البعد الرمزي للاغتصاب أثناء الحروب

10 شباط (فبراير - فيفري)، 2018
6 minutes

منذ بداية التاريخ البشري، كانت النساء تخضع في أزمان الحروب إلى شروط مضاعفة من التعسف والاضطهاد، بسبب تكوينهن البيولوجي كنساء؛ فيصبحن هدفًا لعمليات اغتصاب غالبًا تكون منهجية، كنوع من السلاح الذي يطبق ضد الخصوم.

الأمر على ما اعتقد يتجاوز البعد الواقعي لفعل الاغتصاب، ويصل إلى بعدٍ رمزي، ربما يعود إلى أساس الحياة التي منحت النساءَ إمكانيةَ الولادة والتكاثر والحفاظ على النوع؛ ما يجعل لهن بعدًا رمزيًا عند الرجال، فهن قادرات على منح الخلود، عن طريق الولادة وإمكانية استمرار الحياة. وهذا الأمر –برأيي- أصيلٌ في وعيهم ويصعبُ جدًّا تجاهلُه أو القفزُ فوقَه، ويجب التوقفُ عنده طويلًا؛ إن كنّا نتوخّى الدقةَ والمعالجةَ المتوازنةَ للموضوع.

النساء كالأرض؛ فالأرض هي التي تُنبتُ الزرعَ وتحفظُ الحياة، تمامًا كما هو الحال مع النساء! يحفظن الجنسَ من الانقراض ويمنحنَ البشرَ سرَّ البقاء وحفظَ الأنساب والذُرّيات. لهذا يمكننا أن ندركَ السببَ في تواكب عمليات اغتصاب الأراضي والسُّلطان عليها، مع عمليات الاغتصاب التي تمارس بحق النساء المتواجدات عليها.

برأيي، إنَّ عمليات الاغتصاب تحملُ بُعدًا رمزيًا يتجاوزُ الفعلَ الماديَّ الممارَس، كعقاب أو كاضطهاد أو كمتاع أو أي شيءٍ من هذا، كي يصلَ إلى غايةٍ نفسيّةٍ عميقةٍ ترتبطُ برغبةٍ جامحةٍ في إفناء الخصم رمزيًا بشكلٍ منهجي ومقصود، ويدلُّ على ذلك مقدارُ العنف الصريح والحاقد الذي يمارَسُ ضدَّ أجساد النساء، سواء أكان ذلك عن وعيٍ أم عن غير وعي.

إنّ المعتديَ يستطيعُ إعدامَ الرجل عمليًا بقتله وإنهائه ماديًا، لكنّه غالبًا ما لا يكتفي بذلك، بل يتابعُ جرائمَه فيقومُ باغتصاب نسائه. وعلى الرّغم من أنَّ المهزومَ قد ماتَ ماديًّا ولا يوجد هزيمةٌ أكبرُ من الموت! لكن هناك إصرارًا على تأكيد الإفناء، وذلك عن طريق تأكيد الحلول محلّه عند النساء. الأمر إذًا يتعلقُ بهزيمةٍ رمزيةٍ تكونُ باغتصاب نسائه، سواء كُنَّ زوجاتٍ أو غير ذلك. الأمرُ يتعلقُ بإفناء أيّ أثرٍ ممكنٍ له عن طريق إتلاف زرعه وبذر زرعٍ آخرَ. فالإعدامُ هنا رمزيٌّ يُقصَد منه القضاءُ على أي إمكانيةٍ للامتداد الرمزي عند النساء اللواتي هنّ حاملاتٌ للبعد الرمزيّ لوجود الرجال. وهكذا يكونُ في الأمر تجاوزٌ للعمل الجُرمي المباشر وصولًا إلى عمل مُوجّه، يُقصَد منه القضاء التام على الخصم عن طريق الاستيلاء على إمكانية امتداده البيولوجي بكافّة الأشكال.

الرجال المعتَدون يقومون بهذا العمل على نحو واعٍ، بهدف صريح هو إفناء الآخر، فعليًا ورمزيًا، بينما تبقى النساء -مهما كانت أوضاعهُنّ- من دون إرادة منهن، أداةَ حربٍ وموضوعَ فناء. ولهذا السبب فالرجال يدركون تلك الرسالة جيّدًا، ويفهمون أنّها رسالة بالإعدام المطلق! فالإعدام أو الإفناء هو هدف أي حرب.

وهذا -أيضًا- هو السببُ الذي يجعل الرّجال-إن بقُوا على قيد الحياة ولم يموتوا في حينها- ينتَهون إلى الفجيعة المطلقة جرّاء اغتصاب نسائهم! لأنهم يُدركون أنَّ وجودَهم الرمزي قد انتهى، حتى في حال استمرت حياتُهم الفيزيولوجية. وكذلك بالإمكان إدراكُ السبب الذي يجعلُ أكبرَ شتيمةٍ تُوجَّه إلى أيّ رجلٍ هي الشتيمة التي تخصُّ نساءه!

منذ بدء إدراك البشر لحقيقة وجودهم، بدؤوا بالاقتتال من أجل الاستيلاء على الخلود. فكانت أولى جرائم التاريخ يوم قتلَ قابيل أخاه، ثم كرت السبّحة، حتى إنَّ “أوديب” قتل أباه في المسعى ذاته. ولم تنته بعد تلك المأساة إلى يومنا هذا. فمتى ستنتهي يا ترى؟

إن الاغتصاب -للأسف الشديد- في نظر الجميع! سواء معتَدين أم معتدى عليهم، ليسَ أكثرَ من انتقاصٍ لشرف الرّجال.

لا أحدَ معنيٌّ بمقدار الآلام التي تُعاني منها النساءُ من جرّاء هذا الفعل الإجرامي الحاقد القذر. وقلّما يهتمُّ أحدٌ بما تسببُه تلك الآلامُ الجسمانية والنفسية، من نتائجَ وعقابيلَ ترافقُ الضحايا طيلةَ أعمارهن! وقليلٌ جدًا من يُفكّرُ بما يمكنُ أن يترتبَ على تلك الجرائم كولادة الأطفال! وهذا أمرٌ غايةٌ في الأهمية والخطورة والرمزية أيضًا.

لبُّ المعاناة وجوهرُ هذا الفعل الإجراميّ لا يكمنُ أبدًا في كونه مُوجهًا ضدَّ الرّجال فقط، بل في أنَّ موضوعَه هو النساءُ ولا أحدَ غيرَهُن. وليس من العدل في شيءٍ استمرارُ اعتبار الاغتصاب فعلًا رمزيًا يخصُّ الرَّجلَ أولًا. ليس من العدل أبدًا أن تتحمل النساء مسؤولية تكوينهن البيولوجي ولا يتوجب عليهن ذلك، تحت أي ذريعة من الذرائع، ولا أي اعتبار من الاعتبارات مهما كانت، فرديةً أو اجتماعيةً أو من أي نوعٍ كان.

ولقد كنتُ دائمًا على خلافٍ معَ كلّ التيارات الأدبية والسياسية والفنية، وغيرها من الذين يُحمّلون الاغتصابَ تلكَ الرسالةَ الرمزيةَ القاصرةَ والمُجحفَة جدًّا بحقّ النساء! لأنَّنا -كوننا بَشرًا- ارتقينا كثيرًا فوق مرحلة قابيل وهابيل، ووصلنا إلى مرحلةٍ يكون فيها الإنسانُ رهنًا، بما كَسبت يداه، لا بما خُلق ما بين ساقيه.

خديجة حديد
[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

جيرون