‘صحيفة كومرسانت: الحرب والسلام في سورية الانقسام بين “تحالفين معاديين للإرهاب” يعوق استعادة البلاد’
31 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2017
الصورة: ميخائيل كليمنتييف- وكالة ريا نوفوستي
لم يأت العام المنقضي بحل سياسي للنزاع في سورية، ولكنه، للمرة الأولى خلال ستةِ أعوامٍ من المواجهة، وضع مقدماتٍ لانتهاء مرحلته العسكرية. وأصبحت هزيمة مجموعة “تنظيم الدولة الإسلامية” الحصيلة الأبرز لهذا العام بالنسبة إلى سورية؛ ما سمح بالإعلان عن انتهاء عملية القوات الجوية – الفضائية الروسية. وفي الوقت نفسه، لا يعني انتهاء مرحلة الأعمال القتالية النشطة الانتقال السريع للسلام؛ فالمعارضة السورية، ومن يقف وراءها من اللاعبين الإقليميين، لا يرغبون في المشاركة في استعادة البلاد ما بعد الحرب، طالما بقي بشار الأسد رئيسًا لها.
اختبار في ظروف المعركة
جاء عام 2017 بتغييراتٍ جذرية على “الجبهة السورية”. وقد أعلن قادة عدد من الدول –من إيران وصولًا إلى المملكة المتحدة- عن القضاء، في فصل الشتاء القادم، على “الدولة الإسلامية/ داعش”، التي كانت في ذروة قوتها تسيطر على مساحاتٍ واسعة من أراضي سورية والعراق. لم يحن الوقت بعد للحديث عن نصرٍ نهائي على التنظيم، فبحسب معلومات مبعوث الرئيس الأميركي الخاص لدى التحالف الدولي: بريتا ماكغورت، ما يزال حوالي 3 آلاف مقاتل موجودين في صفوف “تنظيم الدولة الإسلامية”. غير أن من المستبعد أن تتمكن هذه المجموعة من الانبعاث من جديد بصورتها السابقة.
من جانبه، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أيضًا هزيمة (داعش)؛ ففي الـ 11 من شهر كانون الأول، قام بزيارة القاعدة الروسية الجوية في حميميم، وأعطى الأمر بالاستعداد لسحب المجموعة الروسية من تلك البلاد.
كانت العملية العسكرية واحدةً من أكبر عمليات القوات الجوية والفضائية الروسية، في التاريخ الحديث؛ ابتداءً من 30 أيلول عام 2015، شارك أكثر من 48 ألف عسكري روسي في العمليات القتالية في سورية. وقام الطيران بـ 34 ألف طلعة قتالية، منها 420 طلعة من متن حاملة الطائرات/ الطراد (الأدميرال كوزنيتسوف). وشنّت السفن الحربية والغواصات 100 ضربة، ونفذ الطيران الاستراتيجي بعيد المدى 66 طلعة، على مسافةٍ تراوح بين 500 كم و1,5 ألف كم. وبحسب وزارة الدفاع الروسية، استخدم في العملية السورية نحو 215 نوعًا من الأسلحة، ودُمّر للإرهابيين 8 آلاف وحدة مدرعة، 718 مصنعًا وورشة لتصنيع الأسلحة والذخائر، 396 مركزًا غير نظامي لاستخراج وتكرير النفط، وكذلك 4.1 ألف وحدة لنقل الوقود. وبلغ عدد قتلى التنظيم 60.3 ألف مقاتل، من ضمنهم 819 قائد ميداني. وبمساعدة منظومة “إس- 400”،”إس-300 ب”، و “بانتسير”، تم إسقاط 16 طائرة مسيرة عن بعد، و53 قذيفة صاروخية. وتمكنت القوات الحكومية السورية، بدعمٍ من القوات الجوية الروسية، من تحرير أكثر من ألف منطقة مأهولة، من بينها مدينة حلب تدمر، عقيربات، دير الزور، الميادين والبوكمال. خلال العملية، فقدت القوات المسلحة الروسية 4 طائرات حربية و4 طائرات هيلوكبتر. واعترفت الوزارة بمقتل 41 شخصٍ في سورية خلال العملية.
عندما أورد فلاديمير بوتين النتائج المرحلية للعملية الروسية، أشار إلى أن إقامة مناطق خفض التصعيد، الذي تحقق بجهود مشتركة مع تركيا وإيران، مثّلت “أهم نتيجةٍ لعامَين من العمل في السنتين الأخيرتين”. وقد أنجزت الاتفاقات بهذا الشأن، في إطار المباحثات السلمية في أستانا، التي بادرت بإطلاقها في تشرين الثاني/ نوفمبر كل من موسكو، أنقرة وطهران. أظهر تطور الأحداث اللاحقة أن الانتقال السريع إلى مرحلةٍ جديدة من التسوية السورية، نهاية العام الحالي، قد أصبح المهمة الرئيسية للدبلوماسية الروسية في الشرق الأوسط. بحسب رواية موسكو، تهدف هذه المرحلة لإنهاء مرحلة القتال النشطة، وبدء الحوار بين السوريين بأوسع مشاركة فيه لجميع المجموعات القومية والدينية السورية.
مع إعلانها وقف عمليتها العسكرية في سورية؛ اقترحت موسكو عقد مؤتمر للشعوب السورية، في إطار غير رسمي مماثل لإطار المصالحة الوطنية. وقع الاختيار على مدينة سوتشي لاحتضان هذا المؤتمر الأول من نوعه، خلال السنوات الستة من الحرب. وفي المكان نفسه، عقد في تشرين الثاني/ نوفمبر، اللقاء الثلاثي بين رؤساء روسيا تركيا وإيران، الذي دشن مرحلةً جديدة في تسوية النزاع السوري. وسبق القمة، وصول الرئيس السوري بشار الأسد إلى سوتشي، لإجراء مباحثات مع الرئيس بوتين، حيث ناقش الرئيسان سيناريوهات الفترة الانتقالية.
إطالة أمد الانتصار
تم التوصل إلى اتفاقات سوتشي من دون مشاركة الولايات المتحدة الأميركية، وغيرها من الدول الغربية، التي سعت خلال الأعوام الأخيرة إلى إخراج الرئيس الأسد، واتهام موسكو بدعم نظام دمشق. أعلن الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، في خطاب تسلمه مهامه أن أحد مهامه الانتصار على “تنظيم الدولة الإسلامية”، معربًا عن استعداده للتعاون مع روسيا في الحرب على التنظيم.
غير أن عام 2017 انقضى من دون توحد جهود موسكو وواشنطن في سورية. وبهذا لم يتمكن التحالفان المعاديان للإرهاب، اللذان تقودهما روسيا والولايات المتحدة الأميركية، من العمل كجبهةٍ موحدة. اقتصر التعاون في أكثر الأحيان على الاتصالات الهاتفية، التي سمحت بالحيلولة دون وقوع حوادث بين الطرفين.
إضافة إلى ذلك، أدرجت واشنطن دولتين من الدول الضامنة للسلام في سورية: روسيا وإيران، ضمن “محور الشر” العالمي الجديد. قبل أسبوعين من أعياد الميلاد، جرت في البيت الأبيض مراسم التوقيع على ميزانية الاستراتيجية الدفاعية الأميركية الجديدة، صرح خلالها دونالد ترامب أن الولايات المتحدة الأميركية كانت “المنتصر في سورية”، ليضيف دليلًا جديدًا على مدى التباعد في نظرة كل من موسكو وواشنطن الإستراتيجية للوضع في الشرق الأوسط. وكان السيد ترامب تطرق إلى النصر الأميركي في سورية، بعد مرور يومين فقط على زيارة السيد بوتين لتلك الدولة، الذي أراد أن يؤكد شخصيًا حقيقة النصر الروسي في سورية.
أثارت كلمات الرئيس الأميركي تعليقاتٍ ساخرة في موسكو. وبهذا الخصوص، صرح كونستانتين كوساجييف، رئيس اللجنة الدولية للمجلس الفيدرالي، قائلًا: “يمكن قول شيءٍ واحد: إذا كان الأميركيون سيلاحقون المقاتلين بمفردهم، كما “ينتصرون” عليهم الآن؛ فإن ذلك سيكون مفرحًا للإرهابيين”.
موسكو وواشنطن ليس فقط لم تتمكنا من تقاسم الانتصار على “تنظيم الدولة الإسلامية” في سورية، بل لم تتمكنا من الاتفاق على مستقبل بناء البلاد. خلال مقابلة أجرتها معه القناة التلفزيونية Fox Business. في شهر نيسان/ أبريل، بيّن الرئيس ترامب موقفه من بشار الأسد حيث قال: “لم تتدخل روسيا، ولو لم تدعم هذا الحيوان، لما كان لدينا مشكلةٌ الآن”، وأضاف: “إذا تحدثنا بصدق؛ فسنقول إن بوتين يدعم إنسانًا شريرًا بالفعل. أعتقد أن هذا أمرٌ سيئ لروسيا، وللإنسانية جمعاء”. وانطلاقًا من التصريحات اللاحقة الواردة من البيت الأبيض، فإننا نستطيع التأكيد أن رأي السيد ترامب ببشار الأسد لم يتغير، حتى نهاية هذا العام.
في هذا الوضع، يبدو أن عملية السلام في سورية ستكون طويلةً ومعقدةً للغاية. وتأكيدًا لهذه الرؤيا جاءت الجولة الثامنة من المفاوضات السورية-السورية في جنيف، برعاية الأمم المتحدة. وكان متوقعًا أن يتم في هذه الجولة تجديد مناقشة كيف ستكون سورية ما بعد الحرب، بما في ذلك إجراء الانتخابات وصياغة دستورٍ جديد للبلاد. وبغض النظر عن قدوم المعارضة السورية الممزقة بوفدٍ واحدٍ إلى جنيف، فإنه لم يحدث أي اختراقٍ. عدا ذلك، تحولت المفاوضات إلى جولةٍ جديدة من “حرب الأعصاب”، باعتبار أن جزءًا من المعارضين لا يزال يصر على خروجٍ سريع للرئيس الأسد، في حين لم يقبل الوفد الحكومي مناقشة هذه المسألة أساسًا.
ومما يدل على الصعوبات المتزايدة التي تواجهها العملية السلمية، أن مؤتمر شعوب سورية الذي كان مقررًا، في الـ 18 من تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، لم ينعقد. في البداية، أُعلن عن تأجيله إلى 2-4 كانون الأول/ ديسمبر، ومن ثم تقرر إعطاء مهلة طويلة، حتى نهاية كانون الثاني/ يناير 2018. في الوقت نفسه، أعلنت عدة مجموعات من المعارضة عن نيتها مقاطعة هذا المشروع.
بعد اكتمال المرحلة النشطة من العلميات الحربية، أصبح العائق الرئيس هو مسألة بناء سورية ما بعد الحرب، وكذلك من سيدفع تكاليف هذا البناء. مهمة روسيا الرئيسة، حسب نتائج العام، تحويل النجاحات العسكرية إلى فوائد سياسية، تسمح بالحفاظ إلى أقصى حد ممكن على نفوذها وتواجدها في سورية. لا تتوفر لدى روسيا وحلفائها الموارد والوسائل الكافية لتولي إعادة إعمار سورية بأنفسهم وحدهم. غير أن الدول التي تتوفر لديها الإمكانات والموارد الموجودة (الغرب وحلفاؤهم في الشرق الأوسط) ليست مستعدةً لأي استثمار في مشروع سورية ما بعد الحرب؛ إذا بقي بشار الأسد على رأسها، كما في السابق.
اسم المقالة الأصلية
Война и мир Сирии
Восстановлению страны мешает раскол между двумя «антитеррористическими коалициями»
كاتب المقالة
سيرغي ستروكان/ يفغيني فيدونينكو
مكان وتاريخ النشر
صحيفة كومرسانت 29 كانون أول 2017
رابط المقالة
https://www.kommersant.ru/doc/3511567
ترجمة
سمير رمان
سمير رمان
[sociallocker]
جيرون