أن تكون سوريًا… ماذا تعني؟

10 آذار (مارس)، 2018
7 minutes

عندما امتدحتُ الفنان الراحل عبد الرحمن آل رشي، على أدائه لأغنية: (أنا سوري.. آه يا نيّالي)؛ قال ساخرًا: (شكرًا بس… مو نيّالي بنوب!!)، وكان بذلك يُعبّر عن امتعاضه من السلطة ورفضه الانتماء إليها، وبالتأكيد لم يكن يكره انتماءه إلى سورية، كوطن وشعب.

في أي بلد أجنبي، تواجه سؤالًا أولًا: من أين أنت؟ وهو مقدمة لتأطيرك ثقافيًا وحضاريًا، حسب معرفة السائل وخبرته ببلدك وتاريخه وما وصله من الإعلام عنه. وهو سيتعامل معك بنديّة، إن كنت من بلد ديمقراطي حر، وبعنصرية؛ إذا قادتك ظروف نزوحك إلى بلد محكوم بطغيان الحاكم أو طغيان الطوائف.

أن تكون سوريًا؛ ماذا تعني؟ هل تعني أنك تحمل بطاقة هوية سورية أو جواز سفرٍ سوري؟ أم أنك تشعر بانتمائك إلى قريتك أو مدينتك الواقعة ضمن الحدود السياسية للدولة السورية، بجغرافيتها الحالية التي حددتها اتفاقية (سايكس-بيكو) بمباركة روسيا القيصرية عام 1916؟ أم إلى سوريا الطبيعية التي كانت تضم العراق وسورية الحالية ولبنان وفلسطين والأردن وإسكندرون وأنطاكية، قبل التقسيم؟ وهل تُفضّل أن تُعرِّف عن نفسك -مثلًا- بأنك عربي سوري أو كردي سوري، أو تسبق ذلك أو تُلحق به ديانتك، وطائفتك: مسلم سني، مسيحي كاثوليك، أو بقبيلتك أو بلدتك أو مدينتك، قبيلة شمر وغيرها، أو حلبي، أو شامي، أو حمصي… الخ، كتأكيد على هويةٍ إضافية تشعرك بالخصوصية التي تعتز بها؟ ما يعني أن مصطلح الهوية هو: مجمل الهويات أو الصفات التي تميز شخصًا عن غيره، أو مجموعة عن أخرى، في مرحلة زمنية معينة، وهذا المصطلح مختلف عن مصطلح الجنسية الذي يعني تلك العلاقة القانونية بين الفرد والدولة، ويترتب عليها بعض الالتزامات على الدولة لصالح الفرد، سياسيًا ومدنيًا، كما ترتب على الفرد واجبات قانونية تجاه الدولة، كما يختلف مفهوم الجنسية إلى حد ما عن مفهوم المواطنة التي تُشير إلى الحقوق التي تكفلها الدولة لمن يحمل جنسيتها، والالتزامات التي تفرضها عليه، وتعني مشاركة الفرد في أمور وطنه، ويُقصد بها أيضًا تأمين مناخ الحرية والأمن للأفراد، والمجموعات التي تنتمي إلى قوميات أو ديانات معينة، بحيث تحصل كل مجموعة على حقوقها المتساوية مع غيرها، في استخدام لغتها، وممارسة طقوسها، ونشر ثقافتها، ما يُشعرها بالانتماء إلى وطنٍ يحفظ لها خصوصيتها بحرية، وكذلك تشبع دولة المواطنة الحاجات الأساسية لكل المواطنين، فلا تشغلهم هموم معاشهم وسكنهم وتعليم أبنائهم، عن أمور الصالح العام، بما يؤسس للتعاون والتكامل والعمل الجماعي المشترك.

مثال المواطنة المتساوية واضح جدًا، في دول مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزلندا بشكل خاص، وفي أوروبا واليابان والهند وماليزيا وسنغافورة وأمثالهم بشكل عام. في تلك الدول يشعر المواطن بالانتماء إلى دولة يحكمها القانون الذي يكفل له حقوقه مثل بقية المواطنين، بغض النظر عن جنسه ولونه وعمره وموطنه الأصلي.

بعد بضعة أشهر من قيام الثورة السورية في آذار/ مارس 2011؛ بدأت مظاهر الخصوصية الدينية والقبلية والمناطقية والقومية تطفو على سطح الأحداث، وفي أوائل عام 2012 شاهدت بأم عيني، في القاهرة، أحد مواطني محافظة إدلب وهو يؤسس مكتبًا إعلاميًا خاصًا بقريته، وقال: إنه يستعد لإنشاء مجموعة مسلحة للدفاع عنها، إذا تعرضت لهجوم من جيش النظام، كما حضرت اجتماعًا قبليًا ضمّ قادة قبائل من الجزيرة السورية، واجتماعًا ثالثًا لأحزاب كردية، وآخر لناشطين من مدينة حماة، وتجمعًا لأبناء دمشق، وهكذا… إذن؛ فقد استنهضت همجية النظام السوري هوياتٍ مناطقية وقومية وقبلية، فضلًا عن هويات مذهبية أخرى، واكتشف معظم السوريين خصوصيات اجتماعية بين ظهرانيهم لم يكونوا على دراية واضحة بها، تلك الخصوصيات التي تحولت إلى انتماءٍ، طغى أحيانًا على الشعور بالانتماء إلى الوطن السوري؛ ما مكّن الأجهزة الأمنية التابعة للنظام من اختراق غالبية المجموعات، إن لم نقل كلّها، وعملت على إذكاء الخلافات بينها، ودفعها إلى التناحر، على حساب القضية الكبرى التي جمعتها في بداية الثورة، وهي إسقاط النظام، وإقامة دولة الحرية والمواطنة.

كان السوري يشعر بأنه ينتمي إلى تاريخ واحد، يعود به إلى عشرة آلاف سنة قبل الميلاد، وكان يجد في التركمان والأكراد والأرمن والشركس والآشوريين، وكذلك في المسيحيين، على اختلاف طوائفهم، وفي المسلمين، بتعدد مرجعياتهم، وأيضًا في القبائل والعشائر المتباينة، شركاء له في الوطن، يحق لهم ما يحق له، وذلك بالرغم من طائفية النظام المستفحلة التي كان ينظر إليها السوريون كعارض مرضي لا بدّ أنه سيزول مع الوقت، لكن ذلك الشعور الإيجابي بالمواطنة لم يكن قويًا، بما يكفي لمقاومة عوامل التفرقة التي عمل عليها النظام، ونجح إلى حدٍ بعيد في تعميقها، وإحداث صدوع بالغة الخطورة في الجسم السوري الواحد، وأصبحت مسألة رأب الصدوع قضية رئيسة في سلم أوليات مهمات النهوض السوري الجديد.

الأكيد أن نظام الأسد الشمولي الذي قام أساسًا على الاستئثار بالسلطة بقوة السلاح، وقمع أي صوتٍ ناقد بالعنف المفرط، لم يترك متنفسًا يُشعر الفرد الذي يعيش في ظله بالعدالة والمساواة والأمان وبالمواطنة كمحصلة. النازح السوري في الدول الديمقراطية الذي حصل على جنسيتها، أو حتى على حق الإقامة والعمل فيها، يشعر بالمواطنة أكثر بما لا يُقاس، من بلده الأم، أما أبناؤه الذين ولدوا هناك أو سيولدون؛ فإن انتماءهم سيكون إلى تلك الدول التي لا تُفرّق بينهم وبين أقرانهم، تحت أي صيغة وطنية أو إثنية أو عرقية.

أنت سوري؟ يعني أن تعمل على كبح مشاعرك الإثنية والمناطقية والقومية والقبلية إلى حدودها الدنيا، لأن حلم الثورة، بدولة الحرية والعدالة، لن يتحقق بغير الشعور بالمواطنة المتساوية.

توفيق الحلاق
[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]

جيرون