on
سورية: اختبار التواجد العسكري الأميركي
يقوم النظام السوري بعملية إبادة لجماهير الثورة السورية منذ سبع سنوات. لم تتوقف المجازر التي نفذها نظام بشار الأسد مستخدما كل أنواع الأسلحة يوما واحدا. ولم يعد ممكنا، بسبب ذلك، القيام بإحصاء دقيق لأعداد الضحايا إذ لا تزال المجزرة مستمرة، ولا يعترضها أي عائق بذريعة “تعقيد” الوضع السوري.
خلال سنوات الموت تلك، لم تتوقف المطالبات للمجتمع الدولي بحماية المدنيين السوريين. وتذرعت واشنطن بصورة متواصلة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما بتعقيد العملية العسكرية وصعوبة تدمير سلاح الطيران السوري خشية تدخل إيران وحزب الله والانجرار إلى حرب واسعة وخطيرة في كل المنطقة. ولكن ما حدث الأسبوع الماضي من ضربتين عسكريتين، أميركية وإسرائيلية، للنظام السوري وحلفائه، أثبت ضعف هذه الحجة.
دمرت الغارات الإسرائيلية التي جرى تنفيذها مباشرة بعد إسقاط الطائرة الحربية الإسرائيلية نصف الدفاعات الجوية الخاصة بنظام الأسد. يبدو هذا مدهشا حقا وهو يوضح الضعف الاستراتيجي الذي يحيط بالنظام السوري خلال أي مواجهة عسكرية جدية تتعدى مواجهة الشعب الأعزل أو الفصائل المحلية ضعيفة التسليح.
هكذا تم تعرية أكذوبة صعوبة مهمة حماية المدنيين، سواء بفرض حظر جوي، أو بتدمير سلاح الجو والذي تسبب بأكبر الخسائر في صفوف المدنيين السوريين ولا يزال. بل تبدو تلك المهمة “المعقدة” اليوم، والتي طالما تهرّبت منها إدارة أوباما ثم إدارة ترامب، أسهل بكثير مما اعتقد حتى أكثر المتحمسين لها.
الحدث الثاني والأهم، هو الهجوم الذي نفذته القوات الأميركية في ريف دير الزور لصد محاولة تقدم قوات النظام السوري وحلفائه في المنطقة. في غضون دقائق استطاعت القوات الأميركية حماية حليفتها الرئيسية، قوات سوريا الديمقراطية، وأوقعت نحو 150 قتيلا في صفوف المهاجمين. وتعتبر هذه أكبر خسائر النظام السوري وحلفائه في معركة صغيرة وسريعة منذ اندلاع الثورة.
يوضح هذا الحدث أن دورا أميركيا أكثر فاعلية وجدية كان، ولا يزال، من الممكن أن يغيّر من مجريات الحرب السورية ويخفض التكاليف البشرية والاقتصادية. نعم، كان بالإمكان إنقاذ أرواح مئات الآلاف من السوريين لو تحركت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي عوضا عن الوقوف بصمت لمشاهدة أكبر مذابح العصر الحديث وأكبر أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية.
ولكن لمعركة دور الزور دلالات أخرى ذات أهمية استثنائية. أصبح للولايات المتحدة تواجد عسكري حيوي ويستحق الدفاع عنه بكل الطرق ومهما كانت العواقب. لم يقتصر الهجوم الأميركي على قوات الأسد فقط، بل شمل أيضا الميليشيات التابعة لإيران ومقاتلي حزب الله. الأهم بالطبع هو مقتل عدد كبير من المقاتلين الروس الذين يعملون لصالح شركة روسية أمنية في سوريا. بعد الهجوم نفت روسيا وجود أي مقاتلين روس، ولكنها اعترفت لاحقا بمقتل خمسة مقاتلين تابعين لشركة روسية أمنية كانوا ضمن المجموعة التي هاجمت قوات سوريا الديمقراطية. ولكن تقارير عديدة متقاطعة تؤكد أن خسائر الشركة الأمنية الروسية تقدر بنحو مئة قتيل.
توضح هذه المعركة إذن تمسك الولايات المتحدة بالمناطق التي سيطرت عليها ووضعها في سياق إستراتيجية مستقبلية. وكان وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون قد استعرض ملامح تلك الإستراتيجية قبل الهجوم بنحو أسبوع وتركزت على الاحتفاظ بالأراضي السورية التي تسيطر عليها، دعم إعادة الإعمار فيها، واستخدامها كورقة ضغط في الحل السياسي. ويظهر من حدة وشراسة الهجوم الأميركي أن واشنطن جادة في ما أعلنته، وهي تعتبر كل مناطق قوات سوريا الديمقراطية شرق نهر الفرات بمثابة قاعدة عسكرية أميركية كبيرة تحت حمايتها.
على الطرف الآخر، يظهر قلق الأطراف التي نفذت الهجوم، النظام وروسيا وإيران، من التواجد العسكري الأميركي واعتباره العقبة الأبرز التي تمنع تحقيق النصر. كما تشاركهم أنقرة هذا القلق بسبب العلاقات الأميركية الكردية الوطيدة، وهو ما دفعهم جميعاً للتنسيق، بصورة غير مباشرة، لتوجيه ضربة خاطفة للمخطط الأميركي. سمح كل من النظام السوري وروسيا لتركيا بالهجوم على مدينة عفرين لاستنزاف القوات الكردية التي رفضت التحول إلى تابع للنظام السوري، مفضلة تأسيس علاقات توازن بين النظام وروسيا وأميركا لمحاربة عدوها الأبرز، أي تركيا.
أظهرت المعركة أن دورا أميركيا أكثر حسما تجاه إنهاء الحرب كان ممكنا ولا يزال حتى بعد التدخل العسكري الروسي. ولكنها أظهرت أن التواجد الأميركي في سوريا لن يتواصل من دون تحديات، خصوصا في ظل اعتماد الولايات المتحدة على فصيل كردي يعتبر العدو الأول لتركيا منذ زمن طويل، وللنظام وروسيا وإيران والسكان العرب الذين قام بتهجيرهم في الوقت الحالي.
(*) كاتب فلسطيني سوري
العرب
المصدر
جيرون