هل تنسحب واشنطن حقًا من سورية؟



وُضعت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حيال انسحاب قواته من سورية في وقت قريب جدًا، على طاولة البحث عند كثير من المراقبين والمحللين، لا سيما من جهة الأسباب التي دعته إلى مثل هذه التصريحات، وصدقيتها، والغاية منها، وصولًا إلى استلهام المستقبل المنظور للقضية السورية، في ضوء هذه التغيرات.

المحامي والحقوقي السوري نادر جبلي يرى أن تصريحات الرئيس ترامب كانت “مفاجئة”، وأضاف لـ (جيرون) أنها “كانت خارج كل التوقعات والسيناريوهات الممكنة، وما كان حتى بالإمكان تخيلها. فاجأتني أولًا، لأنها أتت غريبة ومتعارضة مع كل نهج إدارة ترامب في الملف السوري، حيث أصبح لها وجود عسكري وازن وقواعد عسكرية عديدة وأسلحة متطورة، وتجاوز عديد جنودها الألفين، وسيطرت قواتها بشكل كامل على شرق الفرات. ومن جانب آخر كانت جميع التصريحات والأفعال تؤكد هذا الحضور، وتؤكد أنهم ماضون في الإمساك بزمام المبادرة والتحكم بالمشهد العسكري والسياسي على المدى الطويل”.

أضاف جبلي أن هذه التصريحات أيضًا هي “ضد مصالح الولايات المتحدة بشكل مطلق، كما أراها، فهي تعني تعزيز النفوذ الروسي في المنطقة، وتعني إنعاش المشروع الإيراني في السيطرة على دمشق، والوصول إلى المتوسط، والتخلي عن الحليف الكردي وتركه لقمة سائغة للأتراك، وإيقاف الضغط العسكري على تنظيم (داعش)، ومنحه فرصة ذهبية لإعادة تنظيم نفسه”.

عدّ جبلي أن هذه التصريحات “ستُحدث صدامًا قويًا، بين ترامب ووزارة الخارجية ووزارة الدفاع وعدد كبير من المسؤولين والنواب الذين يرون في الانسحاب كارثة حقيقية على المصالح الأميركية، يصعب التساهل حيالها”، وعقّب: “لا يمكنني تخيل أن ترامب يعني تمامًا ما يقول، وأرى أن خلف تصريحاته أهدافًا أخرى لا أعرفها، وربما يكون منها ابتزاز السعودية وسحب المزيد من الأموال منها، باعتبار أنها تخشى امتداد النفوذ الإيراني، وتستميت لضرب مشروع إيران وإعادتها إلى حدودها”.

يقول الباحث السوري، الدكتور مخلص الصيادي: إن “شكوكًا عديدة تثار حول تصريحات وقرارات الرئيس الأميركي، ومقدار اتزانها واتساقها مع واقع أنها تصدر من رئيس دولة عظمى، لكن متابعة ما صدر عن الرئيس دونالد ترامب من تصريحات ومواقف، وما أجرى في إدارته من تغييرات صارخة وفجة، تفرض على المحلل السياسي ألا يستهين بما يصدر عن هذا الرئيس، وإذا دلت تصريحات ما إلى موقف غير معقول، وغير متوافق مع ما هو مجمع عليه بأنه في مصلحة الولايات المتحدة؛ فإن علينا قراءة هذه التصريحات من زاوية جديدة، تتسق مع طبيعة ترامب، الذي يدير شؤون الدولة من زاوية التاجر اليهودي وقيم هذا التاجر”.

وتابع في حديث إلى (جيرون): “إن ترامب يصرح بالانسحاب من سورية، لكن الموقف التقليدي لوزارتي الدفاع والخارجية ليس في هذا الاتجاه، لذلك يجب أن نتأكد أحقًا يريد ترامب ذلك، أم أن تصريحه يمثل رسالة إلى دول معينة في المنطقة، ليطلب منها ثمنًا تدفعه لتغطية تكاليف هذا الوجود، كما هي سياسته تجاه مختلف القضايا الاقتصادية والدفاعية وسياسات الهجرة، أي ما يفعله مع الحمائية التجارية، ومع (ناتو)، ومع مشروع بناء الجدار على الحدود مع المكسيك، ومع قضايا عديدة أخرى”.

أضاف الصيادي أن “تصريح ترامب عن الانسحاب يستدعي على الفور السؤال: مَن سيحل محل القوات الأميركية؟ والقول بأن الانسحاب سيتم لصالح الأكراد قول ضعيف؛ لأن قوة الأكراد غير ذات شأن، وما أعطاها قيمة هو الوجود والدعم الأميركي، ولأن تصريحات ترامب تضمنت إعلانًا بتراجع الولايات المتحدة عن تقديم 200 مليون دولار، لإعادة الإعمار في مناطق سيطرة الأكراد، أي أن في هذا الإعلان وقرار وقف الدعم إضعافًا لا حدود له للجانب الكردي”.

أشار إلى أن “تحالف واشنطن مع ما تعدّه تركيا قوى إرهابية، أي أن انسحاب أميركا من سورية من شأنه أن يفتح الآفاق لصراعٍ، تكون تركيا عنصرًا مهمًا فيه، ويتسع لمناطق جديدة في سورية”، وختم بالقول إن “حسابات واشنطن لا بد أن تكون أبعد مما تدل عليه مباشرة تصريحات الرئيس ترامب، وأنا أرجح أن تكون هذه التصريحات، بشأن الانسحاب من سورية، جزءًا من استهداف الحصول على الثمن، أي أن هذه التصريحات موجهة أساسًا إلى دول الإقليم”.

من جهة ثانية، قال الوزير السابق في الحكومة السورية المؤقتة محيي الدين بنانا: إن “تصريحات الرئيس الأميركي غير متزنة وغير متناسقة مع بعضها البعض، وكما عوّدنا، في كل يوم يتحف (يوتيوب) بتصريح غير متناسق أحيانًا مع السياسة الأميركية، وهذا التصريح يدخل ضمن هذا السياق، حيث إن السياسة الأميركية في سورية، وفي المنطقة بشكل عام، تقود إلى الهيمنة عليها”، وأضاف لـ (جيرون) أن “كل ما يحصل ما هو إلا تمهيد لهذه السياسة، وهي التي ستوزع حصص إعادة الإعمار على الآخرين كما تشاء، بناء على ذلك؛ فإنني لا أرجح أن تنسحب أميركا لا من سورية ولا العراق واليمن، وستتدخل بشكل أقوی في الشأن الليبي، وسيكون لها اليد الطولی في المنطقة”.

في السياق ذاته، قال الكاتب السوري محمود عادل بادنجكي: إن “التحليل الموضوعيّ يكون وفق معطيات منطقية، تفضي إلى استنتاجات تلامس جوانب الإقناع، وما يحدث في سورية عمومًا خرج عن أيّ توقّع. فكيف إن ارتبط بسياسات معلنة لترامب، تَسمع عنها خارجيّته ووزارة دفاعه من وسائل الإعلام؟”، وأضاف لـ (جيرون): “لست أعلم جديّة التصريحات من عدمها. لكنّني أستطيع التأكيد أن لا شيء في المحصّلة سيصبّ في مصلحة سورية وإنهاء معاناة السوريين المظلومين”.

كما أكد الكاتب الصحافي مضر حماد الأسعد أن “أميركا لن تنسحب من سورية، فهي على العكس تمامًا عززت وجودها، من خلال القواعد التي أوجدتها في الشدادي ورميلان والطبقة ومبروكة ودير الزور”، وقال لـ (جيرون): إن “مسألة الانسحاب وعدمه ليست بيد الرئيس الأميركي، هناك جهات تنفيذية لها سلطات، منها وزارة الدفاع والخارجية ومجلس النواب والكونغرس، وخاصةً بعد أن تم تعيين الصقور في الخارجية والأمن القومي”.

أضاف: “تصريحات الانسحاب كانت من أجل أن يزداد حجم الدعم المالي من دول الخليج، للصرف على الوجود الأميركي في سورية، وثانيًا للضغط على بعض الأطراف في سورية، للقبول بأنصاف الحلول، ومنها حزب الاتحاد الديمقراطي (قوات سورية الديمقراطية والأكراد عامة)، وخاصةً بعد الاتفاقات السرية التي تسربت إلينا عن اتفاق بين أميركا وتركيا، لتفويض الأخيرة للدخول إلى منبج حتى الحدود العراقية، وإبعاد العناصر الإرهابية منها وتسليمها إلى أهلها، بإشراف تركي وأقلّ منه أميركيًا، وكذلك من أجل الوقوف شوكة ضد التوسع الإيراني في سورية، وبخاصة في البادية الشامية والتنف على الحدود السورية العراقية والأردنية، وفي منطقة الجزيرة والفرات”.


أحمد مظهر سعدو


المصدر
جيرون