‘احتلال منسي: المستقبل الغامض للمجتمع السوري في الجولان المحتل’

5 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2017
6 minutes

في مجدل شمس -وهي واحدةٌ من القرى العربية الخمس المتبقية في الجولان السوري المحتل- يبدو أنَّ الحياة تسير كالمعتاد؛ حيث يتموضع السياج الذي يفصل الجولان عن سورية، خارج القرية على بعد أمتارٍ قليلة من المنازل. من وقتٍ إلى آخر، يُذكّر صوتُ الانفجارات سكانها بأنَّ أكبر أزمةٍ في القرن الحادي والعشرين ما تزال مشتعلة، على بعدِ بضعة كيلومترات فقط، خلف تلك التلال التي تُمثّل المنطقة العازلة بين سورية، و”إسرائيل”.

احتلّت القوات الإسرائيلية الجولان السوري، إبّان حرب 1967، وتحمَّل السكان السوريون المحليون وطأة المعاناة، وفرَّ 130،000 مدنيّ، بسبب الجيش الإسرائيلي، أو أُجبروا على الرحيل. تمّ تدمير 350 بلدةً، وقرية، ومزرعة؛ من أجل منع عودة السكان المحليين، ولم تنجُ سوى خمس قرى، يسكنها حوالي 6000 سوريّ. وفي خراب القرى السورية المدمرة؛ اتّبعت “إسرائيل” السيناريو ذاته المعمول به في فلسطين، قبل 1948 وبعدها: إخلاء السكان الأصليين، والاستعاضة عنهم بمستوطنين يهود، كوسيلةٍ للقضاء على الماضي العربي، وإفساح المجال أمام مستقبلٍ يهودي جديد. كما قامت ببناء 34 مستوطنةٍ غير قانونية، وانتقل آلاف اليهود الإسرائيليين إلى استعمار الأراضي المحتلة حديثًا. يعيش في الجولان المحتل حاليًّا أكثر من 25000 إسرائيلي. لم يكن القانون الدولي، الذي يعدّ نقل السكانِ من أراضٍ محتلة جريمةَ حرب، مصدرَ قلقٍ للسلطات الإسرائيلية البتة.

في عام 1981، ضَمَّتْ “إسرائيل” رسميًّا الجولان السوري المحتل، وحاولتْ فرض الجنسية الإسرائيلية على المجتمع السوري المحلي، حيث قاوم السكان العرب الأصليون هذه “الأسرلة” بشدّة، ودعوا إلى إضرابٍ دامَ أكثر من 6 أشهر. وفي النهاية؛ مُنح السوريون في الجولان تصريح إقامةٍ دائم، على نموذج القدس الشرقية. دان المجتمع الدولي بالإجماع الضمّ غير الشرعيّ للجولان، على نحو ما أكّد مجلس الأمن، في قراره 497 للعام (1981)، والقرارات اللاحقة له.

في أثناء هذا الاحتلال الذي استمر نحو 50 عامًا؛ عانى السكان السوريون الباقون (والمقدّر عددهم بنحو 26،500 نسمة) من انتهاكاتٍ عديدة لحقوق الإنسان، على أيدي محتلهم الإسرائيلي؛ حيث صودرت مساحات واسعة من الأراضي، وزُرعت حقول الألغام على مقربةٍ من المنازل، والحقول الزراعية، وتمّ تقييد الوصول إلى الموارد الأساسية كالمياه بشدّة، وتغيير المناهج الدراسية، من أجل محو الهوية السورية والعربية.

كان الصراع الذي انفجر، في سورية عام 2011، مأساةً لملايين السوريين، غير أنّه فتح إمكاناتٍ جديدة “لإسرائيل” لتشديد قبضتها، وزادت السلطات الإسرائيلية مطالبتها بالشرعية على الجولان. زار نتنياهو الجولان المحتل عام 2016، وتعهّد بأنَّ “الجولان سيظلُّ دائمًا في “أيدي إسرائيل”. وإضافة إلى ذلك، عام 2015، أطلق خطةً مفتوحة تهدف إلى زيادة عدد المستوطنين غير الشرعيين، ليصل عددهم إلى 100،000 مستوطن.

من ناحيةٍ أخرى، نفذَّت “إسرائيل” استراتيجيةً لاسترضاء الجالية السورية في الجولان. فعلى مدى عقودٍ، كانت “إسرائيل” تتجاهل تمامًا العرب الأصليين، سواء باللامبالاة أو العداء العلني (مصادرة الأراضي والتمييز وغيرها الكثير)، لكنّ السلطات أظهرت مؤخرًا عطاء متزايدًا، إذ زُوّدت المجالس المحلية العربية “الدرزية”، بموارد مالية كبيرة لبناء المدارس، والطرق وغيرها من مشاريع البنية التحتية العامة. وقد صرّح نتنياهو نفسُه مؤخرًا بأنّ “الدروز” الجولانيين “مجتمعٌ رائع، لنا معه رابطة أخوية، إنَّهم مواطنون في دولة “إسرائيل”، متناسيًّا -على ما يبدو- أنَّ الغالبية العظمى من “الدروز” الجولانيين رفضوا الجنسية الإسرائيلية.

لطالما كانت “إسرائيل” فعالةً بصورة مباشرة في سورية؛ فمنذ عام 2011، شنَّتْ سلسلةً من الضربات الجوية ضدّ النظام السوري، و”حزب الله”، في المنطقة القريبة من الجولان المحتل، وفي مدنٍ مثل دمشق. وفي الوقت نفسه، جرى تقديم دعمٍ كبير، من مساعدات مالية إلى صحية، لبعض الجماعات المتمردة في المنطقة، وخصوصًا الفصائل المرتبطة “بهيئة تحرير الشام”. وفي نهاية المطاف، إنَّ “إسرائيل” مهتمةٌ بمنع “حزب الله”، والميليشيات المرتبطة بإيران، من القدرة على التحرك بحريةٍ في جميع أنحاء المنطقة الحدودية، ومنع إمدادات الأسلحة التي تُنقل من إيران إلى “حزب الله” في لبنان.

إنَّ نظامًا سوريًا أكثر ضَعفًا، لكنه موثوق، يمكنْ أنْ يكونَ نتيجةً مفضلةً “لإسرائيل”، طالما مُنع “حزب الله”، وإيران من أنْ يصبحا تهديدًا جديًّا. وفي النهاية، وعلى الرغم من دعاية النظام المستمرة المطالبة بتحرير الجولان، ظلَّ خط وقف إطلاق النار السوري-الإسرائيلي أكثر “حدودها” أمانًا، على مدى السنوات الخمسين الماضية.

إن المجتمع المحلي السوري في الجولان، العالق بين الحرب الأهلية والاحتلال الذي يبدو بلا نهاية، يواجه مستقبلًا غامضًا؛ فالدولة والهوية اللَّتان ترتبطان بهما عاطفيًا تمزقا، بينما تقدم “إسرائيل” لهم السلامة والعمل، على حساب فقدان هويتهم لدولةٍ يكونون فيها دائمًا مواطنين من الدرجة الثانية.

 

اسم المقال الأصلي
A Forgotten Occupation: The Uncertain Future of the Syrian Community in the Occupied Golan

الكاتب
لورونزو باريلا

المصدر
مركز حرمون للدراسات المعاصرة، برنامج الباحثين الزائرين الدوليين

ترجمة
وحدة الترجمة والتعريب

لورينزو باريلا
[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

جيرون