سوريا ورقة بوتين لتحقيق طموحاته السياسية.. ما أسباب إعلانه النصر على تنظيم الدولة قبل القضاء عليه؟
29 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2017
في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن تقليص قواته في سوريا و”النصر الكامل” على تنظيم “الدولة الإسلامية”، كان الأخير يواصل عملياته في الجيوب المتبقية له في الأراضي السورية، التي لا يزال محافظاً عليها حتى الآن خصوصاً في ريفي حماه الشمالي الشرقي، وجنوب سوريا عند حوض اليرموك.
لماذا أعلن بوتين “النصر”؟
في مقال تحليلي كتبه يوري بارمين، خبير في مجلس الشؤون الدولية الروسي (رياك)، الذي يغطي شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، نظر الكاتب إلى خطوة بوتين على اعتبار أنها تكتيكاً سياسياً منه في إطار حملته الانتخابية، الرامية لإقناع الجمهور محليًا ودوليًا، بأنه “نزع فتيل الحرب في سوريا” ونجح بإلحاق الهزيمة بـ”تنظيم الدولة”.
ويرى الكاتب أن ذلك ظهر ذلك جليًا في تحركاته الأخيرة، بما في ذلك أول زيارة قام بها لقاعدة “حميميم” الجوية الروسية في محافظة اللاذقية غربي سوريا، بهدف إظهار أنه الطرف المنتصر في هذه المعركة.
وفي مارس/آذار 2016، تقدم الرئيس الروسي بإعلان مماثل عن انسحاب القوات جزئيًا من سوريا، لكن تم تكثيف الوجود العسكري في البلاد، وهذا هو السبب في أن المراقبين يشككون في نوايا بوتين هذه المرة.
وبينما يعكس القرار الواقع المتغير على الأرض، حيث أن القتال ليس مكثفًا كما كان عليه قبل عام فقط، فإنه يخدم أيضًا طموحات بوتين في الداخل، وكذلك على الساحة العالمية.
إعادة الانتخاب
يشير بارمين إلى أن بوتين يتطلع لأن يتم انتخابه مجدداً في مارس/آذار 2018، وقد بدأت حملته الانتخابية الرئاسية للتو، ورأى ألا شيء يقف بينه وبين ولاية أخرى تستمر 6 سنوات في الكرملين سوى التحدث خلال الحملة عما يتوقعه العالم من الرئيس الروسي في السنوات الست المقبلة.
وعلى الجبهة الداخلية، يقول بارمين إن “بوتين لم يحقق إنجازًا كبيرًا، حيث تُعتبر هذه الجبهة أساسًا لكسب دعم الروس، إلا أن إنجازات سياسته الخارجية جعلته يظهر في صورة السياسي القوي”.
وبعبارة أخرى يضيف الكاتب: “فمع تواصل الصعوبات، التي يعانيها الاقتصاد الروسي ازداد استخدام النظّام الروسي للعمليات العسكرية سبيلًا، لتعزيز صورته عالميًا وتقوية الدعم الداخلي”.
وبالنسبة إلى بوتين تحتل سوريا أهمية كبيرة بالنسبة لطموحاته السياسية، حيث تمكنت روسيا من إعادة تأكيد نفسها كقوة عالمية، ومنافسًا قويًا للولايات المتحدة.
و”الانتصار العسكري” الذي يسعى بوتين إلى تحقيقه في سوريا، له معانٍ رمزية على مستويات عديدة، “ولكن قبل كل شيء، فإنه يعيد إحساس الشعب الروسي بالفخر الوطني، وهو أمر يريد بوتين الاستفادة منه”، وفقاً لـ بارمين.
كذلك يصبو بوتين إلى تحقيق “نجاحات في السياسة الخارجية”، لما لها من أصداء قوية على الجمهور الروسي، وهي ما تُبقي الرئيس متمتعًا بشعبية في الداخل.
وينظر الكاتب إلى أن توقيت إعلان بوتين “مهم للغاية”، وقال: “يُمكن القول بأنه تم اختياره بعناية ليتزامن مع بداية حملته الرئاسية”، مضيفاً أن “الانتصار المُعلن من الجانب الروسي في سوريا يضع بوتين في دائرة الضوء كمُسير للحوار السوري”.
ويرى بارمين أنه من المحتمل أن تكون فكرة صنع السلام، هي القضية الرئيسية لسياسة الرئيس الروسي تجاه الشرق الأوسط، خلال فترة ولايته القادمة.
تحويل الأنظار
وتكافح روسيا حاليًا من أجل تحويل الأنظار بما يخص سوريا، وإقناع العالم بأن إنهاء “الصراع” في البلاد يتوقف على نجاح العملية السياسية، وهذا يتطلب من موسكو، أن تؤدي “حيلة” الدعاية بحرفية وجعلها مقنعة، خاصة أن وعود الانسحاب الروسي باتت لا تنطلي على أحد بالنظر إلى وعود مضللة مماثلة كانت في الماضي.
ويترجم البعض إعلانه الأخير هذا بأنه نهاية رسمية لحملته العسكرية الداعمة لرئيس النظام في سوريا بشار الأسد، بهدف كسب مودة المؤيدين لذلك.
وأثار إعلان بوتين غضب قُوى أخرى تقاتل “تنظيم الدولة” في سوريا لسببين، أولًا، بالنظر إلى ما قاله الرئيس الروسي، يبدو أن إعلان انسحاب روسيا الجزئي كان مؤشرًا كافيًا على هزيمة التنظيم.
وبهذا الخصوص، يرى محللون أن غطرسة بوتين لم تعد موضع ترحيب في الأوساط السياسية، لا سيما وأن روسيا طالما أوحت للعالم بأنها صاحبة القرار بشأن إنهاء الحرب السورية.
وثانياً التنافس الروسي الأمريكي، ويقول بارمين في هذا السياق: “ليس الجميع مستعد لقبول نظرية أن بوتين صاحب النصر في سوريا، الأمر الذي ترفضه أمريكا جملةً وتفصيلًا، حيث أنها ترى أن بوتين لا يستحق إعلان الانتصار”.
وفي الواقع السياسي الجديد – بحسب بارمين – الذي مفاده “من يأتي أولًا يعمل أولاً، فإن أي من يدعي النصر أولاً هو الذي يقف ليجني فوائده، وهو بالضبط ما يأمل بوتين القيام به، لأنه يشعر بأن له الحق في إعلان الانتصار في سوريا، حتى لو كان فقط بالكلمات”.
وترى روسيا نفسها أنها تسامحت مع الوجود الأمريكي في سوريا، رغم أن البيت الأبيض كان منزعجًا باستمرار للعمل في ساحة المعركة بشكل غير قانوني، إلا أن موسكو تطالب واشنطن بمغادرة سوريا، انطلاقًا من مبدأ “عند انتهاء الحرب، يجب رحيل المقاتلين”، الأمر الذي ربما توافق واشنطن على تطبيقه على مضض.
ويرى الكاتب أن ما يدعو للدهشة هو أن المنافسة بين روسيا والولايات المتحدة حول سوريا أصبحت حامية الوطيس، لا سيما بعد انخفاض حدة القتال فيها، وذلك في ظل حرب كلامية اندلعت بين البلدين حول “من الذي هزم داعش”.
ويحاول كلا البلدين تصوير نفسه على أنه المنتصر في الحرب ضد الجماعة الإرهابية، وبالتالي يحاولان ترشيد وجودهما بعد الحرب في سوريا.
ويختم مقاله بالقول إنه “من المحتمل أن يحاول كلاهما إعادة تشكيل طرق وجوده في البلاد من خلال دعم الأطراف السياسية المتناحرة، حيث ستكافح موسكو وواشنطن من أجل الاحتفاظ بدور لهما في سوريا”.
اقرأ أيضا: واشنطن وتل أبيب توقعان اتفاقا “سريا” لمواجهة إيران وتدخلها بسوريا
[sociallocker] [/sociallocker]