يعجبني ترامب



يعجبني دونالد ترامب، رغم أنني مواطنة سورية شعرَت في كثير من المرات بالإهانة من جرّاء تصريحات ترامب التي رفضت السوريين الهاربين من الموت. نعم، يعجبني ترامب، أنا المواطنة التي تعيش بلادها حربًا شاركت الولايات المتحدة فيها، وقتلت ما قتلت من مواطنيها.

لطالما خضع العالم لحكم الولايات المتحدة الأميركية، منذ 1945 مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وعندما نقول إن العالم يخضع لحكم القوة العظمى، فالمقصود تحكّم الولايات المتحدة بالدول، وتسييرها وفقًا لسياساتها ومصالحها الاقتصادية، وبناء على مؤسساتها.

بعد الحرب العالمية الثانية (التي كانت الولايات المتحدة بعيدة عنها جغرافيًا)؛ خرجت الولايات المتحدة منتصرًا أوحد من تلك الحرب الدموية، ورثت بالتالي إرث الاستعمار الغربي حول العالم، فقررت أن تساعد دولًا لإعادة بناء نفسها، كما حدث مع أوروبا واليابان، وقيل في الأدبيات السياسية إنها كانت موازنة قوى أمام السوفييت. ولكن في المقابل قررت أن موازين الصراع مع السوفييت، ومقتضيات السيطرة الرأسمالية دوليًا، يقتضيان الوقوف بوجه خلاص بلدان أخرى من حالة من التخلف والجهل والفقر، كدول أفريقيا وجيرانها في أميركا الجنوبية. وعلى الطرف الآخر، كان السوفييت يمارسون اللعبة نفسها؛ لكن الفرق أن الولايات المتحدة أتقنت كيف تغطي سياساتها ببروباغندا سياسية، مستخدمة الوسائل الإعلامية والدعائية في تسويق سياساتها، الولايات المتحدة ليست فقط الأقوى في مجال السلاح والمال، بل الأهم، وأساس هذه القوة هو “سلاح الإعلام”. لا أتكلم هنا عن نظرية المؤامرة، وأن الولايات المتحدة تحكم كل شيء بالعالم، فهذا طبعًا مستحيل، لكنها لن تكون أقوى دولة بالتاريخ البشري، إن لم تتحكم بالكثير الكثير من المفاصل، على الأقل في أوقات الأزمات الكبرى.

حتى إننا قرأنا تاريخ العالم، وقرأته معظم الشعوب معنا، انطلاقًا من النظرة والعيون الأميركية، فالرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، أعلن في حملته الانتخابية في 1991 عن عزمه التدخل في يوغسلافيا السابقة، لكنه لم يتدخل حتى بلغت المأساة مداها، فقرر في 1998 أن ينهي الحرب؛ فهل فعلًا تدخّل حميّة للإنسان أو المسلمين، أم أن 7 سنين أوصلت إدارته إلى مصلحتها بين الاتحاد الأوروبي المنافس الصديق وما بين بقايا السوفييت؟  لكن تدخله بقي إلى اليوم محط إعجاب وغزل الدول والمثقفين، بمن فيهم دول إسلامية.

أما جورج بوش الابن، الذي دمّر أفغانستان وأدخلها في نزاعات وحروب لا تبدو لها نهاية، ومن ثمّ التفت إلى العراق، فلم يكتف بدمارها، وإنما تركها منهارة اقتصاديًا واجتماعيًا؛ لتتحول إلى كانتونات طائفية ميليشاوية، وكأنها لم تكن يومًا بلدًا واحدًا، وأخرج ما أخرج من الأدباء والشعراء والمثقفين، وبالرغم من كل ذلك؛ فإن الذين ما زالوا يمجدونه ليسوا قليلين، لأنه قتل الطاغية صدام “باسم الديمقراطية”. بل إن الحالة التي بقيت سائدة هي اعتباره الرئيس الأقوى والأكثر صرامة بمحاربته للإرهاب؟

الآن، ماذا فعل أوباما بالسوريين، استمر في خداعهم اللفظي طوال ست سنوات مستمرة، فأطلق الوعود، وندد برئيس النظام الذي دأب على قتل شعبه، ورسم خطًا أحمر تلو الآخر، دون أن يكون لأي من تلك الخطوط أو التهديدات أي معنى أو عمق أو وجود.

نعم، إن أهم أسباب بقاء بشار الطاغية هو دعم حكام إيران وروسيا والصين، لكن أوباما يتحمل مسؤولية لا تقل عنهم، وتابعنا كيف كشفت الصحافة مؤخرًا أن أوباما لم يبع سورية فحسب، ولم يتخل عن السوريين فحسب، ولم يمارس الكذب والخداع وإطلاق الوعود الخلبية فحسب، بل إنه ساير إيران التي مارست الإرهاب المعلن في سورية واليمن والعراق، وأكثر من ذلك، قبل ببقاء ميليشيا “حزب الله” المصنفة -أميركيًا- إرهابية، وسمح لهذه الميليشيا بتهريب المخدرات، في سبيل الوصول إلى اتفاق صنف أنه ساذج مع إيران.

أما يزال إعجابي بترامب غريبًا!

ترامب لم يفعل شيئًا أكثر مما فعله أسلافه، الفرق الوحيد بينه وبينهم أنه واضح وصادق، وأنهم كاذبون؛ أوباما ألقى الخطابات المتعاطفة مع اللاجئين السوريين، ولكنه لم يسمح ولم يستقبل من اللاجئين السوريين سوى الجزء اليسير، بينما صرح ترامب بأنه لن يستقبل اللاجئين، هكذا وبكل بساطة.

نقل ترامب السفارة الأميركية إلى القدس، فقامت الدنيا ولم تقعد، وكأن العالم تفاجأ بالقرار فعلًا، وكأن العرب كانوا نائمين واستيقظوا فجأة على القرار، وتجاهل جميع المتباكين والمستنكرين والمدهوشين أن الكونغرس الأميركي وافق على اعتبار القدس عاصمة “إسرائيل”، وبقي نقل السفارة، وهو القرار الذي اتخذه ترامب بوضوح.

نعم… يعجبني ترامب الذي شتم الدول الإفريقية، وأظهر اشمئزازه منهم، رغم أنني أكره العنصرية وعانيت منها، كمواطنة من دول العالم الثالث ومن سورية تحديدًا، ولكنه يعجبني، لأنه قالها هكذا، بينما أسلافه قالوها مرارًا وتكرارًا بطرق مخملية، مغلفة بأضواء هوليوودية.

باولا وايت (مستشارة ترامب للشؤون الدينية) قالت، قبل أيام قليلة: إن “معارضة ترامب مثل معارضة الله”. لأن الله يقرر لمن يمنح السلطة. داعشية شقراء، مستشارة لداعشي يجلس على كرسي رئاسة أهم دولة بالعالم، ولكنهما ليسا أكثر إجرامًا أو تطرفًا أو عنصرية من رئيس أسود، حافظ على الموت في سورية مدة 6 سنوات، دون أن يرف له جفن.

تبدو المقارنة ظالمة لترامب، لأنه لم يبقَ صحافي في العالم لم يشتمه، ولم يصفه بأسوأ الصفات التي تبدأ بـ “معتوه” ولا تقف عند حدّ. السؤال الذي يشغل بالي: هل كان من الضروري أن يحكم أميركا مهرج مثل ترامب، يستمتع باستفزاز الآخرين، ويعتبر أن الشجاعة هي شجاعة التعبير عن الرأي، لكي يستيقظ أولئك الصحافيون على تعصب وعنصرية رئيس أميركي. هل فعلًا قدر الإنسانية أن تبقى ساذجة تمشي خلف الكلمات؟ هل سمعتم يومًا من يتهم هاري ترومان بالإرهاب، لأنه أمر بقتل 300 ألف ياباني في ساعتين؟ في الواقع، ما نسمعه هو: “لو لم يفعل ذلك ترومان؛ لقتَل اليابانيون مليونًا”.

أنتظر تقييمًا حقيقيًا لأوباما الشريك في قتل سورية، ولجورج بوش مدمّر العراق، وحتى ذلك الحين، فإنني أفضّل مجرمًا يخبرني بأنه لا يهتم لقتلي، وإنه يستمتع بمنظر دمي، عن مجرم يتباهى بأنه ينقذني من الموت في الوقت الذي يحز السكين في رقبتي، مظهرًا نفسه أنه يحميني.

نعم يعجبني ترامب، وأشمئز من العنصريين بملابس مخملية، ويزداد جرح قلبي وأنا أقولها.


هنادي الخطيب


المصدر
جيرون