المكان القريب



تمثّل دار وغاليري (كلمات) إسطنبول إضافةً حيوية، في المشهد الثقافي والتشكيلي لفنون الشرق الأوسط في تركيا، حيث تم افتتاح المعرض الجماعي للفن التشكيلي السوري، بعنوان (المكان القريب).

لطالما حمل السوريين ذاكرتهم الفنية ورقيهم الحضاري، في جعبة الكلمات والفن الذي تجاوز الحدود والحرب، مختصرين عذاباتهم وعذابات الشعب السوري، باختزالات لونية وخطوط تشترك فيها روح المعرض، ما بين خطوط مستقيمة وألوان تعبيرية أقرب إلى المرحلة المبهمة التي يعيشها هؤلاء الفنانون، يقدم المعرض مجموعة مختارة من لوحات الفنانين المشاركين تعطي العالم نظرة عن اللوحة السورية المعاصرة، وهم:  أكرم زافي، علاء شرابي، هاني مظهر، إبراهيم بريمو، إيمان حاصباني، سبهان آدم، شادي أبو سعدة، محمد ظاظا، ربى خويص، زين الأحمد، إبراهيم الحسون، خيام زيدان، ربى حمزة، تمام عزام.

يمرّ الفن السوري بتغيرات تعتبر العتبة الأساسية لهذا الرفض الناجم عن أزمات فظيعة، أدت إلى اندلاع الحرب. فسورية ليست تاريخًا وحضارات فحسب، ولكنها أيضًا مشهد فني معاصر. وهناك مكان قريب من اللوحة السورية المعاصرة من مجموعة كلمات، يعكس حالة اللوحة السورية اليوم، من خلال الجمع بين الفنانين من مختلف الأجيال، وبأساليب مختلفة. مكان يجمع المسافات بين أجيال الفنانين أنفسهم، وبين ثقافات الأماكن المتعددة حول العالم، فهو نقطة التقاء جمالي وفني وتعبيري، ويركز العرض في “بلاتو سنات” على التشكيل التعبيري، وكذلك التجريد الغنائي والعضوي. ويتميز إطاره بلوحات تتعامل مع المأساة والدمار والعنف، فضلًا عن الأمل والجمال والحب. وبهذا المعنى، يقدم المعرض الجماعي الحالة المتعددة الأوجه للرسم في بلد تعذبه الحرب.

قال الفنان إبراهيم الحسون، عن مشاركته في عملين فنيين: “مشاركتي في معرض (المكان القريب) الذي ساهمت فيه غاليري “بلاتو سنات”، مع غاليري دار (كلمات)، أخذت شكل المشروع المتكامل لتعريف المتلقي التركي بدور وأهمية الفن التشكيلي السوري، والذي كان غائبًا لأسباب كثيرة. مشاركتي تتمثل بعمل كبير على قماش، وعمل صغير على ورق، وهما من تجربتي الأخيرة في تركيا، والتي تحمل ذاكرة مشبعة بالحرب”.

كما أن صياغة العملين المقدمين من الفنان إبراهيم الحسون تحمل حالة التقشف باللون، مع دسامة في معالجة السطوح، والاعتماد على الخط في توزيع مفردات العمل. قال الحسون، عن طرحه غير المباشر في مواضيع اللوحة: “أردت تكثيف حساسية المشهد للوصول إلى تساؤلات مع المتلقي، كي يظل المجال مفتوحًا له”. معبّرًا عن كيفية تلقي الفن السوري لدى الأتراك: “الدهشة سمة رافقت المتلقي التركي، خلال مشاهدته للمعرض”.

عن مشاركتها في عمل فني واحد، قالت الفنانة التشكيلية ربى حمزة: أنا لم أحضر المعرض، وذلك بسبب تواجدي في مصر حاليًا، ومشاركتي -وهي لوحة تجريدية- تمثل علاقة الأضداد في الكتلة والفراغ، من خلال اللونين الأبيض والأسود، فصياغة عمل الفنانة تعتمد على بناء الكتلة مع فراغ اللوحة، عن طريق تدرج الألوان، ومن خلال الخطوط التي تشدّ الكتلة محاولة للتوازن مع السطوح في اللوحة.

مضيفة أن العمل من مقتنيات غاليري (كلمات) التي شرعت بهذا المشروع من حلب، وكانت الفكرة عمل مشروع يقدم الفنانين الشباب السوريين، خاصة أن المجموعة التي يقتنيها الأستاذ عدنان الأحمد هي مجموعة من الشبان الموهوبين، ومنهم المخضرمون، على اختلاف أعمارهم ونتاجهم وثقافاتهم التي تصب في النهاية في بوتقة الفن السوري. إلا أن الظروف جعلت المشروع ينتقل إلى تركيا، حيث ما زال يعمل كمعبر، لإيصال الثقافة البصرية التي يتقنها الفنان السوري، من خلال اللون والريشة، على خلاف الفن ما بعد الحداثة.

اللوحات المشاركة، وهي من مقتنيات غاليري (كلمات)، لا تحمل عناوين، فعناوينها مفتوحة تتخلل الرؤية البصرية وانطباعاتها التي لا يمكن اختزالها تحت عنوان لغوي، وكأنما هي رسالة تعبيرية عن عجز اللغة في تلخيص مأساة السوريين وآلامهم، مضافًا إليها أن النص البصري أكثر تعبيرية وبلاغة من اختصارات اللغة.

بخصوص المعرض والمشروع الفني القائم به، قال صاحب الغاليري الأستاذ عدنان الأحمد: المشروع هو مشروع لإطلاق الفن التشكيلي للفن الشرق أوسطي في تركيا والعالم. إنّ المعرض قراءة في الزمن والمكان قد تلخِّص العذابات، بتلك الروح التي تمكنت من مواجهة صلف ويباس العالم من حوله. مضيفًا أن المحترف التشكيلي السوري يأخذنا برحلة في الزمان والمكان المعاش، يأخذنا الى عوالم ارتحال في التاريخ عبر المكان والزمن، عبْر لغة اللوحة التي أصبحت ملاذًا آمنًا من الزمن الرديء، في مواجهة الجراح التي لا تحصى والألم المكنون، وعلى تماس مع المرارة.

عبّر الأحمد عن أحلامه وأمنياته: لن يكون قماش الرسم متسعًا للأحلام عندنا، فالأحلام أوسع من المكان، وهي أوسع من رقعة الرسم في تتبّع مسارات تلك النفس والروح والقلق الذي يحاصرها، لنذهب في التخيل وفي تقمُّص الواقع المعاش ضمن عوالم المنافي والألم معًا، ضمن مزيج الرؤية الفنية لإبداع حقيقي، في زمن يمتزج الأمل بالألم. هذا الألم الملوّن بالأحمر والأسود وشذرات الأوكر الجلي، وبمسحة بياض الفرشاة إلى مستقبلٍ، لا نعلم سيره في هذا العصر المصاب بالجنون.

(المكان القريب) هو اختصار أزمنة وأمكنة في صالة فنية، ضمن لوحات وأطر تتجاوز المكان والزمان، لتقرّب البعيد، هي تجربة إنسانية على مفترق طرق لحياة السوريين وشقائهم، وتطلعاتهم وآمالهم، هو المخزون الفكري الجمالي الذي يحاول المعرض الجماعي تقديمه للعالم.


خلود شرف


المصدر
جيرون