on
الرئيس ترامب تحدث بقوة.. لكن ضربته لسورية كانت مقيَّدة
مع كل خطاب الرئيس ترامب القاسي والحازم في الأسبوع الماضي، فإن البديل الذي اختاره لم يُحدث أي تأثير ظاهر لتدمير الآلة الحربية الأوسع للرئيس الأسد أو مراكز قيادة وسيطرة حكومته على قواته خارج قدرات أسلحته الكيميائية. ويبدو من غير المرجح أن تؤدي موجة القصف لليلة واحدة إلى تغيير التوازن الكلي للقوى في سورية بعد سبع سنوات من الحرب الأهلية الدموية. لكن الرئيس كان يأمل أن يكون ذلك كافياً لردع الأسد عن استخدام الأسلحة الكيميائية مرة أخرى، من دون أن تلحق عمليته الكثير من الضرر إلى حد إجبار روسيا وإيران على التدخل.
واشنطن – بإرسال الصواريخ والقذائف إلى سورية، ضرب الرئيس ترامب أهدافاً أكثر واستخدم قوة نيران أكبر مما فعل في ضربة عسكرية مشابهة نفذتها قواته في العام الماضي. لكنه اختار في نهاية المطاف ما كان عملية مقيدة ومحدودة، والتي كانت محسوبة بوضوح لتجنب استفزاز راعيي سورية؛ روسيا وإيران، ودفعهما إلى الرد.
اختارت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون ثلاثة أهداف بدلاً من القاعدة الجوية الوحيدة التي تم استهدافها في العام الماضي، واستخدموا نحو ضعف عدد الأسلحة. ومع ذلك، قال مسؤولون أميركيون، إن الهجوم قُصد منه أن يكون ضربة متناسبة، موجهة بالتحديد إلى مرافق الأسلحة الكيميائية السورية بدلاً من طائفة أوسع من الأهداف، والتي كانت هجوماً لمرة واحدة في ليلة واحدة لمعاقبة دمشق على هجوم يشتبه بأنها شنته بالغاز في نهاية الأسبوع الماضي.
في الأيام التي سبقت الضربة، حذر وزير الدفاع الأميركي، جيم ماتيس، من القيام بهجوم سريع من دون وضع استراتيجية مدروسة بعناية. وعبر عن قلقة من إمكانية تصعيد الصراع عن طريق جر روسيا وإيران إلى مواجهة أعمق مع الولايات المتحدة، في بلد حيث توجد للبلدان الثلاثة قوات على الأرض. وبوجود قوات روسية وإيرانية تدعم حكومة الرئيس بشار الأسد في البلد، سيطر طيف احتمالية حدوث أخطاء على أذهان المخططين العسكريين.
مع كل خطاب الرئيس ترامب القاسي والحازم خلال الأسبوع الماضي، لم يشكل البديل الذي اختاره أي جهد ظاهر لتدمير الآلة الحربية الأوسع للرئيس الأسد أو مراكز قيادة وسيطرة حكومته على قواته خارج قدراتها المتعلقة بالأسلحة الكيميائية. ويبدو من غير المرجح أن تؤدي موجة القصف لليلة واحدة إلى تغيير في التوازن الكلي للقوى في سورية بعد سبع سنوات من الحرب الأهلية الدموية. لكن الرئيس كان يأمل أن يكون ذلك كافياً لردع الأسد عن استخدام الأسلحة الكيميائية مرة أخرى، من دون أن تكون عمليته مفرطة في الضرر إلى درجة إجبار روسيا وإيران على التدخل.
وقال ماتيس للصحفيين في البنتاغون، مساء الجمعة، إن الضربة صُممت لتقليل احتمالات قتل الجنود الروس من دون قصد، وقصر الضرر على المرافق المرتبطة مباشرة بترسانة الأسلحة الكيميائية السورية. وفي حين وصفها ماتيس بأنها “ضربة قوية”، فإنه قال أيضاً: “الآن هذه ضربة لمرة واحدة، وأعتقد أنها أرسلت رسالة قوية جداً لثنيه وردعه عن فعل ذلك مرة أخرى”.
وقال دنيس روس، الخبير في شؤون الشرق الأوسط منذ فترة طويلة، والذي عمل مع العديد من الرؤساء الأميركيين ويعمل الآن مع معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: “من المرجح أن تكون الردود الروسية والإيرانية صاخبة من الناحية الخطابية، لكن الاستجابات المباشرة غير محتملة”. وأضاف روس: “الأهداف التي تم قصفها كانت مرتبطة بالبنية التحتية للأسلحة الكيميائية، وليس القواعد العسكرية التي يوجد فيها الروس والإيرانيون”.
وقال روس إنه من الممكن أن تستجيب إيران بطريقة غير مباشرة باستخدام الميليشيات الشيعية التابعة لها ضد القوات الأميركية في العراق -أو ربما سورية. ولكن، حتى هذا يبقى “أقل احتمالاً بسبب الطبيعة المحدودة لهذا الهجوم”، كما يقول.
في الساعات والأيام التي سبقت الضربة، شغلت العواقب المحتملة للضربة أذهان المسؤولين الذين اجتمعوا في وزارة الدفاع الأميركية، وفي غرفة دراسة الوضع في البيت الأبيض وفي فورت ميد في ولاية ماريلاند، حيث توجد قيادة الحرب السيبرانية للولايات المتحدة.
وفي هذه الاجتماعات، شكك المسؤولون الأميركيون في احتمال أن تقوم روسيا أو إيران بشن هجوم مضاد ضد قوات الولايات المتحدة في المنطقة، لكنهم ركزوا أيضاً على احتمال شن عملية من الانتقام غير المتماثل، والتي يمكن أن تعتمد على القدرات السيبرانية الهائلة التي تتمتع بها موسكو وطهران، والتي قد يكون من الصعب على واشنطن الاستعداد لها أو التمكن من الدفاع ضدها.
لم تكن هناك أي معلومات مخابراتية فورية تفيد بأن مثل هذا الهجوم قيد التخطيط. كما لم يكن المؤكد إلى أي مدى يمكن أن تتجشم أي من روسيا أو إيران المخاطرة بتوسيع الأزمة في سورية من خلال شن هجوم سيبراني مضاد على الغرب.
لكن مسؤولين أميركيين قالوا إنهم يستعدون للرد على مجموعة من الأعمال الانتقامية المحتملة -بما في ذلك التعرض لضربة بواسطة الإنترنت، والتي قد يعيق الاتصالات مع قوات الولايات المتحدة في مناطق القتال.
ركزت اللغة الساخنة التي استخدمت في الأيام التي سبقت الضربة على روسيا بقدر ما ركزت عن سورية نفسها -إن لم يكن أكثر- وهو ما أبرز مخاطر الانزلاق إلى دوامة ربما تفضي إلى مواجهة أكثر خطورة بين الخصمين السابقين في الحرب الباردة.
وقبل ساعات من بدء الضربات، شاركت نيكي ر. هالي، السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، في حوار قاسٍ مع نظيرها الروسي في اجتماع الجمعة لمجلس الأمن.
وفي الاجتماع، اتهم السفير الروسي، فاسيلي أ. نيبينزيا، الولايات المتحدة وحلفاءها باستخدام اللغة الحربية المتهورة. وقال السيد نيبزينيا إنه لا يوجد أي دليل مؤكد على استخدام الأسلحة الكيميائية في دوما، وإن الولايات المتحدة وحلفاءها “أثبتوا أنها ليست لديهم أي مصلحة أو اهتمام بإجراء تحقيق”.
وقال السيد نيبينزيا إن تهديدات الرئيس ترامب بضرب قوات الرئيس الأسد “لا يجدر أن تصدر عن عضو دائم في مجلس الأمن”.
وفي المقابل، قالت السيدة هالي إنها لا تصدق دفاع السيد نيبنزيا عن الحكومة السورية وتصويره الشامل للأحداث. وقالت له: “أنا مصدومة من الكيفية التي تقول بها ما تقول بدون أن يرف لك جفن”.
ولكن، وعلى الرغم من كل ذلك، خيم طيف روسيا بقوة على المناقشات التي دارت في واشنطن حول كيفية المضي قدماً. وخلال مؤتمر عسكري أميركي عبر الفيديو، أعرب العديد من المسؤولين عن قلقهم إزاء رد الفعل الروسي المحتمل على ضربة تُشن ضد المنشآت السورية، خاصة في ضوء تهديد موسكو بإسقاط الصواريخ التي تستهدف تلك المنشآت.
وخلال المؤتمر، قال مسؤولون عسكريون إن من الضروري اتخاذ خطوات لحماية مدمرات البحرية الأميركية من هجمات روسية مضادة محتملة. لكن إمكانية التعرض لضربة عبر الإنترنت ظلت تخيم على الأفق -كطريقة يمكن أن تتفادى بها روسيا وإيران خوض مواجهة مباشرة مع الجيش الأميركي.
قبل أسابيع فقط، حددت وزارة الأمن الداخلي الأميركية روسيا باعتبارها مصدراً “لزرع” البرمجيات الخبيثة في الشبكة الكهربائية الأميركية، وأصدرت عينات من التعليمات البرمجية إلى المرافق المعنية لمساعدتها على تنظيف أنظمتها من الفيروسات. واتهم التحذير روسيا بتنفيذ سلسلة من الاختراقات ضد محطات الطاقة النووية الأميركية والأوروبية وأنظمة المياه والكهرباء، وهو ما فسره المحللون بأنه خطوة لاختبار قدرة موسكو.
ومن جهتها، ضربت إيران البنوك الأميركية بهجوم كبير لتعطيل الخدمة فيها منذ قرابة ستة أعوام، وحاولت -بلا نجاح يُذكر- التلاعب بسد للمياه في مقاطعة ويستتشستر في ولاية نيويورك. وتعد إيران من بين أكثر القوى متوسطة الحجم تطوراً في مجال استخدام الأسلحة السيبرانية، وهي مهارات استثمرها ذلك البلد بكثافة منذ أن قامت الولايات المتحدة وإسرائيل بشن هجوم بواسطة الإنترنت على مواقع تخصيبها النووية.
بينما كان بصدد إعداد الجيش لعملية الرد الانتقامي، حذر السيد ماتيس من احتمال وقوع هجوم مضاد تشنه سورية وروسيا وإيران بعد هجوم يشنه الغرب. وأكد مسؤولو وزارة الدفاع الحاجة إلى إبراز دليل مقنع للعالم على أن حكومة الرئيس الأسد شنت بالفعل هجوماً كيميائياً في دوما.
توجد قوات روسية وقوات من المرتزقة التابعة لها في سورية، كما توجد قوات وميليشيات إيرانية هناك أيضاً، والتي يمكن أن تنفذ عمليات انتقامية ضد آلاف الجنود الأميركيين الموجودين في سورية والعراق. وكان أفراد الولايات المتحدة في أربيل؛ المدينة الكردية في شمال العراق، يجهزون أنفسهم لاحتمال التعرض إلى هجوم إيراني يُشن على قواتهم هناك، وفقاً لمسؤول أميركي.
بعد أيام من التحذير من أن الرئيس ترامب يخطط لاتخاذ إجراء عسكري، نقلت سورية بعضاً من طائراتها إلى قاعدة عسكرية روسية على أمل ردع الأميركيين عن مهاجمتها هناك -وهو ما قد يؤدي في حال حدوثه إلى استدراج أعمال عدائية بين قوتي الحرب الباردة. وقد حرص السيد ترامب على عدم استهداف تلك القاعدة يوم الجمعة، وتجنب إمكانية إصابة أهداف روسية، وإنما حافظ بذلك أيضاً على سلامة السلاح الجوي السوري.
وقال السيناتور ليندسي جراهام، الجمهوري من ولاية كارولينا الجنوبية، قبل ساعات من الضربة، إنه يشعر بالقلق من واقع الحذر الشديد الذي تتوخاه القيادة العسكرية الأميركية. وقال في حديث لإذاعة فوكس نيوز: “إنني قلق مما إذا كان لدينا الجنرالات المناسبون أم لا”.
وأضاف: “إذا كان قادتنا العسكريون يستمعون إلى بوتين، ثم نتراجع لأن بوتين يهدد بالانتقام، فإن هذه كارثة علينا في جميع أنحاء العالم. لا يمكنك أن تدع دكتاتوراً يخبرك بما يجب عمله إزاء دكتاتور آخر قام بعبور اثنين من الخطوط الحمراء”.
الغد
المصدر
جيرون