جنيف… حوارات لا مفاوضات
8 ديسمبر، 2017
كما كان متوقعًا تمامًا، وكما تم التخطيط له بدقة متناهية، منذ الدعوة إلى (الرياض 2)، فشلت -حتى اللحظة- النسخة الثامنة من مؤتمر جنيف، وفي الغالب سيستمر فشلها حتى بعد عودة النظام يوم الأحد القادم إلى جنيف. فشل المفاوضات -أو على نحو أدق إفشالها- هو خطة روسية مُبرمجة، والهدف من هذه الجولة هو كسب الوقت من أجل إنجاز الإعداد لمؤتمر سوتشي الذي حاول الروس مستميتين عقدَه بالتزامن مع الجولة الثامنة، إلا أن الرفض الواسع للمؤتمر حدا بالراعي الروسي إلى تأجيله مرتين؛ ليستقر مبدئيًا على نية عقده مطلع الشهر الثاني من العام القادم.
بدا ذلك واضحًا، من خلال الدعوات إلى مؤتمر (الرياض 2)، ومن خلال استبعاد بعض الشخصيات الوطنية، بناءً على توصيه خاصة من قدري جميل للخارجية الروسية، ولم يكن هدف الاستبعاد استبعادًا من (الرياض 2) فحسب، بل استبعادًا مما هو بعد (الرياض 2)، أي مؤتمر سوتشي، ولكون الشخصيات المُستبعدة ترفض الخروج من مظلة الأمم المتحدة إلى المظلة الروسية، بالعكس من الكثير من أعضاء الهيئة الحاليين، الذين يؤمنون بأن الحل روسي بامتياز، وهم -وإن صرّحوا وأعلنوا تمسكهم بقرارات الأمم المتحدة- ليس لديهم أي مانع من الخروج عن سكة جنيف، والسير على سكة سوتشي، والمبرر دائمًا موجود: وقف النزيف السوري ووقف شلال الدماء، وتحت شعار “ليس بالإمكان أكثر مما كان”، ظنًا منهم بأنهم يُمارسون ما يُسمى “الواقعية السياسية”. وهنا هم لا يستطيعون التمييز بين الواقعية وبين التنازل عن الثوابت، لكون الخط الفاصل بينهما دقيقًا جدًا، بل إنهم يرون أن الواقعية مبرر مشروع للتنازل.
ما حصل منذ انطلاق الجولة الثامنة حتى اللحظة لم يكن أكثر من مداولات ونقاشات، بين الوفد المفاوض وبين فريق الأمم المتحدة، وهذا لا يعني شيئًا، على عكس ما يقوله أعضاء الوفد المفاوض، في لقاءاتهم الصحفية وتصريحاتهم لوسائل الإعلام، وهو أيضًا لا يعني النظام بشيء، وهو الذي ينظر إليها بعين الاستخفاف، كونه غير مُلزم بأمرٍ، لم يحضره، ولَم يوافق عليه، ولم يكن طرفًا فيه، أما الحديث عن اللجان التقنية فهذا أمر يطول شرحه، إذ إن هذه اللجان كانت قد انتهت، منذ زمن الهيئة السابقة، من إعداد الملفات اللازمة، وفي الوقت ذاته، يمكن لدي ميستورا الاستمرار بطرح أفكار جديدة، عشرات السنوات، وتشكيل عشرات اللجان الإضافية، حتى يكون الفريقان: الروسي والأميركي، قد توصّلا إلى صورة معينة للحل أو نجاح الضغوط الشديدة على الوفد المفاوض، من أجل سحب بند رحيل الأسد من بيان (الرياض 2)، أو على الأقل تجميده، إلى ما بعد الدخول في مفاوضات مباشرة، وهذه الضغوط مستمرة من أطراف أوروبية، ومن أطراف إقليمية وعربية. وفي حقيقة الأمر، وجدت هذه الضغوط آذانًا صاغية من عدد من أعضاء الوفد الواحد وغير الموحد، لكنها قوبلت بالرفض الشديد من طرف قادة الفصائل، وبعض الساسة المشاركين بالوفد، وحاليًا يؤدي الساسة الأوروبيون المواكبون مفاوضات جنيف دورًا مهمًا لصالح توسيع الكتلة الموافقة، على سحب بند إزاحة الأسد.
بالعودة إلى سوتشي، فقد فشلت القمة الأخيرة، بين الدول الضامنة: روسيا إيران وتركيا، في الاتفاق أو التوافق على رؤية للحل، رؤية يمكن تبنّيها في مؤتمر سوتشي، وذلك لاختلاف أجندات الدول الثلاث، بشكل جوهري، حول الكثير من القضايا ليس أبسطها دعوة (حزب الاتحاد الديمقراطي) الكردي إلى مؤتمر سوتشي، وأعقدها هو موافقة إيران على إخراج ميليشياتها من سورية، حيث إن الطرف الأميركي لن يقبل أي تواجد لإيران في سورية، تنفيذًا لطلب إسرائيلي، وروسيا لا تستطيع فرض خروج تلك الميليشيات على إيران، لكون إيران حليفًا استراتيجيًا وثيقًا لروسيا، بل إن انسحاب الميليشيات الإيرانية سوف يؤدي إلى خلل كبير في موازين القوى على الأرض، وسيعود “الثوار” ليسيطروا على كامل المساحات التي خسرتها المعارضة، منذ ما بعد التدخل الروسي، أي عودة موازين القوى إلى ما قبل عام 2015، وبالرغم من تصريح وزير الخارجية الروسي الخميس الذي قال فيه إنه أطلع الإدارة الأميركية على نية موسكو بعقد مؤتمر سوتشي؛ فإن الطرف الأميركي مستمر بسياسة الغموض والمراقبة التي انتهجها خلال جولات أستانا، حيث لم يوافق الأميركيون صراحةً على مسار أستانا، ولم يرفضوا، وهذا ما يمنحه فرصة الفيتو على النهج الروسي في أي لحظة، وإعادة المسألة إلى نقطة الصفر، فما ينتظره الأميركي هو النهاية أو التصور الروسي النهائي للحل، وموقع إيران في هذا التصور.
إن استمرار الوفد المفاوض بتمسكه بشرط رحيل الأسد، وصموده حتى النهاية في وجه الضغوط، سيؤدي -في نهاية المطاف- إلى انسحاب نهائي لوفد النظام، فاتحًا الطريق بالكامل إلى حلبة سوتشي، وهذا مأسوف يحصل أغلب الظن، إذ لا يمكن لعاقل أن يُصدّق أن موسكو تضغط على دمشق، من أجل الذهاب إلى جنيف والتفاوض، بل على العكس تمامًا، فإن موسكو هي من أشار إلى النظام بعدم إرسال وفده، وسوف تشير إليه بالذهاب، حين ترى أن ذهابه سيكون مجديًا، في حال نجحت الضغوط على الوفد المفاوض أو الانتقال إلى الخطة (ب)، وهي جر الوفد المعارض إلى سوتشي، ووضعه بين ألف وخمسمئة مشارك ليضيع هناك، وليضيع كذلك بيان الرياض واحد واثنان، وكافة القرارات الأممية.
كل ما يتمناه السوريون اليومَ من الوفد المفاوض هو الثبات على المطالب المشروعة لثورتهم، في جنيف، وعدم الانجرار إلى سوتشي، تحت أي ظرف كان.
مشعل العدوي
[sociallocker]
جيرون