1.5 مليون معاق حرب في سورية.. أسئلة ما بعد الرعاية المؤقتة
29 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2017
خلّفت الحرب الدائرة في سورية، منذ انطلاق الثورة السورية حتى الآن، أكبر أزمة إنسانية عرفها العالم على مدى عقود، ولا سيما على صعيد الخسائر البشرية، فقد ذكر تقرير لمنظمة الصحة العالمية، صدر منتصف كانون الأول/ ديسمبر الجاري، أن “نحو 3 ملايين شخص أصيبوا خلال الحرب في سورية، بينهم 1.5 شخص يعيشون بعاهات مستديمة، بمعدل 30 ألف شخص شهريًا، وأن 86 ألف منهم بُترت أطرافهم بشكل كامل”.
ومع احتمالية ازدياد عدد المصابين بفعل استمرار الحرب؛ سيكون هناك حاجة ماسة إلى النظر إلى ما وراء الرعاية المؤقتة المنقذة للحياة، وإلى ايجاد السُبُل التي يمكن من خلالها دعم ذوي الإعاقات وتأهيلهم، لدمجهم في المجتمع وتحويلهم إلى أشخاص فاعلين ومنتجين، بما يعود بالنفع عليهم أولًا، وعلى البيئة المحيطة بهم والمجتمع كله، بالدرجة الثانية.
تقتصر خدمات غالبية المراكز التي تُعنى بشؤون ذوي الإعاقات على تقديم الخدمات الطبية فقط، وهذه الخدمات -على أهميتها- لا تكفي؛ إذ لا بدّ من إلحاقها بتأهيلٍ نفسي ومهني، يتيح لهذه الشريحة إثبات وجودها ويعيدها لمسار الحياة الطبيعية.
تعدّ منظمة (سند) واحدة من المنظمات التي تقدم الدعم التعليمي والمهني والرعاية النفسية لذوي الاحتياجات الخاصة، قال وائل أبو كويت، المدير التنفيذي للمنظمة، في تصريح لـ (جيرون): “نعمل في المنظمة على ثلاثة قطاعات: الأول قسم الدعم النفسي الذي يتضمن نشاطًا ترفيهيًا واجتماعيًا لجميع الفئات العمرية، والقسم الثاني تعليمي، ويضم حاليًا الأطفال فقط، ويوجد قسم منهم من ذوي الإعاقات الذهنية الذين يحتاجون إلى تعليم خاص ليندمجوا في المجتمع، أما القسم الثالث فهو خاص بالتأهيل المهني، حيث ننظّم من خلاله مشاريع لتعليم الحرف اليدوية”.
أضاف موضحًا: “منذ فترة وجيزة، انتهينا من مشروع تأهيل وتدريب 270 شخصًا في بلدة (الدانا)، في الريف الشمالي لإدلب، حيث تم تعليمهم صناعات وحرفًا تساعدهم في تحسين أوضاعهم المادية، وقريبًا سيتم تنفيذ المشروع نفسه، في بلدة الأتارب في ريف حلب الغربي”.
يعتقد أبو كويت أن تهيئة خطط متكاملة على مستوى سورية، لدمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع، تحتاج إلى وجود دولة وقوانين ومجتمع مستقر نسبيًا، وأضاف في هذا الجانب: “حاليًا كل الجهود المبذولة، سواء من قِبل منظمة (سند) أو المشاريع المشابهة لها، تبقى ضمن إطار الخطط الفردية الصغيرة التي لا تستوعب العدد المهول لذوي الإعاقات”.
من جانب آخر، قال فراس جندي، وزير الصحة في الحكومة السورية المؤقتة، لـ (جيرون): “بسبب الحرب العنيفة المستمرة، منذ أكثر من ست سنوات، أصبح لدينا 1.5 مليون معاق، بعضهم بإعاقات جزئية والبعض الآخر إعاقات كاملة. حاليًا كل ما تستطيع الوزارة عمله، في هذا المجال، هو توفير العلاج فقط، لكن ذلك لا يلغي أهمية أن نقوم مستقبلًا بتأسيس مراكز تؤهّل المعاقين، كلٌّ بحسب وضعه ومستوى إعاقته، وتقديم الدعم المهني لهم، بما يتناسب مع قدراتهم”.
تعدّ إعاقات الحرب خسائر مستقبلية؛ ذلك أن المعوقين بحاجة إلى برامج عمل وخطط خاصة، لإعادة دمجهم في المجتمع، وهذا الأمر يحتاج إلى ميزانيات ضخمة، وفقَ الباحث في المنتدى الاقتصادي السوري ملهم الجزماتي الذي قال لـ (جيرون): “هناك تكاليف اقتصادية كبيرة لمعاقي الحرب السوريين، ستتحملها خزينة الدولة مستقبلًا، إن لم يتم تأهيلهم، وتتوزع هذه التكاليف ما بين العلاج الطبي والفيزيائي والدعم المادي الذي سيُخصّص لهم ولعائلاتهم، لا سيما إذا كان المعاق هو المعيل الوحيد لعائلته”.
رأى الجزماتي أنه لا بدّ من أن تتضافر جهود الدولة والقطاع الخاص، والمؤسسات المدنية الحكومية وغير الحكومية، لزيادة التوعية حول أهمية دعم هذه الفئة، عن طريق تأمين وظائف مكتبية يمكن أن تؤمّن لهم تكاليف معيشتهم، إضافة إلى تسجيلهم في نظام التأمين الاجتماعي كبقية الموظفين العاديين؛ ليتمتعوا بكافة حقوقهم الطبية.
اقترح الباحث في المنتدى الاقتصادي ضرورة أن تقوم الحكومة بفرض نسبة (كوتا) على القطاع الخاص، تلزمه بضرورة توظيف نسبة معينة من المعاقين، مع مراعاة عدم انخفاض نسبة الموظفين المعاقين عن النسبة التي تحددها الحكومة، وأضاف: “لا بدّ أن تطبق الدوائر الحكومية هذه السياسة أولًا، وذلك لكي تشجّع القطاع الخاص على الالتزام بها”.
إدماج المعاقين في المجتمع سيحقّق مكاسب اقتصادية ملموسة، من وجهة نظر الجزماتي، “حيث ستنخفض التكاليف التي ستتحملها خزينة الدولة المُخصّصة لدعم المعاقين، كما أن عمل كل موظف معاق سينعش حركة الإنفاق في الأسواق المحلية، وبالتالي سيزيد من معدل دوران رأس المال”.
يشكّل ملف معاقي الحرب في سورية استحقاقًا ضروريًا، لا يقلّ أهمية عن إعادة الإعمار، بعد انتهاء الحرب، لذا لا بدّ من إيجاد صيغ حكومية ومدنية، ضمن التسويات التي يجري الإعداد لها، لرعاية شؤونهم وعائلاتهم، وتأمين عيش كريم وفرص عمل وتعليم وترفيه لهم، أسوةً بكل السوريين.
نسرين أنابلي
[sociallocker]
جيرون