أشجار بعيدة



في يوم عطلتي

سأجلس في الغرفة طويلًا

مثل كل مرة

أفكّر بالعابرين خلف النافذة

بمقاس أحذيتهم

لونها، شكلها، ثمنها،

صوت وقعها على الأسفلت

فنافذتي تفتح على شارع عريض

عشرات الأمتار

من حبات التراب المخنوقة تحت الإسفلت

مئات الأغصان لشجيرات

ماتت قبل أن تولد،

وإلاَّ لكنتُ أثرثر معها الآن،

وأشرح لها فوائد تعبيد الطرق،

وكم صخرة تم تفجيرها لجمع الغرانيت،

وكم عامل في مصنع التعبيد

يعيش في كوخ لصقه

لتوفير وقت الآلات

التي تطحن الصخر

بفكيها الفولاذيين،

وكم يحتاج سحق الصخور الصلبة

إلى قوة هائلة.

سأجلس على كرسيّ الخشب

المغلّف بقماش مزخرف بأزهار بريّة

وأوراق على شكل حبة لوز،

وسأفكّر طويلًا بالأشجار البعيدة،

بعمرها،

وطولها،

ورباطة جأشها

أمام الفؤوس والعواصف

والحرائق وقطّاع الطرق

وقُبل العاشقين المكررة المملة،

سأتخيّل تمارين اليوغا التي

كان عليها أن تتقنها رفقة الطيور والغيوم،

ومثل كل مرة سأحسدها مثل عانس عجوز،

وأعِدُ نفسي بقطْعها جميعًا

حين يخفّ خدر ساقي

لأقف في الغابة بدلًا عنها،

وأمد يدي إلى نسغي

أسحب منه

قصائدَ الشاعرات المنتحرات،

وأقرؤها بصوت عالٍ

للهواء والطيور المهاجرة

والإوزة المكسورة ساقها

وسأقهقه حين يخطر لي

كيف هروّل الحطابون

مذعورين

من محض قصائد لا قيمة لها.

*اللوحة للفنان السوري دلدار فلمز


تغريد الغضبان


المصدر
جيرون