضاف العايد: “مسألة الهجمات الكيماوية في سورية تبقى ورقة للمساومة السياسية بين القوتين العظميين، في سياق التنافس الكبير بينهما، بمعنى: واشنطن تحاول -من خلال هذه الورقة- الضغطَ على موسكو؛ لانتزاع تنازلات في ما يخص الدور الإيراني في سورية، وسحب الميليشيات التابعة لها من هناك، وطالما أن هناك رفضًا إيرانيًا روسيًا لذلك؛ فستستمر أميركا باستخدام قضية الكيماوي، للضغط عليهما”.

ولفت إلى أنه “في حال استمر الرفض الإيراني للرضوخ للمطالب الدولية، بسحب ميليشياتها من سورية والذهاب باتجاه تسوية شاملة، فمن الممكن أن يحصل عمل دولي ضد تلك الميليشيات في سورية ولبنان، بخاصةٍ في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة، والتصعيد الكبير بين طهران والرياض مؤخرًا”. (م.ش).


جيرون


المصدر
جيرون