الغوطة وعفرين وسورية كلها برسم المعادلات الإقليمية والدولية
10 آذار (مارس)، 2018
[ad_1]
معركتان متزامنتان هيمنتا على تفكير السوريين، كانتا، وما زالتا، موضوع مناقشات حامية، ومواقف مختلفة، وصلت إلى حد التناقض، بين السوريين عامة، وبين أوساط من العرب والكرد على وجه التحديد: معركة الغوطة الشرقية، ومعركة عفرين.
وقد بلغت الأمور، لدى بعضهم، درجة التجاهل شبه الكامل لهذه المعركة أو تلك، وذلك تبعًا للانتماء القومي أو الموقف السياسي.
معركة الغوطة، بالنسبة إلى النظام والثائرين عليه، حاسمة على السواء. يخوضها النظام بمساعدة الميليشيات المذهبية، وقوات الحرس الثوري الإيراني، وسلاح الجو الروسي ضد منطقة محدودة المساحة، تعج بالمدنيين. المعركة على الغوطة شعارها “القضاء على الإرهاب”، ولكنها في واقع الأمر ترمي من جانب النظام إلى القضاء على آخر معاقل الثائرين عليه، بذريعة وجود حفنة من أعضاء “جبهة النصرة”، هؤلاء الذين يبدو أنهم يتنقلون بين موقع وآخر، بناء على المطلوب.
معركة الغوطة هدفها الأساس إبعاد الخطر عن دمشق، لأن الأنظمة في بلداننا تسقط عادة في العواصم. ومع أن النظام قد تمكّن من التحكّم بدمشق عبر المقربين من تجارها ورجال الدين فيها. ولكن الخطر يبقى ماثلًا في الغوطة التي تظل الوشائج بينها وبين الشام وثيقة مؤثرة، لذلك رأى معسكر رعاة النظام أهمية استغلال الظرف الدولي والإقليمي، وواقع المعارضة، والعمل من أجل انتزاع الغوطة من أبنائها، بالحديد والنار.
فالمعارضة السورية، السياسية منها والعسكرية، منقسمة على ذاتها، والوضع العربي في أسوأ حالاته، ودول المنطقة قد تغيّرت أولوياتها، وما يستشف من المعطيات هو أن توافقًا ما قد تمّ بين اللاعبين الأساسيين الموجودين في الساحة: روسيا والولايات المتحدة الأميركية، على قاعدة: لقد حصلتُ على ما أريد، وأَغضُ النظر عما تفعله. ولكن من حين إلى آخر، لا بد من تصريحات وتحركّات، الغرض منها التهدئة والتمويه.
إلا أن الذي يستوقف أكثر من غيره هو موقف السوريين أنفسهم؛ فمنهم من يدين الروس والإيرانيين مباشرة؛ ومنهم من يركّز على الإيرانيين وحدهم، ويتجاهل ما يفعله الروس؛ ومنهم من يلتزم الصمت، بل ربما هناك من لا يزال ينتظر حسم موضوع الغوطة، من أجل فتح الطرق أمام بلوغ مواقع طالما تمنوها.
أما معركة عفرين التي أعلنتها تركيا بعد توافقات كاملة مع الروس والإيرانيين، وتفاهمات مبهمة مع الأمريكيين؛ فقد ولّدت لدى السوريين بصورة عامة شعورًا بالامتعاض نتيجة مشاركة فصائل محسوبة على “الجيش الحر”، وقيام الائتلاف بإصدار بيان مؤيد للهجوم المعني، ولم يكتف الأخير بذلك فحسب، بل قام وفد بقيادة رئيسه بزيارة مناطق من عفرين؛ الأمر الذي تسبّب في إحداث شرخ بين العرب والكرد، تجسد في حملات تجييش ومشاحنات على وسائط التواصل الاجتماعي، حتى بلغ الموقف درجة وكأن العرب باتوا معنيين بمعركة الغوطة فقط، في حين أن معركة عفرين وحدها دون غيرها هي شغل الكرد الشاغل. وكل ذلك يخدم بطبيعة الحال النظام ورعاته؛ ويسيء إلى المشروع الوطني السوري.
كان الأحرى بالائتلاف أن يطرح مبادرة وطنية لمعالجة الموقف في عفرين، سياسيًا، قبل بدء الهجوم، وقبل وصول الأمور إلى مرحلة الإعداد الفعلي للمعركة.
مبادرة كهذه كان من الأرجح أن يرفضها “حزب الاتحاد الديمقراطي” الذي تتماهى سلوكياته مع تلك التي يتسم بها “حزب الله” في لبنان. فالأخير يتخذ قرار الحرب، ويفرض الحرب على اللبنانيين، ومن ثم يطالبهم بالوقوف إلى جانبه، ويتهم المنتقدين لسياساته المتهورة المثيرة للجدل والتساؤل، بالخيانة وأقذع الأوصاف.
تركيا -شئنا أم أبينا- هي دولة إقليمية كبيرة، ترتبط مع سورية بحدود برية طويلة، وهي حدود تمر في معظمها من المناطق الكردية في الجانبين. ولهذا؛ فإن وقائع الجغرافيا والتاريخ والتداخل السكاني والمصالح المشتركة، تلزم الأتراك والسوريين، والكرد منهم تحديدًا، البحث عن القواسم المشتركة، وبذل الجهود بغية الوصول إلى توافقات حول النقاط الخلافية، ومراعاة الحساسيات، وسدّ الطريق على من يريد دفع الأمور نحو التصعيد العسكري الذي لن يكون لمصلحة الأتراك والسوريين، ولا لمصلحة الكرد هنا وهناك.
موضوع الغوطة يهم جميع السوريين، وكذلك ينبغي أن يكون موضوع عفرين.
الموضوع الأول يحتاج إلى تحرّك دولي أممي من داخل الأمم المتحدة ومن خارجها؛ لإلزام الروس بإيقاف الهجوم الوحشي.
أما الموضوع الثاني، فهو يمكن أن يُحل بالتوافق بين تركيا والولايات المتحدة وأطراف كردية، من أجل الوصول إلى اتفاق يقضي بتحييد المنطقة عسكريًا، وتسليم أمر إدارتها وحماية أمنها إلى أبنائها بإشراف دولي، ومنع دخول قوات النظام إليها. نقول هذا، والمعارك لم تصل إلى عفرين المركز التي تعج بالمدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ؛ لذلك نرى ضرورة بذل كل الجهود بصورة مكثفة وجادة، وذلك من أجل الخروج بمبادرة عاجلة، قبل أن تحدث الكارثة التي لن تكون في صالح السوريين جميعًا، ولا في صالح تركيا نفسها.
وبهذه المناسبة، فإن النخب السورية السياسية والفكرية والمجتمعية مطالبة بالتحرك لإيقاف خطاب الكراهية، هذا الخطاب الذي ينتشر راهنًا، عبر مختلف وسائل التواصل والإعلام، ويتعمق يومًا بعد يوم، وهو خطاب ليس في مصلحة السوريين قطعًا. أما تركيا، فإنها -شاءت أم أبت- لا بد أن تتصدى لمعالجة قضية كردها، عبر حوار وطني جاد مسؤول على أوسع نطاق، وهي قضية تخص أكثر من عشرين مليون إنسان من مواطنيها. والوصول إلى حل عادل لهذه القضية يسحب البساط من تحت أقدام المتشددين الكرد والأتراك، ويفتح المجال أمام حل الكثير من الخلافات بين تركيا وحلفائها التقليديين من الأوربيين والأميركيين. وستصبح تركيا من جديد قوة ريادية في المنطقة، تمد جسور التواصل مع الجميع، وذلك من خلال كردها وعربها مع محيطها العربي والكردي وشعوب المنطقة كلها.
ولكن في جميع الأحوال، يبقى موضوعا عفرين والغوطة، بالنسبة إلى السوريين، مجرد موضوعين فرعيين من اللوحة السورية الكاملة التي لا يمكن أن تستعيد عافيتها، من دون قطع كامل مع الاستبداد ولإرهاب والأيديولوجيات العابرة للحدود، وذلك لن يتحقق في ظل غياب حامل سياسي اجتماعي لمشروع وطني سوري، يطمئن الجميع.
عبد الباسط سيدا
[ad_1]
[ad_2]
[sociallocker]
جيرون