on
الجنوب السوري ... تفاهمات وأطماع
السورية نت - رغداء زيدان
أمجد العساف ـ خاص السورية نت
لا يختلف كثيراً المشهد في جنوب سوريا عن ما هو عليه الحال في كافة الجغرافيا السورية التي قسمتها صراعات النفوذ إلى كانتونات عسكرية وسياسية مؤدلجة للحفاظ على مصالح كافة الأطراف التي تشارك في إدارة الصراع السوري، غير أن للجنوب موقعاً جيوسياسياً قد يجعل منه محط أنظار الجميع في الوقت الحالي، وخاصة مع وضوح مناطق النفوذ والسيطرة شمال سوريا وشرقها.
وهذا ما قد يؤجج الصراع الدولي على هذه الرقعة الجغرافية مجدداً بعد هدوء نسبي دام لأكثر من ثمانية أشهر نتيجة اتفاق ثلاثي ضم الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والأردن مطلع يوليو/تموز من العام الفائت خَلُصَ إلى وقف العمليات القتالية في منطقة جنوب غرب سوريا بين قوات المعارضة وقوات النظام بالإضافة إلى تعهد روسي بانسحاب الميليشيات الإيرانية المتواجدة هناك مسافة 50 كم عن الحدود الأردنية والحدود مع الجولان.
أطماع إيران ومصالح روسيالا يخفى على أحد أن الخاسر الأكبر في جنوب البلاد هي إيران التي بات يقيد نفوذها التخوف من توجيه ضربات إسرائيلية لمناطق تواجد ميليشياتها ذات الجنسيات المتعددة، وهذا ما دفعها لإيجاد بدائل عن تواجدها الفعلي، حيث قامت بدعم وتأسيس عدد من الميليشيات من أبناء درعا الموالين لها تحت مسميات مختلفة (اللواء 313 – جيش العشائر – كتائب الهادي) للحفاظ على مكتسبات كانت قد حققتها خلال الأعوام الماضية.
وأبرز تلك المكاسب الإيرانية إيجاد حالة من التغيير الديموغرافي في المدن والبلدات التي سيطرت عليها شمالاً في منطقة مثلث الموت وشرقاً في خربة غزالة ونامر وقرفا والشيخ مسكين .
إلا أن الهدف الرئيسي للإيرانيين يبدو أنه يتعدى ذلك، وقد يصل إلى رغبتها بالاقتراب من الحدود مع الأردن أو مع الجولان، في محاولة لتحقيق مكاسب سياسية أكبر عبر الضغط على عمان وتل أبيب لتكون إيران أحد اللاعبين الأساسين في الصراع السوري، وليس كما يريدها المجتمع الدولي منفذاً لرغبات روسيا.
وعلى الجانب الآخر حيث تقف روسيا كأحد الضامنين لاتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب تسعى هي الأخرى لتثبيت سلطة نظام الأسد وإعادة منحه الشرعية عبر سياسة المصالحات التي تعمل على إنجاحها مستغلة تغير خرائط السيطرة لصالح حليفها الأسد في محيط العاصمة دمشق وتهديد الأهالي بمصير مشابه لما حصل لسكان حلب والغوطة الشرقية في حال عدم قبولهم بالمصالحات.
كما تعمد روسيا من خلال ذلك لتحجيم النفوذ الأمريكي والأردني هناك، والذي سيصبح مقتصراً على فصائل المعارضة المسلحة فقط، في حال جر السكان للتسوية مع النظام، وهذا ما قد يجعل الروس يفرضون المزيد من الشروط على اتفاقية الجنوب لصالح نظام الأسد، الذي ترغب روسيا هي الأخرى في تقديمه من جديد كضامن لأمن حدود الأردن وإسرائيل .
تركيا وخلط الأوراقمنذ الإعلان عن التحالف الثلاثي بين روسيا وإيران وتركيا بدأ يطفو على المشهد السوري رغبة الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" في تحقيق المزيد من المكاسب عبر صفقات يتم تحضيرها مع حلفائه الجدد غير الاستراتيجيين.
ويبدو أن الجنوب السوري هو ساحة جديدة تسعى تركيا من خلال نفوذها المحدود فيها داخل مناطق المعارضة إلى خلط الأوراق لإعادة تقسيم مناطق النفوذ.
فربما ستكون مساعدة الإيرانيين في تحقيق بعض من أطماعهم جنوب سوريا، عبر عمليات عسكرية محدودة لفصائل المعارضة التي تتلقى الدعم منها، يتبعه هجوم واسع للنظام والإيرانيين بحجة انهيار الاتفاق الثلاثي، قد يجعلها تحصل على مكاسب جديدة من الأكراد في محيط منبج وتل رفعت شمال سوريا .
إسرائيل بعد 10 فبراير/شباطبعد إسقاط الأسد للطائرة الإسرائيلية مطلع فبراير/شباط الماضي بأوامر إيرانية وضوء أخضر من روسيا، و إدراك إسرائيل للعبة الإيرانية في جرها لمواجهة مباشرة على الأرض السورية، أصبحت النظرة الاسرائيلية تقتصر على تأمين حدود الجولان ومنع اقتراب الميليشيات الإيرانية منها.
وعلى عكس ما شهدناه خلال الأعوام الماضية من استهدافات متكررة لشحنات أسلحة إيرانية كانت في طريقها إلى ميليشيا "حزب الله" اللبناني، أو استهداف لقادة مؤثرين في تلك الميليشيات، ما يعني أن إسرائيل بدأت تتجه نحو تثبيت الوضع الحالي على حدودها أو القبول بمتغيرات جديدة قد تطرأ لا يكون لإيران دور فيها.
كما حدث في بيت جن على الحدود السورية اللبنانية مع الجولان، دون أن تنجر إلى مواجهة مباشرة، ربما تطيح بحكومة "بنيامين نتنياهو" الذي يواجه تهم فساد. عدا عن التوتر على الحدود مع قطاع غزة والذي يعد الخاصرة الرخوة في جبهة إسرائيل الداخلية.
انحسار النفوذ الأمريكيمنذ الإعلان عن توقف دعم غرفة العمليات الدولية المعروفة باسم (الموك) والتي كانت تشرف عليها الولايات المتحدة بالدرجة الأولى لأكثر من 50 فصيلاً من قوات المعارضة قبل نحو ثلاثة أشهر، بات نفوذ الولايات المتحدة يتهدده أخطار كبيرة لناحية استغلال روسيا حاجة الفصائل للدعم واستقطاب بعض تلك الفصائل من خلال العمل على تشكيل قوات "رديفة" لنظام الأسد، بعد موافقتها على التسوية و المصالحات.
انحسار النفوذ الأمريكي بعد تقليص الدعم المقدم لفصائل المعارضة قابله دعم أوروبي - عربي في مجال تقديم الخدمات للمجتمع المدني وإنشاء جهاز للشرطة في محاولة لقطع الطريق على المخطط الروسي الهادف لجر السكان للمصالحات بترهيبهم بالقوة تارة وترغيبهم بتقديم الخدمات لهم تارة أخرى.
يرغب الجميع في أن يبقى الجنوب السوري بعيداً عن الصراعات التي ربما تؤدي لمواجهة مباشرة بين اللاعبين الدوليين والإقليمين، إلا أن جميع تلك الأطراف تسعى في سباق مع الزمن لإيجاد نفوذ، يضمن لها موطئ قدم في سوريا الجديدة.
اقرأ أيضا: نقطة مراقبة جديدة للجيش التركي في حماة
المصدر