ما تزال الثورة السورية تفتقد قيادتها

8 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2017
8 minutes

المتغير الحقيقي، في السنوات السبعة في سورية، هو الثورة الشعبية عام 2011. ما تتوضع عليه الأمور، حاليًا عام 2017، هو من أجل تغييب هذه الثورة بالتحديد، ويترافق ذلك مع بروز تقارب، بين السلطة والمعارضة، أو المنشغلين بالسياسة، وليس بالضرورة أن يكونوا فقط من المعارضة “التاريخية”، ولكن معظمهم إمّا منها أو من المنشقين عن النظام!

هذا التقارب لا يعني وصول النظام والمعارضة إلى توافقٍ كامل على الحل، ولا إلى توافق جزئي، أي لا صيغة حكم انتقالي كامل الصلاحيات، أو حكومة موسعة بقيادة رأس النظام الحالي، ولكنه يعني أن المعارضة والنظام سيتداولان أمور سورية المستقبلية، وسيتحقق ذلك بالعلاقة مع المحتلين لسورية، ضمن محاصصات سياسية بينهما، وهناك من يشير إلى أن هذه المحاصصات ستكون طائفية وقومية، وبالعموم المعارضة -كما النظام- استعملت هذه الأفكار، وتتعامل معها وكأنّها تمثل حقيقة الشعب، وبالتالي هو ما يفترض أن تتشكل وفقها الدولة المستقبلية. نعم فكرة المكونات التي تظهر، هنا وهناك، في نصوص وبيانات المعارضة تتضمن هذا الأمر، أي أن سورية -كما قال السيد بوتين- هي “شعوب سورية”.

السؤال هنا: ما علاقة هذا الكلام بالثورة السورية؟ ربما سيسارع البعض ويقول: وما الثورة السورية إلّا كفّ يد الطائفة العلوية عن الحكم.. وأن يعبّر المجتمع عن نفسه، وفقًا للمكونات الطائفية: السنّة وهم الأكثرية، والأقليات (علوية ومسيحية ودروز وإسماعيليين وأكراد وشركس وتركمان..). هذا المنطق، لا أقول إنّه منطق عام، وينطبق على المعارضة بكليتها، ولكنها تستند إليه كثيرًا في فهم الثورة والنظام، والحلول السياسية القادمة، وهنا الكارثة.

لن أقول -كما يقول البعض- إنّ سورية تشبه فرنسا أو أميركا، وإنّ الفدرالية مناسبة لها، طالما هي مُطبقةً هناك وتضمن حقوق الناس، وإن هذه الفدرالية لا تستند إلى القومية بل إلى الجغرافيا، وبالتالي لماذا الخوف؛ عدا عن عقلية السحب واللصق، من فرنسا وإلى سورية مباشرة أو العراق مثلًا. إن هذا الرأي يتجاهل المعطى الميداني المحلي السوري الذي يؤكد، بوضوح شديد، أن سورية محتلة، ويجب إيجاد مشروع وطني لإخراج المحتل، وأن سورية معسكرة بالكامل، ووظيفة هذا السلاح محاربة النظام، والجماعات تحارب به بعضها بعضًا، وأن هناك عملية تجريف قومي، كما يفعل حزب صالح مسلم بالعرب، وكما فعل النظام بمناطق واسعة، وكما تفعل فصائل كثيرة بالمختلفين، ليس دينيًا فقط بل سياسيًا.

لست أتجاهل أن سورية ليست بهوية وطنية واحدة، ولكنها أيضًا ليست بهويات دينية أو قومية متقاتلةٍ، وأن ما سيّس هذه الهويات بهذا الاتساع ليست السنوات الخمسين السابقة، بل السنوات السبع بالتحديد. كلامي هذا لا أتجاهل فيه الممارسات الطائفية أو القومية العنصرية ضد الأكراد وبقية القوميات سابقًا؛ أركز على أنّ التسييس المجتمعي الواسع والهويات المتطايرة ضد الآخر، والمتحورة حول الطائفة والقومية والمنطقة، ليست سببًا لتفسير الثورة، ولا هي سبب للتوافق على نظام محاصصات مستقبلي يقوم عليها، بل هي أفكار تطرحها المعارضة والنظام، بما يخرجهما من أزمة التمثيل الفعلي للشعب، وتعمية الأخير، واستغلال الممارسات التاريخية القمعية والملوثة بالطائفية والقومية، من أجل مصادرة الثورة، وإعادة إنتاج النظام القديم، وبما يشمل قطاعات من المعارضة.

لا أناقش الآن رفض النظام (جنيف 8)، أو أن مؤتمر سوتشي في شباط القادم سيكون المدخل للحل السياسي، بل أناقش رؤية فكرية وسياسية، تسود في أوساط المعارضة والنظام، وإن كانت لا توضع بشكل علني على الطاولة، على الرغم من أنها تتواجد بصيغ مثالية مثل “عدم تجاهل المكونات الأهلية، أو تمثيل كل الطوائف، ومن هذه الصيغ..”. نقول: هذه الصيغ عمّمها في سورية تنظيم إعلان دمشق 2005، ونقل صيغة الحكم في العراق حينها إلى سورية، وهي تتوافق مع صيغ الحكم اللبناني، وبالتالي هناك نقص في فهم المعارضة لمعنى المواطنة، وللنظام الديمقراطي المستند إلى المواطنة، وبما يساوي المواطنة بالمكونات الطائفية، والديمقراطية بالتمثيل السياسي للشعب، وفقًا لهذه المكونات. وهذه كارثة تتكرّر تباعًا في الدول العربية، باسم التعبير عن “الشعوب”، كما قال السيد بوتين.

الثورة السورية -ككل الثورات العربية- وُجدت كي تحقق انتقال الشعب إلى وضعٍ أفضل، أي من أجل حياة سياسية واقتصادية واجتماعية وتعليمية وثقافية أرقى، وبما تشمل مساواة المرأة بالرجل؛ هذا هو الأصل في هذه الثورات، وطبعًا إنهاء الأنظمة الأمنية، والليبرالية الاقتصادية، وبالتأكيد الإطاحة برؤساء هذه الأنظمة، باعتبارهم يسيطرون على الدولة وخيراتها، عبر آلياتهم الاستبدادية والنهبية، وبما ينقل ثروات بلادهم إلى حساباتهم الشخصية. السؤال: ما علاقة هذه الأفكار بالطائفية والقومية والمكونات الطائفية؟ نعم الثورات لا علاقة لها بهذه الأفكار؟ ولكن لماذا نجحت الثورات المضادة، وسيُّست المكونات تلك، وظهر وكأنّ تلك الثورات كانت بأصلها بقيادات إخوانية، ولم تكن ثورات شعبية، وكما أوضحنا بعض مطالبها! نضيف هنا أن “الإخوان المسلمين” في سورية، حاولوا منذ الأيام الأولى للثورة حرفها نحو رؤيتهم، وهذا الأمر لم يتحقق لهم إلّا بعد أكثر من عامين، أقصد بخصوص رؤيتهم وليس سيطرتهم هم عليها.

من المؤكد أنّ الفاعلين بالسياسة هم من يضع الرؤى والمشاريع ومن يفاوض، ولكن القضية ليست بهذه البساطة. فالسؤال بدقة: لماذا هذه المعارضة بالتحديد هي من يفاوض النظام، وليس سواها؟ بوضوحٍ نقول: إن الثورات الشعبية قادها شباب متنوعو الاتجاهات ومستقلون، ولكنهم لم يستطيعوا، ولم يُسمح لهم بتشكيل قيادات مركزية، وأغلبهم تمت تصفيته من قبل النظام والفصائل الإسلامية، ومن أصبح منهم لاجئًا، عُزل في الخارج من قبل المعارضة؛ يمكننا أن نراقب وجود آلاف الشباب الثوري اللاجئ، وهو بعيد عن كل عمل سياسي، والسؤال لماذا؟ الجواب هنا: المعارضة هذه، كما النظام، هي من يُعترف به دوليًا وإقليميًا، والمعارضة ذاتها أبعدت الشباب عن قيادة العمل السياسي، وبالتالي صفى النظام أغلبيته، والمعارضة همشته بالكامل، ويمكن أن نضيف أن الضعف النظري والسياسي التاريخي، لدى الشباب، ساهم في تغييب دوره السياسي.

الإجهاز على الثورة السورية تمّ، والآن هناك نظام وتيارات أساسية في معارضة وفصائل هامشية تتصالح، وكلّها أصبحت في موقع التبعية للدول وللاحتلالات الخارجية. الشعب، الذي أصبح أكثر من شعب، أو بلغة بوتين والمعارضة والنظام شعوب! ينتظر قيادات وطنية جديدة.

أسباب الثورة ما تزال قائمة؛ فليس هناك، وفق كل مداخل الحل المقترحة إلى سورية، حلول للمشكلات المُسبّبة للثورة، بل هناك تعقيد وتضخيم لها، وبالتالي سورية تنتظر مجدّدًا قيادات ثورية شبابية وواعية لثوراتها القادمة، ونحو هذا بالتحديد يمكن للمعارضين المستقلين أن يتحركوا.

عمار ديوب
[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

جيرون