‘واشنطن بوست: الاحتجاجات تهدد دور إيران الصاعد في الشرق الأوسط’
10 كانون الثاني (يناير - جانفي)، 2018
احتجاجات الطلاب داخل جامعة ظهران في 30 كانون الأول/ ديسمبر (أسوشيتد برس)
شكّل اندلاع الاضطرابات السياسية في إيران تحديًّا غير متوقعٍ لنفوذ طهران المتزايد في الشرق الأوسط؛ ما قد يهدد ادعاءات البلاد بالسيطرة تمامًا، بعدما ضمنت دورًا لا يُنازع.
تأتي هذه التظاهرات، التي اشتعلت في معظمها نتيجة استياءٍ شعبي من الاقتصاد الراكد، في وقتٍ كانت تتباهى فيه إيران بنفوذها الجديد، الذي ربحته أساسًا نتيجةً لتدخلاتها، في حروب المنطقة الكثيرة.
تعززَ دور إيران كأكثر قوةٍ بارزة في الشرق الأوسط، نتيجة دعمها الرئيس بشار الأسد في سورية، والميليشيات الشيعية في العراق التي تقاتل “تنظيم الدولة الإسلامية”، والمتمردين الحوثيين في اليمن، وحركة “حزب الله” في لبنان. لكنّ التدخلات كانت مكلفةً، ولا تحظى بشعبية، على الأقل من بعض الإيرانيين، كما كشفت التظاهرات.
“لا غزة ولا لبنان، حياتنا فداءً لإيران”، هتف المتظاهرون في إحدى التظاهرات إشارةً إلى الدعم الإيراني لحركة (حماس) في غزة، و(حزب الله) في لبنان. وكان من بين الشعارات: “اتركوا سورية لوحدها، فكروا بحالنا”، و”الموت لحزب الله”.
الرئيس السوري بشار الاسد مع علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى، في تشرين الثاني/ نوفمبر. وقالت وكالة الأنباء السورية (سانا): إن الجانبين اتفقا على الدفاع عن مصالح بعضهما البعض، وسط تصاعد التوترات الإقليمية (سانا/ أسوشيتد برس)
وقال محمد بزي، أستاذ الصحافة في جامعة نيويورك، الذي يكتب كتابًا عن دور إيران في المنطقة، وتنافسها مع المملكة العربية السعودية: إنّ هذه تذكرةٌ بأنَّه قد حان الوقت كي تدفع القوة الإيرانية ثمن دورها في المنطقة.
“على مدى الأشهر القليلة الماضية، إنْ لم يكن السنوات، كان يُنظر إلى إيران على أنّها بحالة صعود. لقد كانوا، يربحون في الشرق الأوسط، و”الآن نكتشف أنَّ الإيرانيين لا يوافقون على إنفاق حكومتهم كلّ هذه الأموال، في أماكن مثل لبنان وسورية”.
ويبدو أنَّ الاحتجاجات المناهضة للحكومة بدأت تتلاشى، وليس هناك ما يدعو إلى توقع أيّ تغييراتٍ فورية في السياسات الإيرانية، سواء الخارجية أو المحلية. ولليوم الثالث على التوالي، نظمت السلطات تظاهرات، يوم الجمعة 5 كانون الثاني/ يناير، مسيراتٍ مؤيدة للحكومة في العديد من المدن الإيرانية، سعت من خلالها إلى التأكيد على رسالتها بأنَّ المتظاهرين المناهضين للحكومة يمثلون أقليةً صغيرة من الإيرانيين الذين تم تحريضهم على أعمال معادية لإيران من أعدائها الأجانب، وبخاصة الولايات المتحدة، و”إسرائيل”، والمملكة العربية السعودية.
غير أنَّ انتشار الاحتجاجات المناهضة للحكومة، على مدى الأسبوع الماضي، يشير إلى مستوى من البؤس الداخلي مما يثير التساؤل حول ما إذا كان يمكن الحفاظ على طموحات طهران الإقليمية، وفقًا لما ذكره فواز جرجس، أستاذ سياسة الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد.
وقال: “قبل الاحتجاجات، كان لديك هذه السردية السائدة بأنّ إيران لا يمكن وقفها، ولا يمكن التغلب عليها، وأنها صلبة مثل صخرة”. وأضاف موضحًا: “إنَّ الاحتجاجات قوّضتْ موقف الجمهورية الإسلامية في المنطقة كقوةٍ عظمى لا تُنافس”.
وتابع قائلًا: “إنَّ آلاف المتظاهرين كشفوا عن شرخٍ كبير في المجتمع الإيراني، ليس فقط بين الإصلاحيين والمتشددين، ولكن بين شريحةٍ أساسية من الرأي العام الإيراني والقيادة، وهذا هو السبب الحقيقي في أنَّ هذه اللحظة الخاصة تحتل أهميةً كبرى”.
قالت سانام فاكيل، محلل الشؤون الإيرانية في مركز (تشاتام هاوس) البريطاني في لندن: ما أنفقته إيران على تدخلاتها الأجنبية مبلغٌ غير معروفٍ تمامًا. وأضافت موضحةً: يبدو أنَّ أحد الدوافع للتظاهرات هو ميزانية البلاد لعام 2018 التي قدّمها مؤخرًا الرئيس حسن روحاني، وقد كشفت -ضمن بنود أخرى لا تحظى بشعبية- عن قفزةٍ كبيرة في تمويل قوات (الحرس الثوري) الإسلامي القوية، حيث وصلت إلى حوالي 8 مليارات دولار، أيّ ما يقرب من ثلثي ميزانية الدفاع، وفقًا لتقارير إخبارية إيرانية.
يشرف (الحرس الثوري) على قوة (فيلق القدس) التي وصفتها الولايات المتحدة بأنّها منظمةٌ إرهابية تتحمل المسؤولية العامة عن تعزيز رؤية إيران للإسلام الشيعي الثوري في المنطقة. ويتولى قيادة المجموعة المحارب الأسطوري قاسم سليماني، الذي يستعرض صوره مرارًا وتكرارًا، في الخطوط الأمامية لحروب المنطقة على (إنستغرام) و(تويتر)، حيث يستعرض في هذا التصوير الاستراتيجي دور النفوذ الإيراني على نتائج المعارك، من حلب في سورية إلى بلدة جرف الصخر الصغيرة جنوب بغداد.
يتحكم (الحرس الثوري) أيضًا بمصالح تجارية واسعة تُضخّم دخله، بينما تُحجَب التكلفة الحقيقية للتدخلات الأجنبية الإيرانية. وكما ذكرت فاكيل: “يتم إنفاق الكثير من الأموال من دون مساءلة، إنّه صندوق أسود، والحكومة لا تكشف عنه”.
أظهرت الميزانية مبالغ كبيرة لبعض المؤسسات الدينية الإيرانية، ويبدو أنَّ جذور الاحتجاجات تعود إلى الاستياء الكبير إزاء القضايا المحلية، مثل الفساد، وعدم المساواة في الدخل، مثلما هو الحال بسبب مخاوف محددة بشأن التدخلات الخارجية للبلاد.
لا شكَّ أنّ إنفاق مليارات الدولارات على حروب الدول الأخرى يتصادم مع واقع تدني مستويات المعيشة في إيران، حسبما ذكر علي رضا نادر، من مؤسسة (راند). وقال عن الحكومة الإيرانية: “إنّها مرهقةٌ بالكامل، الظاهر، تبدو أنّها على ما يرام، وتربح هذه الصراعات، لكنّها لو لم تنفق المال؛ لما حققتْ شيئًا”.
حتى الآن، يبدو أنَّ القيادة الإيرانية بعيدةٌ عن أيّ تناقضٍ محتمل، بين دورها في القتال في حروب المنطقة ومكانتها أمام المواطنين العاديين. وبدلًا من ذلك، فإنّ القادة يكررون مرارًا وتكرارًا المكاسب التي حققوها.
وقال بول سالم، من معهد الشرق الأوسط في واشنطن: إنَّ التحدي المفاجئ لدور إيران قد يؤدي إلى تحولٍ في التصورات، حتى لو لم يحدث تغييرٍ فوريّ في السياسة. وأضاف شارحًا: “هذا سيجعل حلفاء إيران ووكلاءها قلقين، ويشعرون بالضعف”.
وفي حديثٍ إلى شبكة (الميادين) اللبنانية، يوم الأربعاء 3 كانون الثاني/ يناير، قال زعيم الجماعة حسن نصر الله: لا يوجد ما يدعو إلى الخوف من فقدان التمويل الإيراني. في تصريحاتٍ تهدف إلى طمأنة مؤيديّ (حزب الله) في لبنان، وحتى لو وجدت إيران نفسها غير قادرةٍ على مواصلة تمويل (حزب الله)، فإنَّ الإيرانيين العاديين سينبشون جيوبهم للقيام بذلك. وتابع قائلًا: “ليس هناك ما يدعو للقلق، إنّ حجم الاحتجاجات ليس كبيرًا”.
غير أنَّ حجم الاحتجاجات قد يقلُّ أهميةً عن القضايا التي أثارها المتظاهرون، إلا أنها “كشفت عن هشاشة الجمهورية الإسلامية”، كما قال جرجس.
اسم المقالة الأصلي
Protests threaten Iran’s ascendant role in the Middle East
الكاتب
ليز سلاي، Liz Sly
مكان النشر وتاريخه
واشنطن بوست، The Washington Post، 5/1
عدد الكلمات
898
ترجمة
أحمد عيشة
أحمد عيشة
[sociallocker]
جيرون