on
بوتين يعرف سرّ السلاح الرئيسي لترامب
الصورة: Jaap Arriens/ZUMA/Global Look Press
أثارت تصريحات ترامب الأخيرة اضطرابًا قويًا لدى الكثيرين، وارتفعت أعلى أصواتُ أولئك الذين يدعون إلى منع رئيس الولايات المتحدة الأميركية من إمكانية التغريد على (تويتر). وهذا بالطبع، أمرٌ أكثر من غير معقول، فلدى الرئيس الأميركي الكثير من الوسائل لمتابعة صراعه في سبيل السلطة.
كتب رئيس الولايات المتحدة الأميركية: “إن على روسيا الاستعداد لضربةٍ في سورية بصواريخ أميركية”، وفي صباح اليوم التالي؛ تراجع خطوةً إلى الوراء: “لم أقل البتة، متى ستكون الضربة على سورية، ربما تحدث سريعًا أو ليس بسرعة! في كل الأحوال، أنجزت الولايات المتحدة الأميركية، تحت قيادتي، عملًا ضخمًا للتخلص من تنظيم (داعش)، ولم نسمع كلمة شكرٍ على ذلك؟”.
الخطوة التي خطاها دونالد ترامب إلى الوراء في الأزمة السورية، جعلت المتخوفين، ومن تصنعوا التخوف، يتنفسون الصعداء. غير أن الدعوات إلى “سحب الهواتف الذكية من ترامب، كي لا يتمكن من الكتابة على (تويتر)”، غير عقلانية على الإطلاق؛ إذ يجب أن نعلم أن الرئيس الأميركي محرومٌ أصلًا من معظم الإمكانات العادية التي كانت لدى أسلافه؛ فهو محاصرٌ، و(تويتر) بالنسبة إليه هو السلاح الوحيد عمليًا للدفاع والهجوم. وهنا، ترامب لا يناضل ضد بوتين، بل ضد النُخَب الأميركية والقنوات التلفزيونية والصحافة. أما بوتين، فعلى العكس، فهو بالنسبة إلى ترامب ليس الشخص الذي يود التحدث إليه وحسب، بل من يريد أن يُقارَن به أيضًا.
وبالفعل، يريد ترامب أن ينظَر إليه كرجلٍ صلب كما ينظَر إلى بوتين، أي أنه من المهم -بالنسبة إلى رئيس الولايات المتحدة الأميركية- أن يكون له في المجتمع الدولي سمعة، كتلك التي يحظى بها بوتين.
ونتيجة خلط كل هذه الدوافع؛ يصبح لدينا ما نحن عليه: وضع دولي عاصف، يتفاعل معه بأفضل صورة الشخصُ الذي يراه ترامب مثالًا، ألا وهو فلاديمير بوتين. يوم الأربعاء الماضي، في حين كان الكثيرون من خبراء الشأن الأميركي يناقشون بكل جدية “جنون ترامب”، و”الاحتمال الكبير لتوجيه ضربةٍ بالقوات السورية”، بقي بوتين صامتًا؛ لأن القائد العام للقوات المسلحة يدرك تمامًا ما الذي يحرّك ترامب!
لم يكن من قبيل الصدفة، أن تكون أولى كلمات بوتين لترامب، التي قالها في أثناء لقائهما أول مرة، وكانت في صيغة سؤالٍ مازح: “أهؤلاء يهينونك!” مشيرًا بإصبعه إلى الصحفيين الذي كانوا يوجهون أسئلتهم لترامب صارخين في وجهه. وكان بوتين يريد حينئذ أن يقول لنظيره الأميركي الذي تعرف عليه للتو: إنني أفهم الظروف التي تعيشها.
حدث هذا المشهد، بداية تموز/ يوليو من العام الماضي في هامبورغ، ولم يكن قد مضى على استلام ترامب منصبه أكثر من نصف عام. والآن، بعد 9 أشهرٍ على حادثة هامبورغ، أمضى الرئيس الأميركي قرابة ثلث فترته الرئاسية، وما يزال يتلقى الهجمات من كل جانب بكافة الأسلحة. ولم تأته هذه الهجمات من روسيا أو الصين، بل من داخل بلاده نفسها. فجزءٌ من النخبة الأميركية الداعية للعولمة، التي يطلقون عليها “مستنقع واشنطن”، والتي يهيمن عليها الإعلام الأميركي بدرجةٍ كبيرة، وضعت نصب عينها جعل ترامب رئيسًا غير مؤهل، وتحاول إعاقة كل مخططاته -سواء أكانت داخل الولايات المتحدة أم خارجها على الساحة الدولية- عبر التشكيك بشرعيته باللجوء إلى اتهاماتٍ مختلقة لا أساس لها في قضية “علاقاته الروسية”.
وبالنتيجة؛ يسمع ترامب كل يومٍ تقريبًا نبأً رئيسيًا واحدًا. كم هو غبي وكيف أنه لا يستطيع إدارة أميركا! ولهذا أصبح يرى حليفًا موثوقًا واحدًا، في صراعه المستمر مع الحملة الرامية إلى نزع شرعيته: حسابه على (تويتر). إنها رسائله النصية التي يعبّر بها عن وجهات نظره حول ما يجري. فلديه 500 مليون متابع لما يكتب مباشرةً، ويعرف مليارات البشر مواقفَه، من خلال وسائل الإعلام الأميركية العالمية، التي لا تستطيع إلا أن تقتبس عن رئيس الولايات المتحدة الأميركية.
فهل من أجل تحقيق مثل هذه الأهداف، يستخدم ترامب حسابه على (تويتر)؟ بالتأكيد، لفضح هذه الحملة المعادية لترامب التي تشن عليه من قبل خصومه. يجب أن ندرك أنه طوال فترة حكم ترامب، كان الموضوع الأول لوسائل الإعلام في الولايات المتحدة الأميركية هو موضوع التحقيق في “علاقاته الروسية”، مع كل ما يرافق الموضوع من مسائل.
على سبيل المثال، كان النقاش يدور خلال الأسابيع القليلة الماضية حول نجمة “البورنو”، التي كان لها يومًا ما علاقةً مع ترامب، وكيف يمكن تقويض سمعة الرئيس الحالي. والأهم من ذلك أن أحدًا لم يقم بتوضيح لماذا يجب أن يقلق هذا الأمر 300 مليون أميركي. والجمهور الأميركي يُقحم في هذه الأمور قسرًا، سواء بهدف تلطيخ سمعة ترامب، أو بإبعاده عن بحث المسائل التي اقترح حلها: إصلاحات قوانين الهجرة، إصلاح النظام الصحي وغيرها.
يمكن لترامب الرد فقط عبر تفجير الوضع، بتحويل الاهتمام نحو مشكلات سياسية خارجية، سواء أكانت المشكلة الكورية المتواصلة منذ أكثر من عام، أم العلاقات مع روسيا التي يجب تحسينها. وبالفعل، طوال فترة وجوده في سدة الرئاسة (أكثر من عامٍ ونصف العام)، دعا ترامب بإصرارٍ، إلى تحسين العلاقات بين الدولتين، أي “التفاهم مع بوتين”. وعندما منعوه من ذلك، عن طريق تضخيم قضية “التدخل الروسي”؛ كتب ترامب بصدق إنهم لا يسمحون له بتحسين العلاقات بين الدولتين.
فلماذا إذن غيّر ترامب لهجته في الأيام الأخيرة؟ ولماذا صرّح، قبل شهرٍ عن نيته بسحب القوات الأميركية من سورية، وفي خضم استعداداته لأول لقاء كامل مع الرئيس بوتين، ليقوم فجأةً بطرد جماعي للدبلوماسيين الروس، بسبب “قضية سكريبال”، وليتّهم بعدها بوتين بدعم “الأسد الحيوان”، ويهدد بضربةٍ صاروخية ضد سورية؟ فماذا جرى؟
ببساطة، يريد ترامب التخلص من التحقيق الذي تقوم به (لجنة مولر) في قضية الأثر الروسي، وهو مستعد في سبيل هذا أن يقدّم قرابين على مذبح (روسيا-فوبيا)، أي استعراض صلابته في مجال التصدي للتهديد الروسي. وهذا ما يحتاج إليه لإجبار خصومه على إنهاء عمل التحقيق الذي يبحث في قضيةٍ لا وجود لها: “الأثر الروسي”. والكل يعرف أنه لا وجود لهذا الأثر، ومع ذلك أثيرت حوله هستيريا لم يتمكن من إخمادها. وطالما بقيت (لجنة مولر) تعمل، فلن يكون بمقدور ترامب أن يصبح رئيسًا كاملًا.
يوم الإثنين الماضي، وجّه المحققون صفعةً جديدة لترامب: تفتيش مكتب محاميه. ويحاولون استفزاز الرئيس الأميركي ليقوم بخطواتٍ جوابية، على سبيل المثال، أن يقوم بصرف المحقق مولر، ليدعو بعدها أنه كان على وشك أن يدين ترامب، وليتهموه بخرق القانون وبدء إجراءات عزله. إنه مخطط مدروس، ولكن يجب أن نفهم، أن مثل هذه المحاكمات تؤثر في الرأي العام، وفي مزاج الإدارة الأميركية. ومن ناحية أُخرى، جاءت تغييرات الكوادر الأخيرة في واشنطن مرتبطةً بتعقيدات العمل تحت الحصار؛ فالقليلون قادرون ومستعدون للعمل ضمن “حكومة محدودة الصلاحيات”، كالتي نشهدها في حالة إدارة ترامب الحالية.
ولهذا، عندما يضرب ترامب بصواعقه تجاه “الرجل- الصاروخي كيم” أو “الأسد الحيوان”، وعندما يهدد بتوجيه ضرباتٍ إلى كوريا الشمالية أو سورية؛ فإنه في واقع الأمر يحارب بالدرجة الأولى “وسائل الإعلام الأميركي المزيفة”. فهو بحاجةٍ إلى تغيير برنامجهم اليومي الذي يشكلونه، ليس انطلاقًا من أحداثٍ حقيقية، بل على أساس برنامج أهدافٍ موضوعةٍ أمامهم، لعزل ترامب والإطاحة به. ترامب الذي أراد تغيير الكثير في الولايات المتحدة الأميركية وفي العالم، ولكن تبيّن أنه محاصرٌ في المكتب البيضاوي. وأصبح حسابه على (تويتر) هو سلاحه الرئيس في صراعه من أجل السلطة، التي فوضه بها الشعب الأميركي، ولكنها السلطة التي سلبها “مستنقع واشنطن” منه.
بالطبع، يتفحص ترامب إمكانات ضرب بعض الأهداف السورية العسكرية، ولكن فقط المواقع التي يضمن عدم وجود عسكريين روس فيها. وكانت تقف أمامَه عقبتان: الأولى يجب أن يكون متأكدًا 100 بالمئة أنه لا يوجد في تلك المواقع أي من المستشارين الروس، والثانية أن يكون متأكدًا أن يكون تقويم الضربة إيجابيًا داخل الولايات المتحدة نفسها، كمؤشر قوةٍ وصلابة تجاه روسيا. وإذا كان بالإمكان تذليل العقبة الأولى، لأن التواصل بين العسكريين الروس والأميركيين على أعلى مستوى؛ فإن المهمة الثانية غير قابلةٍ للتحقيق عمليًا.
سبق لوسائل الإعلام الأميركية أن حذرت ترامب من أن “ضربةً هزلية”، على غرار ضربة العام الماضي على قاعدة الشعيرات العسكرية السورية، لن تُحسَب له. وسيسمونها “اتفاقًا آخر مع بوتين”، وبدلًا من حصد النقاط الإيجابية لرئيس الولايات المتحدة الأميركية، فإنها ستحسب نقاطًا سلبية عليه. وإذا أخذنا بالاعتبار أن ترامب لم يأخذ على محمل الجد الدخول في مواجهةٍ مع روسيا في سورية، فيمكننا القول إنه لم يبق أمامه مخرجٌ في واقع الأمر. ولو أنّ ترامب “أجّل” الضربة؛ لكان ترك لنفسه إمكانية استمرار لعب الورقة السورية، ولما كان ألحق الضرر بعلاقته ببوتين.
من جانبه، يقوّم فلاديمير بوتين بشكلٍ صحيح اصطفاف القوى في معسكر خصمه الجيو سياسي الرئيسي؛ ولهذا فإنه لن يفتح حسابًا شخصيًا على (تويتر)، ولن يدخل في جدلٍ مع ترامب، حتى بعد أن غرّد الأخير بشأن “الصواريخ الجميلة”. السياسة الحقيقية ستُقرر إبّان لقاء الرئيسين، وليس في خضم حربٍ إعلاميةٍ، يخوضها قائد الولايات المتحدة الأميركية مع أولئك، الذين يكرهون سيد الكرملين، وكذلك ساكن البيت الأبيض.
اسم المقالة الرئيسية Путин знает тайну главного оружия Трампа كاتب المقالة بيتر آكوبوف مكان وتاريخ النشر صحيفة فزغلياد. 13.04.2018 رابط المقالة https://vz.ru/politics/2018/4/13/917400.html ترجمة سمير رمانسمير رمان
المصدر
جيرون