عابرون على طريق الموت.. صدمة الطفولة

20 نوفمبر، 2017

ينظر البعض إلى الحرب في سورية، بعينٍ واحدة: نظام علماني، متمرس، يحارب الإرهاب الأصولي المنتشر في بلاده، بمساعدة قوى حليفة، تفضي المعركة التي يخوضها إلى خسائر في صفوف المدنيين؛ فيسقط بعض الأطفال صرعى في أعمال جانبية من دون قصد. وكل ما يثار خلاف ذلك هو محض افتراء.

في العين الثانية، تبدو الرؤية الآنفة مجرد هراء؛ فحين تتفحص المشهد، بعيدًا من تأثيرات السياسة والمصالح؛ يتوجب عليك -مثلما فَعَل ستيفن أوبراين- أن تطرح على أولئك المغرر بهم هذا السؤال: (هناك في قبوٍ عميق، تجلسون مع أطفالكم، برفقة آباءٍ مسنين، حيث رائحة البول والقيء الناجمين عن الخوف لا تغادر أُنُوفكم أبدًا، في انتظار قنبلة خارقة للتحصينات، تعلمون بأنها قد تقتلكم. الملجأ الوحيد المتبقي لكم يشبه ذاك الملجأ الذي قتل فيه جاركم وعشرات غيره، في الليلة الماضية. تصوروا أنكم تحفرون بأيديكم العارية في أعلى الشارع، للوصول إلى ما تحت الركام الخرساني، وقضبان التسليح الصلبة الفتاكة، وأنتم في حالةٍ هستيرية، محاولين الوصول إلى طفلكم الصغير الذي تسمعون صراخه، لكنكم لا ترونه، لأنه مغطى بالتراب.. ضعوا أنفسكم في هذا المكان، وتخيلوا أن الموت ينتظركم في كل ثانية، ما هو شعوركم؟).

رفع “خيرت كابالاري” -وهو يناشد المجتمع الدولي أن يكف عن استهتاره بهذا المشهد- صورةَ طفلٍ، يطلب من أبيه أن يحمله، بعد أن أفقدته صواريخ الأسد وحليفه الروسي كلتا ساقيه. لم يكن المكان الذي تعرض للقصف وقتئذ، سوى الهدف (س) لأكثر من مئة هجمة على الأقل، شنتها الطائرات على مراكز آهلة بالمدنيين، من بينها مدارس، قتلت 652 طفلًا.

سيظل الأطفال، في الحرب السورية، هدفًا ناجحًا، موجعًا، تصوَّب عليه الذخائر، كلما عجز الأسد عن ضم مناطق جديدة إلى مملكة متهالكة، تخضع لسيطرته. فعلى غرار آلاف الهجمات، قصفت طائرات الأسد -قبل أيام من يوم الطفل العالمي الذي يصادف في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري- مناطقَ مدنية في عمق حي “الحجر الأسود”، جنوبي العاصمة دمشق، كما استهدفت صواريخه مناطق سكنية، في حرستا وجوبر شمال العاصمة، ومناطق أخرى شمال البلاد، ووسطها.

إن حصيلة ضحايا هذه الهجمات من الأطفال ستأخذ مكانها على لائحة طويلة، يتم تحديثها في كل يوم، تحوي أسماء أكثر من 24 ألف طفل، قتلوا منذ آذار/ مارس 2011، وفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وهي “مؤسسة مستقلة توثق انتهاكات وجرائم الأسد بحق المدنيين”. 20 ألفًا و676 منهم قُتلوا على يد قواته. و714 طفلًا برصاص قناصته، وما لا يقل عن 160 طفلًا نتيجة التعذيب، و276 طفلًا قضوا خلال الحصار الذي تفرضه القوات الحكومية على بعض المناطق. فيما بلغ عدد الأطفال المعتقلين ما لا يقل عن 11 ألفًا و44 طفلًا، ما زال نحو ألفين و819 منهم، قيد الاعتقال حتى اللحظة.

تفرض طبيعة الصراع صعوباتٍ تنفيذية أمام وسائل التحقق، تحول دون التوصل إلى أرقام دقيقة، حول عدد هؤلاء القتلى، أو عدد من يصابون بإصابات حرجة غير قاتلة، في مناطق يصعب الوصول إليها. غير أن الشبكات الحقوقية والقانونية المحلية، المعنية بانتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب، تحاول جاهدة ردم هذه الفجوة بانتشارها الأفقي، عبر كوادر تلقت تدريبات متقدمة، بهذا الخصوص.

تختلف تفاصيل هذا المسار عند بعض المنظمات الأممية، ففي بعض الأحيان تلجأ إلى معلومات مستقاة من مصادر أخرى، محدودة الحركة على الأرض، لا تلامس أرقامها الواقع. وقد قلل الأمين العام للأمم المتحدة مؤخرًا من حجم الكارثة، حين اعتمد في التقرير الذي قدمه لمجلس الأمن، مطلع الشهر الحالي، حول الأطفال والنزاعات المسلحة، على أرقام ضعيفة عن وضع الأطفال في سورية. لم تستوعب الواقع كما هو. وبقي عرضه على الرغم من قصوره، يعكس فداحة الثمن الذي يدفعونه في المحصلة، من جرّاء حرب يتحمل نظام الأسد 94 بالمئة، من مجمل الانتهاكات المرتكبة بحقهم، فيما تتحمل الأطراف الأخرى 6 بالمئة المتبقية، وبنسب متفاوتة.

لا تبدو الصدمة مقتصرة على ما تسببه الحرب التقليدية، من خسائر بشرية ومادية؛ فعلى غرار الأهوال الناجمة عن القصف والمعارك الطاحنة، تضيف تداعيات الحرب أهوالًا مماثلة، يعاني منها ملايين آخرون، ساعدهم القدر في أن يحتفظوا بحياتهم. بعض مفاعيلها كنموذج وجود ثمانية ملايين طفل، بحاجة إلى مساعدات استثنائية، يشكلون 80 بالمئة من الأطفال السوريين (تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة-يونيسف) 323 ألفًا دون سنّ الخامسة يعيشون، تحت الحصار، و3 ملايين طفل نازح، و2 مليون طفل بحاجة إلى دعم نفسي، وأكثر من 1.2 مليون طفل لاجئ في الخارج، و15 ألف طفل منفصل عن ذويه، بعد أن عبروا الحدود السورية، و310 آلاف طفل وُلدوا خارج البلاد، و2.8 مليون طفل، غادروا التعليم، إضافةً إلى وجود أطفال تم تجنيدهم للقتال، بعضهم لا يزيد عمره عن 7 سنوات.

إن هذه الأرقام، وما سبقها، ستساعد الذين يراكمون خسائر الطفولة في سورية، في أن يحاسبوا ضمائرهم؛ فالحمم التي ترميها الطائرات، على ما يُعتبر في القانون الإنساني أماكن آمنة، مثل المدارس والمستشفيات والملاعب والأسواق والمتنزّهات العامّة والمنازل، لا تقتل إلا الصغار. وقد حان الوقت، لكي يتوقفوا عن انتهاج سياسات سيئة، تعمل خارج حدود الضمير، يدفع فاتورتها المكلفة أولئك الذين وجدوا أنفسهم وسط جحيمٍ، لم يصنعوه.

علاء كيلاني
[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

جيرون