‘مركز كارنغي في موسكو: القدس عاصمة (إسرائيل). كيف سيغيِّر قرار ترامب الشرق الأوسط’

11 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2017
11 minutes

[ad_1]

لن تكون انتفاضة فلسطينية خامسة مفيدةً للدول العربية: مصر، الأردن، لبنان؛ لأنها تهدد أمنها الداخلي. وهي ليست مفيدة للسلطات الفلسطينية؛ لأنّها ستعزز موقف الجماعات الراديكالية، ولن تحقق أي نتيجة، باستثناء سقوط الضحايا. بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية، ستعني الانتفاضة تزايد نفوذ إيران، فطهران بالتحديد هي من توحد جبهة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، أي حركة (حماس) و(حزب الله)، وتعتبر السعودية أنّ مواجهة إيران أهمّ من الانشغال بحقوق الفلسطينيين.

اعترف الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسميًا بالقدس عاصمةً لـ (إسرائيل)، وأصدر تعليماته للبدء بالتحضير لنقل السفارة الأميركية، من تل أبيب إليها. وبهذا، بعد انقضاء عامٍ واحد على الانتخابات الأميركية، يكون قد أوفى بوعده للناخبين، وحقق حلم الإسرائيليين.

غير أنَّ هذا القرار لم يلق دعمًا من المجتمع الدولي، حتى بين حلفاء واشنطن، الذين تحدث الكثير من قادتهم، وبالدرجة الأولى قادة الدول العربية، عن النتائج السلبية للقرار، معتبرين أنّ ترامب قد دفنَ نهائيًا الآمال بتحقيق السلام في المنطقة. ولكن هل من الممكن دفن من كان قد مات منذ زمنٍ بعيد؟

ما الذي اعتُرفَ به

من الناحية الرسمية، لا يغيّر قرار الرئيس الأميركي شيئًا، باستثناء موقع السفارة الأميركيّة. قال ترامب في كلمته: “اليوم، نحن -الأميركيين- نعترف بما هو جلي: أنّ القدس هي عاصمة (إسرائيل). إنّه اعترافٌ بالواقع، لا أكثر ولا أقلّ”.

وهو محقٌّ. فموضوع المدينة التي تعدّ العاصمة لم يكن يومًا مطروحًا؛ ذلك أن القدس كانت وتبقى مركز الحياة السياسية والروحية في (إسرائيل). فهناك تعقد جلسات الحكومة، وتعمل إدارة الرئيس، وفيها البرلمان. كما أنّ غالبية المباحثات الدولية تجري في القدس، وإليها يحضر السفراء لتقديم أوراق اعتمادهم.

أي أنها -بحكم الأمر الواقع- معترفٌ بها عاصمةً لـ (إسرائيل). وهذا هو الواقع، الذي تحدَّث عنه ترامب. وليس أقل واقعيةٍ أيضًا، أنّ آمال الفلسطينيين، بجعل القدس عاصمةً لدولتهم، معقدةٌ للغاية عمليًا، فالوصول إلى هذا الوضع يحتاج إلى مستوى مختلف تمامًا من الثقة بين الشعبين.

الأمر الآخر أنّه يمكن تفسير هذا الإعلان، كما يحلو للمرء، وبإمكانه أن يسمع ما يرغب فيه، فالشيطان يكمن في التفاصيل. أو، كما أعلن وزير الخارجية الأميركية بيكس تيليرسون، قبل يومٍ من خطاب ترامب، في التلميحات، وحذّر الصحافيين وقادة العالم من الاستنتاجات المستعجلة، واقترح عليهم الانتباه إلى إعلان ترامب في سياقه العام.

السياق العام الذي تحدّث عنه تيليرسون هو على النحو التالي: لنتخلّ عن الأوهام، ونبدأ ببناء عالمٍ واقعي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، على قاعدة مبدأ “دولتين لشعبين”، إذا كان لدى الفلسطينيين والإسرائيليين تلك الرغبة. وقد أكّد ترامب أن ليس لدى الولايات المتحدة الأميركية الآن، كما في السابق، موقفٌ بالنسبة إلى وضع المدينة النهائي، كما أنّ موضوع رسم الحدود الفاصلة بين فلسطين و(إسرائيل)، ومن ضمنها في القدس، يبقى مفتوحًا. يقول نصّ الإعلان: “الحدود المحدّدة لسيادة (إسرائيل) في القدس هي موضوعٌ تفاوضيٌّ، حول الوضع النهائي”. أي أنّ شيئًا لم يتغيّر بالفعل. ولكن كان وهمًا كبيرًا الاعتقاد، بأنّ أحدًا مستعدٌّ للتخلي عن الأوهام في الشرق الأوسط، حيث تكون الرموز أهمّ من الأفكار الواقعيّة. في (إسرائيل)، كما في فلسطين، تلقفوا كلمات ترامب كدعمٍ غير مشروط للاعتراف بوضع القدس الموحدة وغير المجزّأة، أي اعتبروها دعمًا لطرفٍ بعينه.

حول ماذا يدور الجدل؟

وفقًا لخطة الأمم المتحدة التي اعتمدت عام 1947 حول تقسيم فلسطين إلى دولتين: يهودية وعربية، فإنّ القدس التي تعتبر مكانًا مقدسًا لليهود والمسيحيين والمسلمين، يجب أن يكون لها وضعٌ خاصّ ولا تنتمي إلى أحد، أقلّه في الفترة الأولى بانتظار تقرير سكان المدينة ما يختارونه. ولكنّ الأمور لم تصل إلى هذا الحد. فالعرب لم يقبلوا، من حيث المبدأ، قرار التقسيم، وأُعلن استقلال (إسرائيل) من جانبٍ واحد عام 1948.

بنتيجة الحرب، تمكن الإسرائيليون من السيطرة على الجزء الغربي من المدينة، ولكنّ حائط المبكى، المكان الأكثر قداسةً بالنسبة لليهود، بقي خارج نطاق سيطرتهم. وأضحى الجزء الشرقي من القدس تحت إدارة الأردن. في عام 1967، بنتيجة حرب الأيام الستة، احتلّ الإسرائيليون كامل مدينة القدس.

في عام 1980، اتخذ البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) قرارًا باعتبار القدس موحدة وعاصمةً لـ (إسرائيل). ونصّ على أنّ أيّ قرارٍ حول خروج (إسرائيل) من الجزء الشرقي من مدينة القدس يمكن اعتماده فقط، في حال حوّله 80 صوتًا من أصل أصوات الكنيست الـ 120 صوتًا. أي، على الأرجح لن يحصل ذلك.

لم يعترف المجتمع الدولي بالقرار الإسرائيلي. وحتى الآونة الأخيرة، كان يرى أنّ وضع القدس يجب أن يقرّر من خلال المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية، حول تسوية الوضع النهائي. منذ عام 1988 سمّى الفلسطينيون القدس عاصمتهم، ولكنهم -على خلاف الإسرائيليين عام 1948- لم يكن بوسعهم تحويل قراراهم إلى واقع. وكانوا يأملون القيام بذلك الآن، بأمر الواقع القانوني، إعلان القدس الشرقية عاصمةً لفلسطين. وبعد إعلان ترامب الأخير؛ فقدوا الأمل، بالرغم من ترك الرئيس الأميركي بعض الأمور معلّقةً.

ما علاقة روسيا هنا؟

عند مناقشة قرار الولايات المتحدة الأميركية، يستذكر الكثير من السياسيين والخبراء المناصرين لـ (إسرائيل) إعلان وزارة الخارجية الروسية، في نيسان من هذا العام، حيث يدّعون أنّ روسيا اعترفت بالقدس عاصمةً لـ (إسرائيل) منذ الربيع، لتكون بذلك أولّ دولة تقدم على هذا العمل، ولم نشهد أيّ شكلٍ من الاحتجاجات على ذلك. فلماذا علينا توقّع ردات فعلٍ مغايرة ضدّ ترامب؟

تقول الوثائق الروسية: “نؤكّد التزامنا بقرارات الأمم المتحدة بشأن التسوية، بما فيها موضع القدس كعاصمةٍ للدولة الفلسطينية المرتقبة. وفي الوقت نفسه، نعتبر أنّه من الضروري الإعلان، أننا في هذا السياق نعدّ القدس الغربية عاصمةً لدولة (إسرائيل)”. كلّ شيءٍ بما يتوافق وقرارات الأمم المتّحدة. أمّا ترامب فلم يستخدم مصطلح “الشرقية” و”الغربية” في إعلانه، بل ترك المسألة مفتوحةً، أي يمكن أن تكون كذلك أو غيره. يخشى الفلسطينيون، وليس من دون مبرر، أنّ الأمر سيكون بشكلٍ مغاير. وبالفعل، عندما قال ترامب إن بمقدور كلِّ شعب أن يقرر أي مدينة ستكون عاصمته، كان في الواقع يتحدث عن الإسرائيليين، في حين لم يذكر الفلسطينيين على الإطلاق.

هل ستنفجر المنطقة؟

يدعو الناشطون الفلسطينيون إلى إضراباتٍ، وإلى يوم غضب، في حين قالت حركة (حماس) إن قرار ترامب عدوانٌ سافر. من جانبه ينعى الرئيس الفلسطيني محمود عباس عملية السلام. وفي هذه الأثناء، يخشى سكان القدس، العرب منهم واليهود، من اندلاع مواجهاتٍ في المدينة. قبل أسبوعٍ من خطاب ترامب، قررت وزارة الخارجية الأميركية تعزيز الإجراءات الأمنية في بعثاتها الدبلوماسية. وصدرت تحذيراتٌ للمواطنين الأميركيين في الخارج بتوخي الحذر، تحسبًا لخروج احتجاجاتٍ أو إمكانية تعرضهم لهجمات.

يتوقع الملك السعودي، وغيره من القادة العرب، أنّ القرار سيثير الغضب في المنطقة كلّها، وستجتمع جامعة الدول العربية، وقد يعقد في القريب العاجل اجتماعٌ لمنظمة التعاون الإسلامي، التي توجّهت بالفعل بنداءٍ إلى جميع الدول الأعضاء، تدعوها إلى قطع كلّ أشكال العلاقات بأيّ دولةٍ تنقل سفارتها إلى القدس، وبكلِّ من يعترف بضمّ (إسرائيل) للقدس الشرقية.

من المعروف أنّ منظمة التعاون الإسلامي تضمّ إلى جانب الدول العربية، باستثناء سورية، كلًا من تركيا، إندونيسيا، إيران، باكستان، أفغانستان، عددًا من دول أفريقيا السوداء، جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة المسلمة. وبالنسبة إلى الغالبية من هذه الدول، يعتبر قطع العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية أمرًا غير ممكن التصور. وقد صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي تمرّ علاقات بلاده بالولايات المتحدة بحالةٍ من التوتر، أنّه في حال اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لـ (إسرائيل)، فإنّ تركيا ستقطع علاقاتها بـ (إسرائيل). ولكنَّه لم يتطرق إلى قطعها مع الولايات المتحدة الأميركية.

أمّا فيما يتعلّق بجامعة الدول العربية، فلا يجدر انتظار أيّ شيءٍ منها، سوى التصريحات. كما أن ما حدث عام 1973، عندما فرضت الدول العربية حظرًا على النفط وتسببت بأزمة، للضغط على الدول الغربية الداعمة لـ (إسرائيل)، في أثناء حرب “الغفران”، فهو أمرٌ لن يحدث.

بحسب بعض الشائعات المنتشرة على صفحات بعض الصحف العربية، فإنّ الرياض وافقت منذ مدّةٍ طويلة على خطط الولايات المتحدة الأميركية، بخصوص مستقبل فلسطين، التي ستدعى دولةً على الورق فحسب، مقابل تنازلاتٍ كبيرة، من ضمنها القدس. لكن، من الناحية الرسمية، لم تعترف السعودية بهذا، بل شجبت قرار ترامب، ودعت إلى إعادة النظر فيه.

تكمن المشكلة في أنّ التصريحات الحادة التي تصدر عن القادة العرب، الذين لا ينوون القيام بأي فعلٍ، سوى الكلام، ستسخِن الشارع العربي، وستكون هناك الكثير من القوى التي ليس لديها ما تخسره، والتي تحتاج إلى نشر حالة عدم الاستقرار، وستستخدم إعلان ترامب ذريعةً لبث الفوضى. أما كم ستستمر هذه الاحتجاجات، وما مدى الجماهيرية التي ستحظى بها، فهو أمرٌ آخر.

على أرض الواقع، لن يغيّر إعلان ترامب شيئًا في الوضع في الشرق الأوسط. حيث ستبقى الكثير من المسائل مفتوحةً، كمشكلة عيش الفلسطينيين مستقبلًا، ومصير عشرات آلاف الفلسطينيين الذين يعيشون في القدس، من دون جوازات سفر إسرائيلية أو فلسطينية. لا يتعلّق الأمر بالسفارة، بل في غياب حلٍّ للنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي.

 

اسم المقالة الأصلية
Столица Иерусалим. Как решение Трампа изменит Ближний Восток

الكاتب
ماريانا بيلينكايا

مكان وتاريخ النشر
 مركز كارنغي في موسكو. 7 كانون أول 2017

رابط المقالة
http://carnegie.ru/commentary/74942

ترجمة
سمير رمان

سمير رمان
[ad_1] [ad_2] [sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

جيرون