قول في البرجوازية السورية

19 تشرين الثاني (نوفمبر - نونبر)، 2017
6 minutes

إن نسيان المدخل الطبقي، في فهم الصراع في سورية، يقود إلى أخطاء معرفية وعملية، الآن وفي المستقبل، بل إن المدخل الطبقي يقود إلى فهمٍ وطني وحلّ وطني. ولا يعني هذا أن المدخل الطبقي، بوصفه منهج بحث، هو الوحيد الذي يفهمنا بنية النظام الحاكم والثورة عليه. بل هناك أسباب متشابكة كثيرة، يجب فضها من أجل فهم كلي وأعمق.

لا شك في أن تدمير الفئات الوسطى قلب المجتمع تدميرًا طال مستوى عيشها وحيويتها السياسية ودورها الثقافي، قد حرم سورية من أحد أهم عناصر التقدم التاريخي، وكنا قد أتينا على ذكر هذه الواقعة في مقالات سابقة، لكن خطورة تدمير دور البرجوازية السورية تساوي خطورة تدمير الفئات الوسطى، إن لم يكن أكثر خطورة.

فالجماعة الحاكمة في دمشق قد حرمت البرجوازية السورية المدينية التقليدية والبرجوازية الجديدة، من أن تتحول إلى طبقة لذاتها، سواء في دورها الاقتصادي أو دورها السياسي. ولقد مرّت البرجوازية السورية، وبخاصة في حلب ودمشق، بعدة مراحل من التدمير.

بدأت المرحلة الأولى، زمن الوحدة مع مصر 1958-1961، وعمليات التأميم التي تمت آنذاك، ثم تمت عمليات التأميم التي أعلنها صلاح البيطار في منتصف الستينات من القرن الماضي، وقُضي على البرجوازية السورية، سواء كانت البرجوازية الصناعية أو البرجوازية التجارية “الكومبرودارية”، بعد انقلاب شباط/ فبراير 1966، فهاجرت بعض البرجوازيات إلى الأردن ولبنان ودول عربية أخرى، وهاجر بعضها الآخر إلى أوروبا، وبعض منها انتقل إلى ما قبل وضعه البرجوازي؛ وهكذا عاش المجتمع السوري بلا طبقة برجوازية فاعلة، منذ عام 1958 وحتى النصف الأول من سبعينات القرن الماضي، حيث بدأت تتشكل الطبقة البرجوازية العقارية، بعد حرب تشرين ودخول المساعدات المالية لدول الخليج، لكن الدولة ظلت هي المالك الأرأس لرأس المال وقطاعها العام الخاسر.

مع ظهور النخبة العسكرية الأمنية، بوصفها نخبة حاكمة وفاسدة، أيام الأسد الأب، واستمرارها في عهد الابن؛ بدأت تتكون برجوازية سورية هجينة وشبه هجينة وشبه مستقلة، وآية ذلك أنّ تراكم رأس المال العقاري، ورأس المال المنهوب من صفقات الدولة ومؤسساتها، وبخاصة المسروق من المؤسسة الأمنية والعسكرية، لم يجد بدًّا من إعادة إنتاج نفسه عبر السماح له ببعض حرية التوظيف، وبخاصة في قطاعات الخدمات والتجارة وبعض الصناعات التحويلية وصناعات اللمسة الأخيرة؛ فتكونت ثلاثة أنماط من البرجوازية السورية: نمط مكون من أولاد الجماعة الحاكمة الفاسدة العسكرية والأمنية، وهذه الفئة كانت تعمل إما خارج القانون أو كان القانون يُسنّ من أجلها، وبالتالي كانت هذه الطبقة متماهية مع الجماعة الحاكمة، بل هي جزء لا يتجزأ منها بسلوكها وقيمها، وقد وظّفت رأسمالها المنهوب غالبًا في قطاع الخدمات سريعة الربح وقليلة الاستيعاب للأيدي العاملة.

وفئة كانت ثمرة عقد شفاهي، بين أصحاب القرار الأمني والاقتصادي وأصحاب مشاريع، يرتبط تراكم رأسمالها بالصفقات المشتركة مع مؤسسات الدولة، حيث كان جزء من أرباحها يذهب إلى جيوب المسؤولين. والنمط الثالث بقايا الطبقة البرجوازية الحلبية والدمشقية التي راحت تبني جزءًا من الصناعة التابعة، وتقوم بدور تجاري مع الخارج.

لكن هذه الأنماط من البرجوازية كلها كانت تعمل في شروط الدكتاتورية التي لا تحمي رأسمال أحد، في ظل حالة الطوارئ والضرورات الأمنية، وبالتالي فإن فقدان الأمان، بوصفه شرطًا لدورة رأس المال، كان مفقودًا بالنسبة إلى نمطَي البرجوازية الثانية والثالثة، بل جعلها دائمًا خائفة على ثروتها من قوانين السلطة التعسفية وجهازها الأمني القادر على تحطيم أكبر رأس من رؤوسها، فيما كانت الأولى، بحكم ولادتها من قلب الجماعة الأمنية – العسكرية الفاسدة، مطمئنةً لمصيرها.

حين قامت الثورة السورية، بطابعها السلمي، لم تجد أيّ فئة من فئات الطبقة البرجوازية المشار إليها داعمة لها، بل على العكس ظلت حليفة للنظام، بحكم النشأة والاستمرار معًا. فيما قامت بعض البرجوازيات المهاجرة في دول عربية وأوربية، بدعم مالي محدود لنشاطات الثورة، في الداخل والخارج. ولكن بحكم طول إقامتها خارج الوطن؛ لم تتحول إلى طبقة فاعلة.

كان يمكن للثورة السورية أن توفر للبرجوازية القديمة والجديدة، من النمط الثاني والثالث، الفرصةَ التاريخية الأفضل، للتحرر من الخوف والتحول إلى قوة سياسية فاعلة، وذلك عبر الوعي الطبقي والوطني معًا؛ فمصالحها تقوم في دولة ليبرالية ديمقراطية، وليس في سلطة عسكرتارية أمنية، ولكن ذلك لم يحدث. أما تلك التي ارتبط وجودها بالسلطة، وما زال مرتبطًا بها، فهي لن تعدو كونها ممولًا لعنف السلطة، وفاءً لوجودها كثمرة من ثمراتها؛ وهكذا قامت ثورة تحرر وطني بلا برجوازية.

أحمد برقاوي
[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

جيرون