الأمم المتحدة: ملايين السوريين يكافحون للبقاء أحياء



مع دخول الحرب السورية عامها السابع، ما يزال حجم وشدة وتعقيد عملية حصول المدنيين، في جميع أنحاء سورية، على الاحتياجات، كبيرًا. جاء ذلك في تقرير مطوّل أعدته الأمم المتحدة استعرضت خلاله الاحتياجات الإنسانية في سورية، خلال عام 2018.

بحسب التقرير، يحتاج نحو 13.1 مليون شخص في سورية إلى مساعدات إنسانية. ومن بين هؤلاء هناك 5.6 مليون شخص في حاجة ماسة، بسبب النزوح، والتعرض للأعمال القتالية، ومحدودية فرص الحصول على السلع والخدمات الأساسية. ولفت التقرير إلى أن حاجات هؤلاء الأشخاص تختلف، باختلاف الفئة العمرية ونوع الجنس والإعاقة والوضع الاجتماعي والاقتصادي.

يُرجع التقرير أسباب نقص احتياجات المدنيين الإنسانية إلى استمرار النزاع العسكري، حيث يتعرض السكان المدنيون، في أجزاء كثيرة من البلد، لمخاطر كبيرة في مجال الحماية، تهدد حياتهم وكرامتهم بشكل يومي. ومع استمرار الاضطرابات الناجمة عن الأعمال العدائية والتشرد الواسع النطاق، ما تزال فرص الحصول على الخدمات وفرص كسب الرزق نادرة. وتحدث التقرير عن وجود نحو 2.9 مليون شخص، يعيشون في مناطق يصعب الوصول إليها، بما في ذلك 419 ألف شخص في المناطق المحاصرة التي أعلنتها الأمم المتحدة.

على الرغم من زيادة إمكانية الوصول إلى العديد من المناطق في شمال شرق سورية؛ فإن احتياجات الناس في المناطق المحاصرة والمناطق التي يصعب الوصول إليها ما تزال شديدة بشكل استثنائي، بسبب القيود التعسفية المفروضة على حرية تنقل السكان المدنيين، وعدم القدرة على الحصول على السلع الأساسية أو المساعدة الإنسانية، وانعدام الأمن المادي، والتحديات المستمرة لتقديم المساعدة الإنسانية. وفي الوقت نفسه، أدى استمرار الأعمال القتالية إلى زيادة نسبة النزوح والتشرد، بمعدل متوسط قدره 6550 نازح يوميًا.

يواجه هؤلاء النازحون الجدد نقصًا حادًا في الاحتياجات بشكل خاص، بسبب انعدام مقومات الأمن والحماية التي تؤدي إلى حرمانهم من مقومات الحياة الأساسية، إلى جانب صعوبة استمرارية الحياة في المجتمعات التي نزحوا إليها، لأنها بالأساس مثقلة بالأعباء والمشكلات على كافة الأصعدة.

حذر التقرير من استمرار الأعمال القتالية الوحشية، في أجزاء عديدة من سورية، خلال العام المقبل، حيث نقل التقرير آراء العديد من الجهات الفاعلة في المجال الإنساني التي عبّرت عن قلقها، إزاء ارتفاع مستويات الإصابات بين صفوف المدنيين التي ما يزال یُبلّغ عنھا، وتشير إلی انتھاکات للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان.

تطرّق التقرير إلى استمرار تعرض المدنيين لآثار مخاطر المتفجرات في المناطق المكتظة بالسكان، حيث قدرت المنظمة أن ما يصل إلى 8.2 مليون شخص معرضون لمخاطر المتفجرات.  وأضاف أن استمرار الهجمات العشوائية، على المناطق المكتظة بالسكان، سيؤدي إلى تدمير الهياكل الأساسية للبنى التحتية، ولا سيما المرافق الصحية المتضررة والمدارس وشبكات المياه والأسواق وأماكن العبادة.

انتهاكات بحق الأطفال:

تناول التقرير التحقيقات التي أجرتها آلية الرصد والإبلاغ السورية (MRM4Syria)، بشأن الانتهاكات الجسيمة المرتكبة ضد الأطفال، خلال العام الحالي، والتي بلغت 26 هجومًا على المدارس والأطفال والمعلمين. في حين تعرض قطاع الصحة لأكثر من 100 اعتداء، في النصف الأول من عام 2017؛ ما شكل تهديدًا قويًا لحياة الأطفال.

أشار التقرير إلى أن مسألة تجنيد الأطفال تشكل مصدر قلق خاص، إذ إن 18 بالمئة من 300 حالة تم التحقق منها (منها 289 ذكور) تشمل أطفالًا دون سن 15 عامًا، وبعضهم لا يتجاوز عمرهم 12 سنة، وأفادت تقارير عديدة بأن “الكثيرين منهم شاركوا في أدوار قتالية نشطة”.

لفت التقرير الأممي إلى التدمير الواسع الذي شمل البنية التحتية، واستنزاف الأصول الإنتاجية والادخار، وزيادة الديون، ومحدودية الفرص الاقتصادية، كلها عوامل ساهمت في المصاعب الاجتماعية والاقتصادية وتعطيل سبل العيش. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع مستويات الفقر، في جميع أنحاء سورية، حيث يقدر أن 69 بالمئة من السكان يعيشون في فقر مدقع.

ونتيجة لذلك، استُنفدت القدرة على التكيف لدى الكثير من الناس، في المجتمعات المحلية الأكثر تضررا في سورية. وأصبحت الأسر تلجأ إلى استراتيجيات التكيف الضارة التي تؤثر بشكل غير متناسب على أشد فئات السكان ضعفًا، ولا سيما الأطفال والشباب والمراهقين.

تشمل هذه الآليات أو الاستراتيجيات تقليص استهلاك الأغذية، واللجوء إلى الاستدانة التي تؤدي لتراكم الديون. وبحسب التقرير فإن آليات التأقلم هذه ليست سلبية وغير قابلة للاستمرار فحسب، بل إنها، بمجرد استنفادها، تدفع الناس إلى اللجوء إلى أنشطة استغلالية وخطرة على نحو متزايد، مثل عمالة الأطفال والتجنيد والزواج المبكر. ولذلك فإن من الضروري بذل جهود متزايدة لدعم قدرة الأسر والمجتمعات المحلية على الصمود أمام الصدمات الحالية والمستقبلية.


نسرين أنابلي


المصدر
جيرون