كان لا بد من حرمان روسيا من السر



المرة الأولى التي جرى فيها الحديث عن غاز الأعصاب (نوفجاك)، على المستوى الرسمي، عندما أعلنت رئيسة وزراء بريطانية تيريزا ماي عن مقتل العقيد سكريبال وابنته، ورجحت أن تكون المادة من أصل روسي. ومن المعروف أن فيل ميرزايانوف أحد مطوري هذه المادة، وهو موظف سابق في معهد الدولة للبحث العلمي في الكيمياء العضوية والتكنولوجيا، زمن الاتحاد السوفيتي، يبلغ من العمر 83 عامًا يعيش في نيوجرسي التي انتقل إليها عام 1995، في إطار برنامج التعاون مع العلماء السوفييت السابقين في تطوير أسلحة الدمار الشامل.

عمل ميرزايتوف ضمن فريق من العلماء، منذ بداية السبعينيات، على تطوير السموم الكيميائية الشالّة للأعصاب، وجرت الاختبارات حتى الثمانينيات، في كل من موسكو وأوزبكستان ومنطقة ساراتوف. وسمّيت آنذاك (نوفجاك) وتعني الجيل الجديد. وذكر أن 0,01 ملغ لكل كيلو غرام من وزن جسم الانسان كافية كافية لأن تسبب شللًا في الجهاز التنفسي، يؤدي إلى إبطاء ضربات القلب والوفاة في غضون دقائق. في أواخر الثمانينات، عندما تم تبني (نوفجاك) من قبل الجيش السوفيتي؛ حصل على جائزة لينين، وظل اسم المادة سريًّا إلى سقوط الاتحاد السوفيتي، عام 1992، حيث نشر ميرزويتوف مقالًا في صحيفة (موسكوفسكي نوفوستي)، انتقد فيه الحكومة لمواصلتها التجارب. وبعد نشر المقال؛ اتُّهم بإفشاء أسرار الدولة، وأقيمت دعوى ضده، استمرت مدة عامين، و”لعدم كفاية الأدلة”، أسقطت الدعوى، وتمكن من السفر إلى الخارج.

نشر ميرزايتوف في عام 2008 كتابًا بعنوان (أسرار الدولة)، تحدث فيه عن البرنامج الروسي للأسلحة الكيميائية، وعن مشاركته شخصيًا في في العمل على (نوفجاك).

رسميًا، ما تزال السلطات الروسية لا تعترف بتطوير (نوفجاك)، ولا توجد أي صيغة لهذه التركيبة موجودة، لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية. وبعد نشر الكتاب، تمت مناقشة هذا السلاح في المنظمة، إلا أنه لم يتم اتخاذ أي قرار بشأنه. وقال ميرزايتنوف إن استخدام (نوفجاك) في بريطانيا شكل صدمةً لي؛ إذ إنني اعتقدتُ أنني بمجرد نشر صيغة (نوفجاك)، أضع حدًا للاستخدام، وأن الرفاق في روسيا لم يعودوا يملكون الجرأة على استخدام هذا النوع من السموم الذي لم يعد سرًا. أعتقدُ أنهم لم يطّلعوا على كتابي، وقد ظنوا أن بإمكانهم الإفلات من المسؤولية.

جوابًا على سؤال الصحافي فيل سلطانوفيتش، عبر (سكايب): كيف تم تحديد وفاة سكريبال وابنته من قبل البريطانيين بهذا النوع من السموم؟

قال ميرزايتنوف: إن تحديد هوية المادة يتطلب عيّنة من المادة نفسها أو خصائصها الطيفية. هذه العينة قد تكون ضمن كمبيوتر خاص، يحتوي على مطياف كتلة عالية الدقة تحلل وتقدم النتيجة، طبعًا من خلال عيّنة من بول أو دم الضحية، وهناك طرق أخرى عديدة. الإنكليز من خلال التحليل توصلوا إلى صيغة السم، وهي تتطابق مع الصيغة المنشورة في كتابي. أعلم أن الروس سيقولون إن هذا النوع من السموم قد بقي في الجمهوريات السوفيتية السابقة، لكن هذا هراء، فهذه المادة تتفكك مع الزمن. وإنتاج مثل هذا النوع من السموم بحاجة إلى مختبرات قوية وموظفين ذوي خبرة عالية، وهي متوفرة في عدد قليل من البلدان.

سأل الصحفي العالم: قلتَ إن سكريبال وابنته قد يصيبهما الشلل مدى الحياة، أو أن يقتلهما على الفور. هل هذا يتعلق بكمية الجرعة من (نوفجاك)؟

يعتمد التأثير على المكان الذي وضعت فيه هذه المادة: أوُضعت في مكان مكشوف أم تم استنشاقها عبر الجهاز التنفسي أم في الفم مباشرة. فإذا كانت الجرعة أقل من 0,01 ملغ لكل كيلو غرام من وزن جسم الإنسان؛ فإنه سوف يعاني ولن يموت على الفور، وسوف يعيش عدة سنوات مع معاناة ومضاعفات لا يمكن الشفاء منها، وهي محسومة بالموت.

وصف العالم بإسهاب قصةً جرت مع زميله في العمل عام 1987 أندريه جيليزنيكوف الذي كان يعمل على نسخة ثنائية من (نوفجاك)، والذي توفي بعد خمس سنوات من تلقيه جرعة ضئيلة جدًا من الغاز السام، بعد أن تمّ إسعافه مباشرة وإعطاؤه الترياق اللازم؛ حيث إنه يؤثر على الجهاز العصبي، فيتم إعطاؤه 5 ل من الأنزيمات ومجموعات البروتين التي تنقل الإشارات العصبية. حتى الترياق اللازم في الوقت المناسب لا يمكن أن يعيد العمل إلى كافة الوظائف.

ما هو مقدار الجرعة التي تلقاها سكريبال، برأيكم؟

من الواضح أنها ليست جرعة كبيرة. وكيف تم تسميمه؟ هناك احتمال أن السمّ وُضع في السيارة على المقود أو القبضة الخارجية لباب السيارة، ومن ثم قصد البار، وهذا غير وارد، لأنه بمجرد ملامسته تتعطل الرؤية، وبالتالي لا يستطيع قيادة السيارة. على الأغلب، تم تسميمه في البار بواسطة رذاذ، وليس بالضرورة بوجهه مباشرة، بل على أي مكان مكشوف من الجسم.

العنوان الأصلي «Надо было навсегда лишить Россию ее секрета» الكاتب المصدر نوفيا غازيتا الرابط https://www.novayagazeta.ru/ المترجم هادي الدمشقي


هادي الدمشقي


المصدر
جيرون