مؤتمر الرياض: خلفيات واحتمالات



في عامي 2014 و2015، رفض الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة أمرَين محوريين: الأول مشروع مجموعات العمل التي طرحها المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، والتي اعتُبرت مناورة على بيان (جنيف 1) وما نصّ عليه، واستبداله، خاصة من جهة تشكيل هيئة الحكم الانتقالي بصيغ فضفاضة. والثاني المشاركة في “التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب”، على خلفية ألا يكون ذلك منفردًا، وعلى حساب محاربة النظام الموصوف كإرهابي، ومفرخ للإرهاب، في تحليلنا.

تحت شعار توسيع قاعدة التمثيل، توافق المجتمع الدولي على عقد مؤتمر الرياض، وبمشاركة “هيئة التنسيق” وممثلين عن الفصائل العسكرية، و”تيار بناء الدولة”، وعدد من المستقلين الذين تمّ اختيارهم من قبل الجهات الداعية.

كان الائتلاف يقول دائمًا إنه ليس مع احتكار تمثيل المعارضة، وطالما دعا “هيئة التنسيق” وغيرها إلى الحوار والتوافق، ووقع معها وثائق تجسد ذلك، وأن العامل الرئيس في الخلاف والتوافق كان يتمحور حول الموقف من مصير بشار الأسد، وكبار رموز النظام الملوثة أيديهم بالدماء، والبدء المباشر بالعملية التفاوضية، وتفصيلات المرحلة الانتقالية ومهماتها، وهيئة الحكم الانتقالي، وما ينتج عنها من مؤسسات وهيئات.

جرى التوافق على بيان الرياض الذي نصّ صراحة على استبعاد الأسد، ورفض أي دور له، مع بدء المرحلة الانتقالية، وقامت الهيئة العليا للتفاوض، كمؤسسة وظيفية تختصّ بالمفاوضات.

هذا التطور نقل الائتلاف من جهة وحيدة في المفاوضات، إلى مشاركة بحدود الثلث، البعض ذهب بعيدًا في اعتبار ما حدث بديلًا للائتلاف، وهناك من بشّر بنهايته، وخصوصًا أن الهيئة العليا سحبت جلّ الأضواء نحوها، والعلاقات والاتصالات الخارجية، وانسحب الاعتقاد حتى على بعض أعضائها، ممن رشّحهم الائتلاف، ثم ظهر أن الهيئة العليا لا يمكن أن تتحول إلى هيئة سياسية لتمثيل المعارضة، وأن تركيب الائتلاف، وأذرعه المتعددة في الحكومة المؤقتة، ووحدة تنسيق الدعم، ولجنة الحج، والمجالس المحلية، ومزيد من العلاقات الداخلية والخارجية يتجاوز قدرات الهيئة العليا، بما أوجد نوعًا من التوازن، وأعاد الائتلاف إلى مكانة متصاعدة.

روسيا قوة الاحتلال المساند الرئيس لبقاء المجرم بشار الأسد، وعبر نفوذها القوي في الشأن السوري، والتي حاولت مرارًا تليين مواقف الائتلاف، والضغط عليه بوسائل متعددة، نجحت في صياغة القرار الأممي 2254 الذي نصّ على توسيع قاعدة التمثيل، وذكر منصتي موسكو والقاهرة، وكأن وجودهما هو الذي يمنح وفد المعارضة شرعيته.

من خلال الدور السياسي الساحق الذي تقوم به روسيا، واستثمار نتائج معاركها في حلب؛ جاء لقاء أستانا، محاولة أخرى، لإيجاد بديل عن الائتلاف والهيئة العليا، بدعوة الفصائل العسكرية واستبعاد الهيئات السياسية، ومحاولة تمرير مسار يوازي جنيف، ويكون في النهاية بديلًا له.

فشِل المسعى الروسي في هذا الهدف؛ أمام إصرار الفصائل العسكرية، على حصر لقاءات أستانا بوقف إطلاق النار، ثم بتكريس ما يعرف بـ “مناطق خفض التصعيد”، واعتبار الهيئة العليا مرجعيتهم السياسية، وجنيف هو المكان الطبيعي للمفاوضات. ثم تطورت “المبادرات” الروسية نحو ما يعرف بعقد “مؤتمر الشعوب السورية” في حميميم، وتبديل العنوان والمكان إلى “مؤتمر الحوار الوطني” في سوتشي، وكان لرفض الائتلاف وفضائل هيئة الأركان، وفصائل الجيش الحر في الجبهة الجنوبية، وفعاليات سورية مهمة في الأحزاب والعشائر وهيئات المجتمع المدني، الأثرُ الأكبر في خلخلة المشروع وترنحه، وتأجيله، وإضعاف الآمال التي عقدها الروس عليه.

فكرة عقد لقاء آخر لمؤتمر الرياض، أو توسيع الهيئة العليا، جاءت من السوريين في الهيئة العليا التي شكلت لجنة خاصة بالتوسعة، ولم تكن ظروف السعودية تسمح بانعقاد (رياض 2)، أو أن التوافقات الدولية لم تتمّ، ثم على ضوء ما يعرف بالتطورات السياسية في المسألة السورية، والتي “يجب أخذها بالاعتبار” (كما عبّر عن ذلك جميع المحسوبية على أنهم أصدقاء الشعب السوري)، كانت خلف التفكير بعقد (الرياض 2) والحديث المتواتر عنه، قرابة شهرين، وفجأةً غاب المشروع من التداول، وفق معلومات تسرّبت عن صرف النظر عن عقده.

فجأة، يعود الحديث بقوة عن مؤتمر (الرياض 2)، وتحديد موعد أوّلي، فنهائي له. ويبدو أن عاملين متضافرين كانا وراء هذا التبدّل: الأول يخص نتائج زيارة ملك المملكة العربية السعودية لموسكو. والثاني يتعلق بتحرك أميركي متواتر، جرى تكريسه في ما يعرف، بـ “بيان لقاء ترامب وبوتين”.

يبدو أن زيارة موسكو لم يتم فيها توافق، بشأن المسألة السورية، من جهة الدور الإيراني ومسؤولية روسيا في تحجيمه، ولا حول المشروع الروسي للتسوية في سورية. يأتي ذلك مترافقًا مع حركة أميركية هادفة إلى تحجيم طغيان روسيا في الملف السوري، وإبلاغها رسائل قوية بذلك، ومطالب الإدارة الأميركية بشأن الوجود الإيراني، وطلب انسحاب القوات الإيرانية والميليشيات الطائفية التابعة لها من الجنوب نهائيًا، وعدم قبول روسيا بذلك، وردّها المعلن بخروج القوات الأميركية، واعتبار الوجود الإيراني شرعيًا بطلب من “الحكومة السورية”!

كلام كثير يجري تداوله عن تطور العلاقات بين روسيا وأميركا، ودخول الأخيرة على الخط بقوة متصاعدة، وبالتالي تأكيد الدعوة لمؤتمر الرياض.

عدد المدعوين حتى الآن 144، وقد يتجاوز الخمسين، والحصص أُعلن عنها، و”منصة موسكو” غير موافقة، وتطالب بحصة تتجاوز حصة الائتلاف، أو تساويها( 23 ) في حين أن الكلام كثير عن مضمون البيان الختامي الذي يشكل بيت قصيد مؤتمر (رياض 2)، بخاصة الفقرة الإشكالية المتعلقة بالموقف من مصير ودور بشار الأسد وكبار رموز نظامه. يتحدث الكثير عن أن النيّة لدى الجهات المنظمة، ومن خلفهم القوى الدولية الفاعلة، والمحسوبين على أنهم أصدقاء الشعب السوري، سيسعون لتبديل تلك الفقرة بأخرى ملتبسة، وقابلة لعدد من التفسيرات، مطاطية وحمّالة أوجه، ويمكن أن يكون تعبير “ليس للأسد دور في مستقبل سورية” هو الأكثر رواجًا بين المتوقعين، فهذا التعبير غامض، وضبابي، ويترك مجالًا لعدد من التفسيرات.

من جهة أخرى، وعند دراسة نوعية المدعوين، ولا سيّما المستقلين، نجد أن سقوف الأغلبية الساحقة منهم مرتفعة، ولا تقبل التنازل عن التحديد الواضح لدور وموقع بشار الأسد، وانتهاء وضعه تمامًا، مع بدء المرحلة الانتقالية، والشروع الفوري في مفاوضات الحل السياسي الرامية إلى إنهاء نظام الفئوية والاستبداد وإقامة النظام البديل التعددي، نظام الدولة المدنية الديمقراطية.

يقول الائتلاف إنه مُجمع على موقفه، والتأكيد على الشروع بمفاوضات الحل السياسي فورًا، وفق قرارات الشرعية الدولية، وضرورة أن تتحمل هذه الشرعية مسؤولياتها في فرضه وتطبيقه، وكما أعلن مرارًا هو يرحب بأي انضمام سوري، وفق هذه الرؤية، والمشاركة في وفد موحد.


عقاب يحيى


المصدر
جيرون