رفع الصخرة
7 كانون الثاني (يناير - جانفي)، 2018
لا يسع السوريّ، ونحن على بوَّابة جحيم العام السابع، إلا أن يدلف، مهما كانت الأثمان. تلك أعظم مآثره، ذلك أشقى ما مرَّ خلال حياته. لا مناص ولا فكاك، حتى ولو دهمه إحباط، وغالبه يأس.
لا بدَّ أنْ نعبر، كما السلمون، لتولد أجيال. لا مناص لنا حتى لو لم نرد. أبناؤنا وأحفادنا يريدون.. يريدون أن يكبروا في بلد يكون بيتهم وكرامتهم وحرّيتهم. وفي بيت، من الأمان فيه، يكون بلدًا. أبناؤنا وأحفادنا يأملون أن تكون السماء -وحدها- سقف البلد. ويأملون ألاّ تُضاف سورية -لغة وفعلًا- إلا إلى اسمها، وإلى ناسها منذ أول مولود في تاريخها شبَّ فيها وشاب، إلى آخر طفلٍ يُطلق صيحته الأولى -اللحظةَ- في فضائها.
قَدَرُ السّوريّ أنه حُكِمَ من أنذال. قدره أنه صُيّرَ علامة فارقة في عيون أبناء دول العالمين العربيّ والأجنبيّ. من أبناء أقرب بلد إليه متاخم للحدود، إلى أبناء أنأى بلد عنه في أقصى الأرض. أنت سوريّ؟ إذن، اقترب لنتفرَّج عليك! اقترب لنتلمَّسك ونتشمّمك ونحملق بك، كي نكتشف كيف عساه يصير مَنْ تسلَّط عليه الأنذال الأوغاد الأفَّاقون الدمويّون على مدار نصف قرن؟!
وتقترب ممتثلًا. ليس بإمكانك إلاّ أن تمتثل وأن تقترب. لو نفرتَ لقيل: مسكين! لأنه سوريّ فعل ذلك. ولو امتعضتَ، أو صرختَ، أو فررتَ، أو استفهمتَ، أو تلوّيتَ، أو تأفَّفتَ، أو ازدردتَ ريقكَ، أو أشحتَ، أو رقصتَ، أو سكنتَ، أو تأمّلتَ، أو احتقرتَ، أو احترمتَ، أو جُننتَ… لقيل: مسكين! لأنّه سوريّ، فعل ذلك.
قدر السوريّ أن يبقى سوريًّا، لا بصفته ابنًا لأرضِ حضارةٍ وتاريخ وثقافة، بل “ماركة” مسجَّلة لمن حُكِمَ واستُبدَّ به، ومُثّلَ بجسده في السجون، وانتُهِكتْ كرامته، وحريته، وأبسط أبسط حقوقه؛ وعومل سبيًا، أو شاة -في أحسن الأحوال- داخل معتقلات عصابات الأسد. سيبقى السوريّ موشومًا بعار تسلّط عصابات الأسد على حياته، سيبقى العار يتبعه كظلّه من مكان إلى مكان، حتى في القطب الشمالي؛ إلى أن يستطيع التخلَّص منه ومنها.
فلأنّك سوريّ، أيْ لأنك محكوم من الأوغاد، لا منجى لك من أن تكون مضرب الأمثال على ما يشاء ضارب الأمثال أنْ يمثّل له في حديثه. لا مفرَّ من أن تكون موضوعَ ندوة سياسيّة، أو أمسية أدبيّة، أو لقاء اجتماعي، أو معرض للصور الفوتوغرافيّة، أو محتَرف للملصقات والإعلانات، أو ماركة مسجَّلة أو من دون تسجيل لبضائع ومصنوعات وما شابه، أو أوراق عمل في هيئات علم النفس.
ولأنك سوريّ، أيْ سُلّطَ عسكريٌّ أسود على حياتك على مدار نصف قرن، ستكون فرجةً لمن يتفرَّج. ستكون فرجةً، حتى لدى أبناء بلدان تسلّط عليهم -ذات زمن- عساكر سود. ستكون موضوعًا مثيرًا، لأنك حدث الساعة وحديثها. الخبر الأوّل في نشرات الأنباء. والعنوان الأبرز في الصحف والمجلاّت. والصورة الفوتوغرافيّة الفائزة بالجائزة الأولى.
ولأنّك سوريّ، أيْ كُلّفتْ طغمة الأسد باغتصاب السلطة في بلدك، وتخييرك بين الإبادة والهجرة؛ لا يسعك إلا أن تدفع الثمن، فتحمل جراحك، وخيبتك، وأحزانك، وتدلف من بوابة جحيم العام السابع نحو مجهول. نعم، نحو المجهول؛ لأنه مهما قسا وجفا؛ فهو أرحم لأبنائك مما عشت فيه، وعاشه أفراد جيلك. لا يسعنا نحن -السوريين- إلا أن نجترح أعظم مآثرنا، وأشقى ما مرَّ في حياتنا.
ولأننا سوريّون، وكانت أقدار حياتنا ما كانت عليه، لا فكاك لنا من المحاولة. من المضيّ في العذاب والتشرّد والغربة والموت والمعتقلات؛ فنحن في عالم أشدّ نجاسة ووخمًا ووباء، وأشدّ شهوة إلى رؤية دمائنا مسفوحة، وكرامتنا مهدورة، وحريتنا مسلوبة. ألم ندرك -بعدُ- أن آل الأسد المباركين المُكلَّفين عالميًا من ورائنا، وأن الحرية، أو حتى الجنون، من أمامنا، وليس لنا سوى أن نمضي متابعين ما بدأناه؟
إبراهيم صموئيل
[sociallocker]
جيرون