نحو بيئة آمنة ومحايدة لسورية

25 شباط (فبراير - فيفري)، 2018
6 minutes

لا يحدث أي تغيُّر بمعزل عن البيئة المحيطة به؛ فالمُتغير يستخدم أدوات المحيط، وبدوره يؤثر فيه، فهي علاقة ثنائية القطب ظاهرًا، متشابكة العوامل داخلًا. هذا ما يتجه له الأمر في سورية، مع تكرار المطالبة ببيئة آمنة ومحايدة للوصول للتغيير السياسي، أي العمل على تحييد عوامل الخطورة اليوم، لضمان عدم انتقالها للمستقبل. فما هي صفات هذه البيئة التي علينا العمل عليها أو انتظار تحققها من أجل الانتقال السياسي في سورية، وما هو التطبيق الواقعي لهذا المطلب؟

تضم هذه البيئة عدة عوامل رئيسة، تتطلب المعالجة بعمق؛ للوصول إلى وسط يسمح بحصول هذا التغيير، حيث يتطلب الأمر بداية بعض الواقعية من المجتمع الدولي، تجاه عدد الضحايا الهائل الذي تسبب به نظام الأسد، عبر تمسكه بالحكم وفرضه الحل العسكري، وتسهيله عملية احتلال سورية، وعبر تواطئه مع الإرهاب والتطرف بهدف بقائه، إضافة إلى المظاهر الوحشية التي عبّر عنها بوسائل القتل، وما حمله ذلك من رسائل للسوريين المطالبين بالتغيير، وهي تصنف ضمن رسائل الكره والتحريض على العنف والعزم على إبادة كل من يعارضه. تؤدي هذه الأمور جميعها إلى أن نظام الأسد ودائرة الأسماء المرافقة له التي لعبت أدوارًا إجرامية لا يمكن أن تكون عناصر من هذه البيئة الآمنة والمحايدة؛ فلا إمكانية لتدوير الزوايا وانتزاع المخالب هنا، فهي كتلة صماء موسومة ستُخل بحيادية أي بيئة تحل بها، وتمنع أي إمكانية حوار، كونها مولدًا مستمرًا للرغبة في الانتقام، ليس لدى المعارضين لهذا النظام فحسب بل للموالين له أيضًا عبر التحريض والتلاعب. مع الأخذ بعين الاعتبار أن الآثار التي خلفها النظام شديدة وعميقة، وتحتاج إلى زمن طويل لمعالجتها، لكن أشدها حضورًا في نفوس السوريين هو الأعداد الهائلة من الضحايا، ومن المعتقلين مجهولي المصير، وهي ملفات تفرض نفسها بقوة في خلق هذه البيئة الآمنة والمحايدة، فالتقدم فيها هو تهيئة لأي حوارات مستقبلية، وتغييبها هو تجاهل لعامل استقطاب كبير الأثر.

يتطلب الأمر كذلك الاعتراف الصريح بوجود احتلال خارجي للأراضي السورية، منه ما هو قائم على أهداف أيديولوجية، وهو الأخطر، لكونه يبرر القتل والإبادة على أسس عقائدية، كما هو حال الاحتلال الإيراني. ويتطلب العبور للبيئة المحايدة المرجوة دوليًا خروجَ كافة هذه الميليشيات من الأراضي السورية، بما تحمله من أحقاد طائفية ومطامع توسعية، ومنه ما هو قائم على مطامع اقتصادية واستراتيجية، وهو بدوره يتطلب إيجاد حلول تنصف الشعب السوري، مقابل ما يتم استجراره من موارده الطبيعية، ليصب في نطاق خطة تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة لسورية ولا يقتصر، كما هو عليه اليوم، وكما كان منذ بدء استلام عائلة الأسد لحكم سورية ثمنًا لحماية الاستبداد وبقائه، ويقابله تقهقر تنموي يشمل جميع مفاصل حياة الشعب السوري.

إضافة إلى العاملين المتعلقين بطرف النظام، هناك عوامل عديدة يجب العمل عليها من جهة المعارضة، وقد يكون أهمها هو وجود فصائل ترفع رايات وأهداف دينية ومذهبية، تُولّد مخاوف كبيرة عند السوريين، على اختلاف اصطفافهم السياسي، بحكم ارتباط هذه الفصائل بتمويل خارجي وأيديولوجية غريبة عن الوسط السوري، واعتمادها على عناصر غير سورية بشكل كبير؛ ما يجعلها دخيلة على أي بيئة تحاول خلق سبل اتفاق وحوار، وقد جاءت هذه الفصائل على حساب الجيش السوري الحر، فقامت بإضعافه ومحاربته وتفكيكه واستلاب مكانه ومكانته في الثورة السورية، قد تتمثل الخطوات الأهم في هذا السياق في خروج كافة الغرباء من الأراضي السورية، وإيقاف توريد السلاح والتمويل لها، تحت طائلة عقوبات دولية على الدول الممولة واحتواء السوريين المتواجدين ضمنها، ممن لم يرتكبوا جرائم ضد المدنيين، في هيكلية عسكرية يتم التوافق عليها، ضمن بنود الانتقال السياسي المنظّم المزمع تحقيقه.

نشأت أيضًا، خلال هذه السنوات السبع، فصائل تحمل أيديولوجية قومية متطرفة، كما هو حال الفصائل التابعة لحزب (ب ك ك) التي تعتمد على عناصر قيادية غير سورية، زجت بالسوريين وقودًا في حرب لا تخص قضيتهم، وأدت إلى خلق استقطاب عربي/ كردي شديد الخطورة، في مساحة مكانية تضم كلا المكونين، وتؤذن بحرب طويلة الأمد لن تسمح بنشوء أي بيئة للحوار أو للحل المنشود؛ ما لم يتم تحييد أي حزب ذي توجه وسلوك متطرف من مستقبل سورية.

بعد معالجة كافة هذه العوامل المتعلقة بسورية، لا بد من أن تكون نظرة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي حيادية تجاه القضايا التي تمسك بخيوطها، ومنها على سبيل المثال العقد الاجتماعي المقبل لسورية، فعوضًا عن فرض دستور عبر لجنة دستورية معيَّنة دوليًا لا تملك أي مرجعية سورية، يجب على المجتمع الدولي تيسير الأمور، للوصول إلى توافق على أطر دستورية تدعم بناء بيئة الانتقال السياسي، على أسس صلبة لا على لجان هشة مصطنعة، يضاف إلى ذلك أهمية ربط ملف إعادة المهجّرين، وتوظيف عملية إعادة الإعمار، والتهيئة لعودة السوريين، كجزء لا يتجزأ من عملية الانتقال السياسي المنتظم ومساعي بناء السلام في سورية، بحيث تعتبر عتبة فاصلة وإشارة مهمة للانتقال لحقبة جديدة، سيدعمها السوريون جميعهم، إن هي حققت فعلًا شرطي الحياد والأمان.

سميرة مبيض
[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

جيرون