on
كيف تُصنّفُ مراتبُ مراكز الأبحاث العالمية؟
ترجمة وتحرير: جلال خشيب
معايير تصنيف مراكز الأبحاث العالمية وِفقا للتقرير السنوي للمؤشر العالمي لمراكز الفكر ومنظمات المجتمع المدني الصادرِ عن جامعة بنسلفانيا الأمريكية سنة 2018
يُعتبرُ مؤشر جامعة بنسلفانيا الأمريكية لتصنيف وترتيب مراكز الأبحاث العالمية، أحد أهمّ المؤشرّات العلمية وأكثرها صرامةً في هذا الصدد. في آخر تقريرٍ صادر له أواخر شهر يناير 2018 بخصوص ترتيب مراكز الفكر ومنظمات المجتمع المدني لسنة 2017، احتّل معهد بروكينز (الولايات المتحدة) المرتبةَ الأولى على الصعيد العالمي كأحسن مركز أبحاثٍ لهذه السنة، تَبعه في المرتبة الثانية المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (IFRI)، أمّا المرتبةُ الثالثة فاستحقتها مؤسّسة كارنيجي للسلام الدولي (الولايات المتحدة).
الشكل رقم 1: المراتب الثلاثين الأولى لمراكز الأبحاث العالمية لسنة 2017
على الصعيد الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، جاء مركز الدراسات الإستراتيجية (الأردن) بالمرتبة الأولى، تَبعه على التوالي معهد دراسات الأمن القومي (“إسرائيل”)، أمّا المرتبة الثالثة فكانت من نصيب مركز كارنيجي الشرق الأوسط (لبنان).
الشكل رقم 2: المراتب الثلاثين الأولى لمراكز الأبحاث في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لسنة 2017
يَتضمنُ تقرير السنة الأخيرة 165 صفحة، تشتمل على العديد من المعلومات والإحصاءات الدقيقة بخصوص هذه الظاهرة المنتشرة بتزايدٍ والمعروفة “بخزّانات التفكير” (Think Tank)، إذ صارت مثل هذه المراكز أمرًا لابّدَ منه في كلّ بلدٍ نظرًا للدور المهمّ الذّي تلعبه في تقديم التوصيات والإستشارات لصنّاع القرار، فضلاً عن دراسة أهمّ الظواهر السياسية، الإقتصادية والأمنية التّي ترتبط بالأمن القومي للدول وكذا بالإستقرار الإقليمي والعالمي على حدٍّ سواء.
الشكل رقم 3: عدد ونسبة مراكز الأبحاث المنتشرة عبر العالم سنة 2017
على سبيل المثال، لا الحصر، يتضمّن هذا التقرير إحصاءاتٍ لعددِ مراكز الأبحاث المنتشرة عبر العالم، إذ تحتل الولايات المتحدة المرتبة الأولى في هذا الصدد، تليها كلٌّ من الصين والمملكة المتحدة على التوالي.
الشكل رقم 4: ترتيب الدول المستحوذة على أكبر عددٍ من مراكز الأبحاث سنة 2017
يتسائلُ كثيرون عن المعايير الصارمة التّي يتبنّها هذا المؤشر في تصنيف وترتيب مراكز الأبحاث عبر العالم. ستُعطي لنا القائمة التالية المُكونّة من 28 معيارًا فكرةً عن الطريقة التّي يتّبنها التقرير في هذا الصدد. يُخصّص التقرير صفحتين ونصف لتحديد هذه المعايير وهي كالتالي:
نوعية قيادة مركز الأبحاث (Think Tank) ومدى إلتزامها (أيْ المدير التنفيذي والمؤسّسة الإدارية). ينطويِ ذلك على إدارةٍ فعّالةٍ لمهام مركز الأبحاث وبرامجه، تعبئة الموارد الماليّة والبشرية للإضطلاع الضروري ورصد الجودة، الإستقلالية وأثر المركز. جودة فريق المركز وسمعته. يَتضمّنُ هذا المعيار القدرة على حشدِ جمعٍ حاسمٍ ذُو مهاراتٍ عاليةٍ وباحثين ذُو خبرةٍ وإنتاجيةٍ ومحلّلينَ تمّ الإعترافُ بهم كخبراء ناشئين أو سابقين في مجال أبحاثهم. جَودةُ وسمعةُ التحاليل المُنتجة. يتضمّنُ هذا المعيار القدرة على إنتاج بحوثٍ عاليةِ الجودة، صارمةٍ، ذاتُ سياساتٍ موجّهةٍ، ذاتُ قابليٍة للوصول إلى صنّاع القرار، الإعلام والجمهور. القدرة على توظيف وإبقاء نخبةِ الباحثين والمحلّلين. الأداءُ والسُمعة الأكاديمية. ينطوي ذلك على الصرامة الأكاديمية المرتبطة بالأبحاث المُنجزة، ويشتملُ ذلك على الإعتماد الرسمي لباحثي المركز ومحلّليه، عدد ونمط المنشورات العلمية المُنتجة كالكتب، المجلاّت وأوراق المؤتمرات، عدد العروض والمُداخلات التّي قدّمها باحثو المركز في الإجتماعات العلمية وغيرها من اللقاءات المهنيَة الأخرى، عددُ ونمط الإستشهادات بأبحاث باحثي المركز في المنشورات العلمية المُنتجة وبقيّة الباحثين. جودة، عدد وغنى منشوراته. أثرُ بحوث المركز وبرامجه على صنّاع القرار وغيرهم من الفواعل السياسية. التوصيات السياسية التّي تمّ أخذها بعين الإعتبار أو تبنّيها فعلاً من طرف صنّاع القرار، المجتمع المدني أو جهاتٍ فاعلةٍ أخرى في مجال السياسات. السُمعة الحسنة مع صنّاع القرار (التعرّف على الإسم المرتبط بقضايا أو برامج مُحدّدة داخل دوائر صنع القرار، عدد البيانات المُوجزة والتعينات الرسمية، عدد المُلخّصات السياسية والتقارير الحكومية (White Papers)، الشهادات التشريعية المُسلّمة). الإلتزام الواضح بإنتاج بحوثٍ وتحليلاتٍ مُستقلّةٍ. ينطوي هذا المعيار على مواصفاتٍ وسياساتٍ خاصةٍ بإنتاج بحوثٍ وتحليلاتٍ صارمةٍ قائمةٍ على البرهان والتّي يتّم نشرها ورصدها من قِبل مُنظمّة أو فريق البحث أو من طرف باحثين منفردين أيضًا. ينطوي ذلك على كشف المصلحة المتضاربة (ماديًا، مؤسّساتيًا وشخصيًا) والإلتزام بعدم الإنحياز ومعاييرٍ مهنيةٍ معمول بها في البحوث الإجتماعية. أن يحظى المركز بالقدرة على الوصول إلى مؤسّساتٍ أساسيةٍ. يتضمّنُ ذلك القدرة على بلوغ الجماهير والأشخاص الأساسيين والتواصل معهم، على غرار المسؤولين الحكوميين الرسميين (المُنتخبون والمُعيّنون)، المجتمع المدني، الإعلام التقليدي والجديد والمؤسّسات الأكاديمية. القُدرة على إقناع الفواعل الأساسية التّي ترسم السياسات وتطوير شبكةٍ فعّالةٍ وشَرَكاتٍ مع مراكز الأبحاث الأخرى والجهات السياسية الفاعلة. الناتج الإجمالي للمنظمة أي للمركز (المقترحات السياسية، الزيارات على شبكة الإنترنت، التعليمات، المنشورات، المقابلات، المؤتمرات، الموظفين المرشحين لمناصب رسمية). إستخدام الأبحاث، المقترحات السياسية وغيرها من المنتجات. الإنتقال والإستخدام الفعّال للمُلخصّات السياسية، التقارير، التوصيات السياسية وغيرها من المنتجات من طرف صنّاع القرار ومجتمع السياسات وعدد الموظفين الحاليين والسابقين الذّين يُؤدّون أدوارًا إستشاريةً لصنّاع القرار، اللجان الإستشارية وما إلى ذلك، الجوائز الممنوحة للباحثين لإنجازاتهم العلمية أو لخدامتهم العامة. إفادةُ معلوماتِ المنظمة (المركز) في المشاركات الجماهيرية، العمل الإستشاري، العمل المجتمعي-الدعوي (المطالبة بحقوق ما مثلاً)، إعدادُ تشريعاتٍ قانونيةٍ أو شهاداتٍ، إعدادُ أوراقٍ أكاديميةٍ أو عروضٍ، إجراءُ بحوثٍ أو في مجال التدريس أيضًا. القدرةُ على إستخدام –الوسائل- الإلكترونية، الطباعة، وسائل الإعلام الجديدة للتواصل مع البحوث وبلوغ الجماهير الأساسية. السُمعة الإعلامية (حجم الظهور الإعلامي، المقابلات، الإستشهادات بإنتاج المركز). القُدرة على إستخدام الإنترنت بما فيها أدوات التواصل الإجتماعي، للمشاركة مع صنّاع القرار، الصحفيين والجمهور. وُجودُ الموقع الإلكتروني والحضور الرقمي. الجودة، سهولة المنال، الصيانة الفعّالة لشبكة إنترنت المؤسّسة المتواجدة، فضلاً عن جودة ومستوى الإرتباط والحركة الرقمية (الجودة، سهولة الوصول، الدخول وتصفّح الموقع الإلكتروني، عدد زوّار الموقع الإلكتروني، مشاهدات الصفحة، الوقت الذّي يُقضى على الصفحة، الإعجابات المُسجلّة بمنشورات الصفحة ومتابعيها أيضا). مستوى، تنوّع وإستقرار التمويل. يَتضمّنُ قدرة المنظمة على حشد الموارد التمويلية الضرورية لدعم إستمرارية مركز الأبحاث عبر الزمن (الهبات الوقفية، رسوم العضوية، التبرّعات السنوية، العقود الحكومية والخاصّة، الدخل الخاص المُكتسب). الإدارة الفعّالة وتخصيصُ الموارد المالية والبشرية، قدرةُ مركز الأبحاث على إدارة أمواله وطاقمه بشكلٍ فعّالٍ بحيث يُنتِج مخرجاتٍ ذاتُ جودةٍ عاليةٍ تُحقّقُ أقصى أثرٍ ممكن. قُدرةُ المنظمة على الوفاء الفعّال بشروط الهدايا، المنح والعقود من الحكومة (أو الحكومات)، الأفراد، الشرِكات والمؤسّسات المُوفّرة للدعم المالي للمركز (الإشراف المالي). قُدرةُ المنظمة على إنتاج معرفةٍ جديدةٍ، إبتكار مقترحاتٍ سياسيةٍ أو أفكارٍ بديلةٍ عن سياسات ما. القُدرةُ على جَسرِ الهُوّة بين المجتمعات الأكاديمية وصنّاع القرار. القُدرةُ على جَسرِ الهوّة بين صنّاع القرار والجمهور. القُدرةُ على تضمين أصواتٍ جديدةٍ في عمليّة صنع القرار. القُدرةُ على التنظيم والتقيّد بالعمل داخل قضايا وشبكات السياسات. النجاحُ في تحدّي المعرفة (الحكمة) التقليدية لصنّاع القرار وتوليد الأفكار والبرامج السياسية المُبتكرة. التأثيرُ على المجتمع. يَستلزمُ ذلك وجودُ علاقاتٍ مباشرةٍ بين جهود المنظمة في مجالٍ محدّدٍ لإحداث تغييرٍ إيجابيٍ في قِيمِ المجتمع على غرار إحداثُ تغييرٍ كبيرٍ في جودة الحياة داخل البلد المَعنِيِّ (تمسُّ كميّات السلع والخدمات المُتاحة للمواطنين، حالة الصحة البدنية والنفسية والذهنية، الجودة النوعية للبيئة، جودة الحقوق السياسية، القدرة على الوصول إلى المؤسّسات).أخيرا، يضمّنُ التقريرُ السنوي تصنيف المراكز العالمية وِفقًا لمجالات التخصّص والإهتمام أيضًا، كمجال الأمن القومي، الإقتصاد الدولي، حقوق الإنسان، السياسة الإجتماعية، الشفافية والحوكمة، الميزانية، الإرتباط بصنّاع القرار والحكومات وغيرها من المجالات. وإستنادًا إلى مثل هذه المعايير الصارمة المذكورة سلفًا، بإمكان أيّ مركزٍ بحثيٍ أن يقيس مدى فاعليته وجودة إنتاجه المعرفي، أو قد يتّخذُ منها مُثُلاً لبلوغ الإحترافية العلمية والمهنية ما أمكن.
عنوان الدراسة ورابطها الأصلي:
James G. McGann, 1-30-2018 2017 Global Go To Think Tank Index Report, University of Pennsylvania Scholarly Commons, USA, pp 30-32.
https://www.diis.dk/files/media/documents/activities/2017-go-to-think-tank-report-ggtti-2017.pdf
_______________________________________________________
جلال خشيب: باحث بمركز إدراك للدراسات والاستشارات، شارك في العديد من المؤتمرات العلمية الدولية. له العديد من الكتب، الترجمات، المقالات والدراسات الأكاديمية المنشورة.
Share this: Click to share on Twitter (Opens in new window) Click to share on Facebook (Opens in new window) Click to share on Google+ (Opens in new window)المصدر