صحيفة-يني شفق: من الذي يفرض على هؤلاء الأمراء حربًا عربية-تركية؟ أنتم ما أصبتم في القرن الحادي والعشرين!



ليس لقضية ضمان بقاء الجيش الأميركي في سورية مدة أطول، بمنح أربعة مليارات دولار لأميركا، أي علاقة بالتهديد الإيراني. كما أن مسألة التوتر السعودي-الإيراني ليست هي وراء تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المتعلقة ببقاء الجيش الأميركي في سورية. وكما أنه ليس لشراء السلاح بمئة مليار دولار من أميركا، بذريعة التهديد الإيراني، أي ارتباط بهذا الموقف أيضًا.

فتحمّل نفقات الجيش الأميركي المتواجد في شمال سورية، عقب تصريح ترامب على الفور، عندما قال: “فليدفعوا نفقاتنا إذن”، هو موقف ونيّة مبيّتة وحسابات واتفاقات سرية موجهة ضد تركيا مباشرة. ومن المحتمل أن النفقات البالغة أربعة مليارات تلك ستدفعها الإمارات العربية المتحدة لا المملكة العربية السعودية.

هذا “الحلف العربي” المضاد لتركيا، مشروع من؟

ومهما كان! وبالرغم من عدم أهميته وفراغ مضمونه، فهناك مخطط دولي حقيقي وجدّي، بتشكيل حلف عربي يستهدف تركيا بشكل واضح وصريح. وهذا ما يهمنا نحن في الموضوع أصلًا. فأولًا إن الجيش الأميركي ليس في موقع يجعله يزعج إيران في شمال سورية. لكن الجيش الأميركي المتواجد في الأراضي العراقية، في البقعة الممتدة من شمال العراق حتى خليج البصرة، هو الذي يشكل تهديدًا لإيران.

إن تمركز الجيش الأميركي في شمال سورية، على طول حزام يمتد مئات الكيلو مترات عند النقطة صفر من الحدود التركية تحديدًا، هو موقف يتعلق بتركيا لا بإيران. وإذا ما نظرنا، إضافة إلى ذلك، إلى مجمل الوضع السوري؛ وجدنا أن الولايات المتحدة التي تسعى إلى فرض تفوق عسكري في سورية، لا تعمل على صوغ صورة لمستقبل هذا البلد. وعلى ذلك؛ فإن أحدهم يعمل على تمويل الجيش الأميركي في مشروع ضد تركيا. فالقضية تضع على الطاولة حسابات أخرى هي أبعد من المسألة السورية.

الزعيمان يضعان أسسًا لعداوة عميقة على مستوى المنطقة

حسنًا! ما هو المشروع المتعدد الجنسيات الموجه ضد تركيا، الذي يقحم وليّا عهد كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة: محمد بن سلمان، ومحمد بن زايد، نفسيهما فيه؟ فخلاف كليهما مع تركيا تحول إلى عداء. غير أن المسألة قد تعدّت وجهة نظرهما بعيدًا، لترتبط ارتباطًا وثيقًا بمشروع أميركي-إنكليزي-إسرائيلي، يرسم للمنطقة، عبر شعار “إيقاف تركيا” وقطع أواصرها بالعالمين العربي والإسلامي.

هذا هو السبب في تقديم هاتين الدولتين الدعمَ لكل مبادرة وهجمة مناهضة لتركيا، بما فيها أحداث الخامس عشر من تموز [المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 تموز 2016 في تركيا]. وهو السبب أيضًا في دعمهم، بما أوتوا من قوة، للحزام الإرهابي في شمال سورية. فهذان الاسمان اللذان ألقيا الخطوات الأولى، نحو عداء عميق الجذور في هذه الجغرافية، قد وُضِعا في خدمة المشروع الغربي، لتحريض العالم العربي ضد تركيا؛ من أجل تضييق الخناق عليها وحشرها في زاوية ضيقة. وها نحن ندرك الآن أنهما يعملان على خلق موجة سيكولوجية كهذه، في أرجاء العالم العربي كافة.

الولايات المتحدة و”إسرائيل” طلبتا ذلك: هذه الجبهة الجديدة ستودي بالمنطقة

يلعبون لعبة على درجة كبيرة من الخطورة، هذه اللعبة ستلحق بالعالم الإسلامي أكبر الخسائر، وستنتج عبر العداوات الدائمة ساحات نزاع وصراع جديدة، ومن ثم ستفتح أفقًا لمشاريع استعمارية غربية جديدة في المنطقة. فهذه مناقصة بطبيعة الحال، وقد حصل هذان الأميران على هذه المناقصة. وإن المحور الجديد الذي تشكل من كل من الإمارات والسعودية و”إسرائيل” ومصر، هو خط جبهة أميركية-إسرائيلية، في حقيقة الأمر. وهو -مهما سوّق للعالم بأنه خط مقاومة عربية في مواجهة إيران- مخططٌ موجهٌ في الأصل ضد تركيا.

إن الحروب العربية-الفارسية المتواصلة، منذ حرب الخليج عام 1991 حتى الآن، والصراعات الطائفية التي ظهرت بعيد احتلال العراق، تؤسس لجبهات عدائية عربية-تركية، لتجر المنطقة إلى أزمات واضطرابات كبيرة. فزايد وسلمان يقودان بتعليمات أميركية وإسرائيلية عملية توتير جديدة في المنطقة، ويجريان حسابات البقاء في السلطة، بمنح كل ما يملكان من مصادر وموارد، للولايات المتحدة الأميركية، ويعدّون البنية التحتية لحرب إقليمية، عبر عملية تحويل للعالم العربي ومشاريع الإسلام المعتدل.

مهمة سلمان وزايد حُدّدت بذلك التقرير الذي أُعدّ عام 2003

يتوجب الإمعان جيدًا ومرة أخرى في مشروعات الدراسات الشاملة المؤلفة من 567 صفحة، والتي أعدت عام 2003 من قبل الأوساط الأمنية الأميركية، إحداها تحت عنوان: ” Civil Democratic İslam: Partners, Resources and Strategies”. وكذلك المشروع الذي تلاه بعد عام من ذلك، تحت عنوان: “U.S. Strategy in the Muslims World After 9/11”. فأغلب المواد والبنود التي وردت في هذين المشروعين يتم تطبيقه اليوم.

جاءت إحدى المواد الواردة في “مخططات الحرب” هذه، والتي تضع الصراعات الإسلامية الداخلية، وتمييز المسلمين عن بعضهم تحت هويات ومسميات أدنى من المذهبية أساسًا لها، أكثر دلالة ومعنى في الوقت الراهن. فالتقرير تضمن مادة متعددة الأسس “كالتفرقة بين المسلمين العرب والمسلمين من غير العرب”، وهو المشروع الذي يجري تنفيذه عبر سلمان وزايد، اليوم.

التجربة الأولى يجري تطبيقها في شمال سورية

إن حزام الحامية العسكرية الذي يجري العمل على إنشائه وتنفيذه في شمال سورية، ما هو إلا جزء من مخطط التفرقة بين المسلمين العرب والمسلمين من غير العرب. وما مطالبة سلمان وزايد، بمواصلة تواجد الجيش الأميركي في هذا الحزام، إلا رغبة ومحاولة منهم في إنشاء “ستار حديدي”، بين تركيا والعالم الإسلامي. كما أن دعمهم الواضح والعلني لتنظيم PKK/PYD في هذا الحزام، لم يكن إلا لهذا السبب أيضًا.

تسعى تركيا، عبر مبادراتها التي بدأتها بعملية عفرين، إلى منع تمزيق هذه الجغرافية والقضاء على إحدى جبهات “الصراع الإسلامي الداخلي”، لذلك؛ فإن الذين هزموا أكثر من تنظيم PKK في عفرين، كانوا سلمان وزايد والولايات المتحدة و”إسرائيل”. فبعد التخويف من إيران، يجري العمل الآن -عبر هذين الزعيمين- على التخويف من تركيا على مستوى العالم العربي ككل، بحيث لا يترك مجال للعالم العربي سوى التسليم لـ “إسرائيل” والولايات المتحدة الأميركية.

الذهنية السياسية العربية ما أصابت في هذا القرن

في الحقيقة إن هذا المشروع هو مشروع يهدف عبر التهديد بعدوَّين: [تركيا وإيران]، إلى ارتهان العالم العربي والسيطرة على ترابه مئة عام أخرى، والشارع والرأي العام العربيين ما زالا غير مدركين خطورة هذا الوضع بعد، أما الذهنية العربية السياسية التي تكنّ (ما عدا الصداقة للولايات المتحدة وإنكلترا وإسرائيل) العداءَ للجميع، فهي لن تصيب في القرن الحادي والعشرين قطعًا.

فكل الحروب والنزاعات التي ما زالت مستمرة، منذ قيام الثورة في إيران حتى الآن، جرت على الأرض العربية. وجرى دفع العرب دائمًا إلى الجبهات من قبل الولايات المتحدة الأميركية، ولكن الخاسر دائمًا… كان العرب. واليوم، وبينما الأمم تتقدم وتتقوّى وتأخذ مواقعها على مسرح التاريخ، نجد أن الحكام العرب يتمادون في رهن بلدانهم وشعوبهم للغرب. وينفذون بحقهم عملية “تعمية” القرن الحادي والعشرين.

حسنًا! ما الذي يمكن لتركيا فعله؟

أصبح التقارب التركي-الروسي من أكبر أهداف الجبهة الغربية من العالم الذي انقسم بتسارع كبير إلى شرق وغرب، فالصور والمشاهد التي قدمها كل من رئيس الجمهورية أردوغان والرئيس الروسي بوتين هزت عواصم الغرب؛ لأن التوتر الحاصل بين كل من روسيا من جهة وأوروبا والولايات المتحدة من جهة ثانية، والهجمة التي تقوم بها هذه الدول على تركيا، كانت سببًا في التقارب بين أنقرة بموسكو، فالمسؤولية التي أخذتها الدولتان على عاتقهما في سورية، أثبتت لأول مرة منذ مدة طويلة إمكانية القيام بتغيير ما على المستوى الإقليمي. وظهرت إلى الواجهة مبادرات تولدت عنها نتائج، خارج مبادرات ومسؤوليات الإطار الأطلنطي.

والآن، ستكون الحسابات القادمة موجهة إلى إفساد وتخريب هذا التقارب، وستبادر السعودية والإمارات إلى القيام بأفعال لاستهداف تركيا، في ضوء المشروع الأطلنطي الجديد. والموضوع الذي أقف عنده منذ مدة وبإصرار؛ هو دخول مخططات “المعارضة المحافظة” و”التدخل المحافظ” تمامًا في هذا التوقيت حيز التنفيذ، وستتم المطالبة بإحداث هزات اقتصادية جدية إلى حين انتخابات عام 2019، وستوضع على الطاولة ألاعيب تطويق وحصر تركيا في الزاوية عبر أوروبا والعالم العربي.

تركيا ستدهشهم وستجهض هذه الجبهة

لن تتمكن الرياض والإمارات من الحصول على أي نتيجة، عبر إذكاء العداء ضد تركيا. وعلى العكس تمامًا، فهم بهذا المشروع سيجدون قريبًا أنهم يقضون على أنفسهم بإدخال العالم العربي في مغامرات جديدة، وإلحاق الأذى والإساءة به أكثر فأكثر. لذلك سنرى جميعًا، قبل أن يمضي الكثير من الوقت، أن الاحتجاجات ستتعالى في الشارع العربي ضد هذه السياسات الاستعمارية الجديدة.

وعليه؛ فإن الجميع سيرى، استحالة إيقاف تركيا عبر تمويل الجيش الأميركي في شمال سورية، وأن تركيا ستتمكن -بجهودها- من إفساد المخططات الكبرى لتمزيق هذه الجغرافية، وأنها لن تسمح بإنشاء جبهة “للاقتتال الإسلامي الداخلي”، وكما سيكون الجميع شاهدًا على أن إعادة بناء المنطقة لن تكون بأيدي الاستعمار القديم، وأن المقاومة في المنطقة في القرن الحادي والعشرين، ستعلو الصدارة وتكون في المقام الأول، ليتم صياغة خرائط جديدة للمنطقة.

القفزة التركية التاريخية المذهلة، ستتواصل وستستمر.

Bu prenslere ” Arap-Türk savaşı” da yatanlar kim? 21. Yüzyılı ıskaladınız siz! العنوان الأصلي للمقالة Yazar: İbrahim Karagül اسم الكاتب: إبراهيم كاراجول Kaynak: Yeni Şafak gazetesi 07.04.2018 المصدر وتاريخ النشر: صحيفة-يني شفق 07.04.2018 https://www.yenisafak.com/yazarlar/ibrahimkaragul/bu-prenslere-arap-turk-savasi-dayatanlar-kim-21-yuzyili-iskaladiniz-siz-2045158

رابط المقالة علي كمخ المترجم 1114 عدد كلمات النص الأصلي


علي كمخ


المصدر
جيرون