مرضى السرطان في الغوطة.. الحصار يفرض الخيار الوحيد



تؤدي الحالة النفسية للمرضى دورًا رئيسًا في بلوغهم الشفاء، وعادةً ما يهتمُّ الأطباء بنفسية المرضى، خصوصًا المصابون بمرض عضال يستغرق علاجه وقتًا وصبرًا. “في غوطة دمشق لا يمكن التعويل على الجانب النفسي، كجزء لا يتجزأ من العلاج؛ ذلكَ أن المرضى يدركون أن شفاءهم مستحيل، وفي هذه الحالات لا ينفع التفاؤل أو اجترار الأمل”. بهذه الكلمات، أبدى الطبيب أحمد دبيس رأيه بواقع مرضى السرطان في الغوطة، مؤكدًا أن “دراية هؤلاء المرضى، بعدم توفّر العلاج، تدخلهم وذويهم في حالة من اليأس والحزن؛ تسرّع في تدهور صحتهم”.

أضاف: “يتطوّر هذا المرض بسرعةٍ قصوى، ويحتاج المريض في أثناء العلاج إلى نظامٍ غذائي صحي متكامل، وهذا غير متوفر بالنسبة إلى أهالي الغوطة، فضلًا عن القصف الكثيف وحالات الرعب والهلع التي يعيشها المرضى يوميًا؛ ما يؤدي إلى إحباطهم وفقدِهم الأمل بالحياة، ويتحولون إلى أشخاص كارهين لكل شيء غير متفاعلين مع المحيط، ويفقدون شهيّتهم؛ ما يسرّع في تفاقم وضعهم، ومن ثمّ وفاتهم”.

يوجد في غوطة دمشق حاليًا نحو 650 مريض سرطان، يحتاجون علاجًا فوريًا، وفق مصادر طبية عديدة، ويرتفع -يوميًا- عدد الحالات الخطِرة الوشيكة الوفاة، بعد أن فشلت إلى الآن كل المناشدات الدولية بإخراجهم لتلقي العلاج في العاصمة، أو إدخال علاجات تطيل أمد بقائهم أحياء.

في هذا الموضوع، قالت الطبيبة وسام الرز مديرة مركز (دار الرحمة) لعلاج الأورام في الغوطة، لـ (جيرون): “إن وضع مرضى الأورام في الغوطة سيئ جدًا، حيث إن معظم الأدوية الكيماوية التي يحتاجون إليها مفقودة، والجرعات المتبقية لا تغطي حاجة أكثر من 3 بالمئة من المرضى، والمسكنات والسيرومات قليلة، ونقل الدم صعب جدًا. مؤكدة “أن الكوادر الطبية ما تزال على رأس عملها، تقدم المساعدة والعون، وتجاهد وتحارب بما تبقّى من مُستهلكات”.

أضافت مبيّنة بعض التفاصيل: “يوجد 1300 مريض مسجلين في المركز، ويوميًا ينضمّ إلى فريق الحالات الميؤوس من شفائها مرضى جدد، لعدم تلقيهم العلاج، كما يوجد إصابات جديدة تسجّل في المركز”.

تأسس مركز (دار الرحمة) منتصف 2013، وهو يقدم جرعات كيميائية للمرضى مجانًا، إضافة إلى شتى أنواع التحاليل المتعلقة بمرضى الأورام، وهو يتابع أحوال المرضى القدامى، ويسهم في دراسة حالات المرضى الجدد. “حقّق المركز نسبة علاج بلغت 37 بالمئة، وشهد 10.5 بالمئة حالات وفاة حتى نهاية 2016، ولكن منذ إطباق الحصار كليًا، منتصف العام 2017، توفي 32 مريضًا، كان آخرهم عبد المنعم غازي، وهو مريض مصاب بالرئة، إضافة إلى أكثر من 40 حالة نكس، والعدد في تزايد، وعدد حالات المرضى المهددين بالموت في أي لحظة يشكّل نسبة عالية من إجمالي عدد المرضى”، وفقَ مديرة المركز.

شدّدت وسام على أن الحل لهذه الكارثة و(العقاب الجماعي) للمرضى وأهاليهم والكوادر الطبية، على حدّ تعبيرها، لن يكون إلا “بفتح المعابر والمنافذ وإدخال الدواء”، لافتةً إلى أن “خروج كل المرضى إلى دمشق سيؤدي إلى إرهاقها”، وأوضحت “إذا دخلت كمية جيدة من العلاجات إلى الغوطة؛ فسيتضاءل عدد المرضى الذين يحتاجون إلى استكمال علاجهم في دمشق إلى 50 حالة، بينما حاليًا يجب على جميع المرضى الخروج لتلقي العلاج، وإلا؛ فإن مصيرهم الموت”.

من جانب آخر، أكد الصحافي عامر الموهباني من الغوطة أن “ظروف مرضى السرطان في الغوطة صعبة جدًا؛ نتيجة نفاد الأدوية والجرعات الخاصة بهم، إضافة إلى عدم وجود الوسائل التشخيصية، من اختبارات كيميائية وتصوير رنين مغناطيسي”، مؤكدًا أن زيارة المراكز الطبية -بالنسبة إليهم- لا تقدّم ولا تأخر، لنفاد المسكنات أيضًا، وهم ينتظرون الموت، وذووهم يموتون في كل لحظة قهرًا، لرؤية أبنائهم يموتون أمام أعينهم، وهم عاجزون عن فعل شيء”، مشددًا على أن “لا حلّ إلا فتح المعابر وإدخال الأدوية، فكل أحاديث إجلاء المرضى بقيت حبرًا على ورق، وهي -بالنسبة إلى النظام- ورقةٌ يساوم عليها، ليقتل المدنيين ويحرق الوقت”.

روت وسام قصة طفل في الغوطة، عمره 9 سنوات “كان مصابًا بورمٍ في عقب قدمه، أُجريت له عملية بتر لعقب القدم، وتلقّى بعد ذلك 6 جرعات علاج كيماوي، وتحسنَ وضعه واستقر نوعًا ما، لكن الورم، بسبب نقص الغذاء والدواء المكمّل وتدهور حالته النفسية، عاود ظهوره في رئته، ولديه حاليًا نقائل رئوية، وهو مهدّد بالموت في أي لحظة، بفعل تطور هذه النقائل، في حال لم يتلقَ العلاج الكيميائي، و(مركز الرحمة) لا يملك هذا العلاج، ولا يوجد أي طريقة لإخراجه من الغوطة، وهو -كغيره من مرضى الأورام في الغوطة- (مشروع شهيد)”.


آلاء عوض


المصدر
جيرون