زاوية ساخرة!



وصلتني رسالة من رئيس تحرير موقع (جيرون) يسألني، بعد التحية والسلام طبعًا، عن إمكانية أن أكتب للموقع زاويتين ساخرتين في كل شهر. فمددت أصابعي إلى لوحة مفاتيح كمبيوتري، كي أقول، على عادتي بالصراحة وقول الحقيقة: آسف أستاذ، لا أستطيع، ليس بسبب ضيق الوقت، وإنما لأنني لا أملك موهبة الكتابة الساخرة، وعلى رأي بعض الناس، وأنا منهم، أنني أيضًا لا أملك موهبة الكتابة بالأساس، وإنما أنا مجرد متطفل على عالم الكتابة، دخلته كي أحصد بعض الشهرة التي فاتتني من العمل السياسي، والخيبات التي حصدتها من وسطي الاجتماعي المناهض للثورة، فلم يبقَ أمامي من طريق يقود إلى “خازوق” الشهرة إلا التعدي على مهنة الكتابة؛ فبدأت مع قيام الثورة “بالنباح”، كي ألفت انتباه العابرين في دروب “الحرية” إلى وجودي على رصيفهم، أو قارعة طريقهم، كما وصفتني صديقة فيسبوكية، قبل أن أمارس عليها ديمقراطيتي القاتلة، وأحجبها عن صفحتي، فأحكامي العرفية الفيسبوكية تسمح لي بذلك، ومن حسن حظها أنها افتراضية.

للمرة الأولى في حياتي العاقلة، ترددت في رفضي لعرض الأستاذ باسل، فقد مرت أمام عينيّ كل الاحتمالات التي يمكنني القيام بها، إذا وافقت، فالتعويض المالي عن الزوايا سيمكنني من استئجار “حمام مفروش” مع منتفعاته، في إسطنبول، خلال زيارتي الربيعية القادمة، والفائض المالي منها، سأشتري به هدية “محرزة” لزوجتي، التي لم تتلق مني، حتى الآن، إلا شوية “شراطيط” عثمانية، لعلها تحلّ عني، وكانت تطمح، منذ طفولتها الحلبية المقموعة، لاقتناء ليرة “عثملية” أو “أونصة” ذهبية، أو على الأقل، ربع أونصة. صحيح أنني لست موهوبًا أو صالحًا لكتابة الزوايا الساخرة، ولكن إذا ما قارنت نفسي وعضلاتي مع أغلب السوريين وعضلاتهم، في المعارضة والنظام؛ فسيكون هذا لصالحي حتمًا. أين هو الرجل المناسب، الذي يشغل المكان المناسب، على ضفتي النهر؟ كلنا في “الهوا سوا”، فلماذا أخنق نفسي وإبداعاتي المحتملة، وأرفض العرض المغري، الذي دغدغ مشاعر التميز عندي، وقربني أكثر من الخطوط الحمر، التي أحلم بالقفز فوقها، والدخول إلى عالم الكتاب والمبدعين؟

بعد أن أعطيت موافقتي على الكتابة، سألت نفسي: ما هي السخرية التي استصعب الكتابة فيها؟ هل هي عيوب الناس؟ هل هي المفارقات التي تحدث في حياة البعض؟ هل هي التناقض بين الفعل والفكر؟ ووصلت إلى النتيجة التالية: بما أن الإشارة إلى عيوب الآخرين -أفرادًا وجماعات- هي جزء من السخرية؛ فقد قررت أن أبدأ بنفسي، وأن أضع عيوبي تحت المجهر، وأعرضها أمام الناس، وأن أبدأ بنشر غسيلي الوسخ على حبال الصحافة، ولِمَ لا! أليس الهدف من نشر الغسيل هو الحصول على ثياب نظيفة وجافة، وتقويم الاعوجاج؟ إذًا فسأبدأ من أقرب نقطة لي: هي أنا، قبل الوصول إلى حضراتكم..

من عيوبي غير المحمولة، رغبتي القاتلة في الظهور، على حساب أي شيء. هناك من يحب الظهور، من خلال ارتداء الثياب الفاخرة التي تحمل ماركات عالمية، ولو كان قد استدان ثمنها، أو باع شرفه مقابل الحصول عليها. وهناك من يحب الظهور وهو يحمل سلاحًا، ولو كان “نقيفة”، فللسلاح -مهما كان تافهًا- بهاء خاص، وإيحاء بالقوة لا تخطئه العين. وهناك من يحب الظهور بلحية وزبيبة على الجبين وسبحة في اليد، كي يوهم البسطاء أنه منصرف للتدين، ولا تعنيه مشاغل الدنيا وهمومها، وذلك كي يغطي جشعه وحبه السلطة وملذاتها. وهناك من يتظاهر بالإلحاد لعله يقع -في موسم هبوب رياح العلمانية- على مزبلة غير جافة، فيجعلها منبرًا له. وهناك من يدعي “النسونجية”، لعل إحداهن تعطف عليه وتمنحه ابتسامة غير كاملة، وهناك، ووووووو. ولعل الأهم من كل ما سبق ذكره هو الإنسان الذي يتباهى بالنظارات الشمسية، التي لا تفارق عينيه، حتى عندما تكون الشمس غائبة، المهم أن يرى الناس ماركة النظارات.. ألا يحق لي بعد كل ما ذكرت أن استخدم الكتابة “الكاريكاتورية”، كوسيلة لحب الظهور؟

من عيوبي الأخرى، التي أداريها وأحاول التستر عليها، رغبتي في تكوين عصابة “ثقافية”، تحمي ظهري، وتدافع عن عبقريتي، وتشيد بإنسانيتي، في جميع المحافل التي لا أستطيع الوصول إليها، وهذا حق مشروع، كما أراه. وهناك من يتباهى أمام الناس بامتلاك أكبر عدد ممكن من بطاقات الائتمان البنكية، في جزدانه (الكريديه)، يفتحه في الأمكنة المناسبة وغير المناسبة، كي يوحي بالثراء أمام “الفجعانين”، وهم كثر، أما أنا فستكون مقالاتي هي رصيدي…

هذه بعض الشذرات التي تعطي الزاوية المنشودة طابعَها الساخر اللامع، وفي الوقت نفسه، طابعها الذهبي، فهل وفقني الحظ! إذا كان جوابكم (نعم)؛ فأرجو أن تشبعوا حب الظـهور عندي، بتصفيق قوي..


ميخائيل سعد


المصدر
جيرون