تحرك فلسطيني رسمي لمواجهة قرار واشنطن وقف دعم (أونروا)



بدأت الرئاسة الفلسطينية، وحكومة السلطة الوطنية في رام الله بالضفة الغربية المحتلة، التحرك على الصعيد الدولي لمواجهة تبعات قرار وقف الدعم المالي الأميركي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، في وقتٍ عقدت فيه الإدارة العامة للوكالة اجتماعًا عاجلًا، السبت الماضي في عمّان، لبحث “إعلان حالة التقشف في النفقات والخدمات المقدمة للاجئين الفلسطينيين”.

ويعكف مسؤولون كبار داخل دوائر (أونروا) منذ أيام، على البحث عن بدائل للدعم المالي الأميركي الكبير المقدر بـ 125 مليون دولار للعام الحالي، الذي قررت الإدارة الأميركية قطعه، والذي يمثل نحو 40 بالمئة من الموازنة العامة للوكالة، على الرغم من علمهم بأن سد هذه الثغرة لن يكون بالأمر الهين، وخصوصًا أن عجزًا كبيرًا ظهر في موازنة العام الماضي، فاق الـ 60 مليون دولار، بالرغم من التزام أميركا وقتئذ بما عليها من تعهدات.

تتمثل خطة التحرك الحالية لمسؤولي (أونروا)، وهي خطة تلاقي مساعدة من قبل السلطة الفلسطينية في (رام الله)، التي لا تريد أن ينتهي دور الوكالة كما تخطط “إسرائيل” والإدارة الأميركية، لتبقى “شاهدًا” على مأساة اللاجئين، بالتوجه إلى ثلاثة محاور رئيسة: أولها للقارة الأوروبية، للطلب من دولها زيادة حصصها في الدعم، وكذلك التوجه إلى الدول العربية الغنية للأمر ذاته، إضافة إلى الطلب من الأمين العام للأمم المتحدة، تخصيص جزء من موازنة المنظمة الدولية لـ (أونروا) كحل مبدئي.

ولا تنعزل هذه الخطة -بحسب مصادر إعلامية- عن مقترحات فلسطينية سابقة، تقضي بتبعية (أونروا) ماليًا إلى الأمم المتحدة، بحيث يتم تمويل موازنتها من الموازنة العامة للمنظمة الدولية، كحال العديد من المنظمات الدولية الأخرى، وذلك بهدف إبعادها عن أي عملية “ابتزاز” مستقبلًا.

على المستوى الفلسطيني الرسمي، من المقرر أن يثير الرئيس محمود عباس هذا الأمر، خلال لقائه وزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، يوم 22 كانون الثاني/ يناير الحالي، في العاصمة البلجيكية بروكسل، إضافة إلى ملفات سياسية أخرى تتعلق بقرارات أميركا تجاه القدس، وتبعات قرار الرئيس ترامب بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة العبرية.

وطالب نبيل شعث، مستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون الدولية، بالبحث عن مصادر جديدة لتمويل (أونروا)، داعيًا الدول العربية إلى تقديم الدعم المالي لها، “تعويضًا عن الحجب الأميركي”.

وقال جمال الخضري، رئيس اللجنة الشعبية لرفع الحصار عن غزة (غير حكومية): إنّ “معاناة اللاجئين الفلسطينيين ستطال خدمات صحية وتعليمية وإغاثية، وكافة نواحي حياتهم مما يعني كارثة حقيقة”. معتبرًا تجميد المساعدات الأميركية لـ (أونروا) بمثابة “حرب جديدة على اللاجئين الفلسطينيين”. ودعا الخضري الإدارة الأميركية إلى التراجع عن تهديداتها؛ لأن من شأن ذلك أن يدخل الوضع الإنساني الكارثي أصلًا في المخيمات الفلسطينية، في أزمات جديدة أكثر صعوبة.

الاستعداد رسميًا لـ “الأسوأ”

بالرغم من نفي رئاسة (أونروا)، تلقيها رسميًا من قبل الإدارة الأميركية قرار وقف دفع أولى المساعدات المالية للعام 2018، فإن دوائر القرار في الوكالة الدولية، بدأت بالاستعداد رسميًا لـ “الأسوأ”، بما في ذلك توقف عمل الكثير من البرامج المهمة.

نفي الوكالة أكده الناطق باسمها: سامي مشعشع، في بيان له الأربعاء الماضي، أوضح فيه أنه لم يتم إعلامهم مباشرة من قبل الإدارة الأميركية بقرار تجميدها مساعداتها المالية المخصصة للوكالة من عدمه، وإنما تم تناقل الأخبار عبر وسائل إعلام.
وقال مشعشع: إن “أكبر عشرة مانحين يقدمون لـ (أونروا) أكثر من ثمانين بالمئة من الدخل الذي نحصل عليه، وسنعمل بلا هوادة مع كافة شركائنا لتغطية المتطلبات التمويلية لعام 2018”. وأضاف: أن “مساهمة (أونروا) في التنمية البشرية –وبشكل ملحوظ من خلال خدمات التعليم والرعاية الصحية– توصف بأنها أمر لا يمكن الاستغناء عنه، من أجل كرامة لاجئي فلسطين والاستقرار في المنطقة”.

ووفقًا لمصدر فلسطيني مطلع، فإن اجتماع يوم السبت (13 كانون الثاني/ يناير)، الذي عقد برئاسة المفوض العام للوكالة: بيير كرينبول، ومديري عمليات المناطق الخمس (الأردن وسورية ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة)، “ناقش تبعات القرار الأميركي، عند تنفيذه، وتأثيره على أكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني”.

وتنتظر (أونروا) حسم موقف الإدارة الأميركية، من مسألة تحويل مساعداتها التي لم تصل حتى الآن، ما كبّد الوكالة عجزًا ماليًا، منذ بداية العام، بلغ نحو 174 مليون دولار، مرشحًا للزيادة، في حال حجب الدعم أو تخفيض قيمته. وذكر المصدر أن “مباحثات إدارة الوكالة تناولت أيضًا الخيارات المتاحة أمامها، في وقت تتفاقم فيه الأزمة المالية، في ظل ضعف استجابة المانحين لدعمها وضبابية مواقف بعض المنافذ الجديدة التي تم طرقها”.

أشار المصدر إلى أن “الوكالة تدرس عدة احتمالات، في حال نفاذ قرار تجميد المساعدات الأميركية، وتتمثل في إما استمرار التقشف، أو تعليق بعض الخدمات، أو مواصلة البحث عن البدائل”. ولفت المصدر إلى أن الوضع الحالي للوكالة “سيزداد سوءًا، عند وقف دعم الولايات المتحدة أو تخفيض حجمه، والمقدّر بـ 370 مليون دولار سنويًا، بوصفها أكبر مانح للوكالة”.

وكانت (أونروا) قد خرجت من عام 2017 -بحسب ما ورد في تقريرٍ نشر على موقعها الإلكتروني- بعجز مالي يبلغ نحو 49 مليون دولار، إلا أن امتناع الإدارة الأميركية، حتى الآن، عن تحويل الدفعة المالية المخصصّة لها (125 مليون دولار)، والتي كان من المفترض تقديمها منذ كانون الأول/ ديسمبر الماضي، قد أدى إلى زيادة العجز في الميزانية العامة. وأعلنت الولايات المتحدة، قبل أيام، أنها ستتخذ قرارًا بوقف تمويل برامج (أونروا) حتى موافقة الفلسطينيين على العودة إلى طاولة المفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي.

مساعدة وحماية حوالي 5 ملايين لاجئ

تعتزم (أونروا) حاليًا -بحسب رسالةٍ وجهّها المدير العام للوكالة في لبنان: كلاوديو كوردوني، إلى فريقه الإداري- اتخاذ جملة من الإجراءات التقشفيّة، مثل “وقف تعبئة الشواغر في وظائف التعليم والصحة، ووقف التوظيف اليومي، ودفع بدل الدوام الإضافي وبدل السفر وتكاليفه، ووقف شراء البضائع والمستلزمات إلا للضرورة القصوى”.
وقال مدير الإعلام السابق في الوكالة، مطر صقر، في تصريح صحفي: “إن التصريحات التي صدرت عن الإدارة الأميركية مؤخرًا، بشأن وقف المساعدات المقدمة للوكالة، “تعدّ السابقة الأولى من نوعها، حيث كانت واشنطن تؤكد دومًا، خلال اجتماعات الدول المانحة والمضيفة للاجئين التي تعقد دوريًا، ضرورة دعم الوكالة؛ حتى تستطيع الاستمرار في عملها إلى حين التوصل إلى حل لقضية اللاجئين الفلسطينيين”.

رأى صقر أن “تلك التصريحات تبعث برسالة خاطئة إلى المجتمع الدولي، وتؤثر سلبًا في عمل الوكالة وبرامجها الخدمية وأهمية استمرار وجودها، في الوقت الذي تحتاج فيه الوكالة إلى الدعم والمساعدة من قبل المانحين، حتى تستطيع الاستمرار في أداء مهماتها التي أنشئت من أجلها”. وكان الناطق باسم (أونروا) قد نشر قبل أيام، قائمة أكبر 10 داعمي للوكالة، وفي مايلي مساهمة الدول في تمويل (أونروا):

الولايات المتحدة الأميركية 364,265,585 مليون دولار أميركي، الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك مكتب تنسيق المساعدات الإنسانية، 143,137,340 مليون دولار، ألمانيا 76,177,343 مليون دولار، السويد 61,827,964، المملكة المتحدة 60,302,892، المملكة العربية السعودية 51,275,000، اليابان 43,062,169، سويسرا 26,938,805، النرويج 26,313,359، هولندا 20,877,507. المجموع 874,177,95 مليون دولار أميركي.

يُشار إلى أن (أونروا) كوكالة تابعة للأمم المتحدة، تأسست بقرار من الجمعية العامة في عام 1949، وتم تفويضها بتقديم المساعدة والحماية لنحو خمسة ملايين لاجئ من فلسطين مسجلين لديها. وتقتضي مهمتها بتقديم المساعدة للاجئي فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة وسورية ولبنان والأردن، ليتمكنوا من تحقيق كامل إمكاناتهم في مجال التنمية البشرية، وذلك إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل ودائم لمأساتهم. وتشتمل خدمات (أونروا) على التعليم، والرعاية الصحية، والإغاثة والخدمات الاجتماعية والبنية التحتية، وتحسين المخيمات، والحماية والإقراض الصغير.


أوس يعقوب


المصدر
جيرون