كادت أن تشعل صراعا بين البلدين.. صحيفة تكشف تفاصيل المعركة بين المرتزقة الروس وواشنطن بدير الزور



السورية نت - شادي السيد

فجأة وقع جنود القوات الخاصة الأمريكية في كمين الرعب، كانوا يتقدمون صوب الحشد الذي بدأ الهجوم في التاسعة مساء. هجوم شنه نحو 500 من قوات نظام بشار الأسد، بما في ذلك مرتزقة روس، وهدد بتأجيج التوترات بين واشنطن وموسكو.

بعد تمهيد بالصواريخ من الجو والبر لعدة ساعات، اقترب الجنود الأمريكيون من موقع المهاجمين، ليقعوا تحت النيران الكثيفة. كان قصف المدفعية شديداً لدرجة أنَّ أفراد القوات الخاصة الأميركية التجأوا إلى خنادق ليحتموا بها، ثم ظهروا من جديد مغطين بالأتربة والحطام ليطلقوا النيران على طابورٍ من الدبابات التي كانت تتقدم تجاههم تحت القصف المدفعي الشديد.

كان هذا هو مفتتح القتال في هجومٍ استمر نحو أربع ساعات في 7 فبراير/شباط الماضي، بحسب تفاصيل جمعتها صحيفة "نيويورك تايمز" عن المعركة، والتي قُتل فيها ما بين 200 و300 من المقاتلين المهاجمين، فيما تراجع الآخرون تحت غاراتٍ جوية شديدة شنتها الولايات المتحدة، ثم عادوا في وقتٍ لاحق لاستعادة قتلاهم.

ولم يصب أي من الأميركيين، البالغ عددهم 40 فرداً عند نهاية المعركة، بأذى في القاعدة الصغيرة شرقي سوريا.

وأضافت الصحيفة الأمريكية، في تقرير ترجمه موقع "عربي بوست" تفاصيل جمعتها من المقابلات الصحفية والوثائق التي حصلت عليها مؤخراً، والتي تقدم أول اعتراف فعلي وعلني يصدر عن البنتاغون بخصوص واحدة من أكثر المعارك الدموية، التي واجهها الجيش الأميركي في سوريا منذ نشره قواته لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية".

"صراع دموي"

وفي المقابلات الصحفية، قال مسؤولون عسكريون أميركيون إنَّهم شاهدوا بفزع مئات من القوات والمركبات وقطع المدفعية التابعة للعدو تتقدم تجاههم في الأسبوع الذي سبق الهجوم.

ولطالما كان القلق قائماً من احتمال تصادم القوات العسكرية الروسية والقوات الأميركية، إذ يعد خصما الحرب الباردة طرفين متعارضين في الحرب بسوريا.

وقال مسؤولون وخبراء إنَّه في أسوأ الاحتمالات، يمكن لهذا أن يؤدي إلى انزلاق البلدين في صراعٍ دموي. وفي أقلها سوءاً، فإنَّ التأهب الذي يحمله كل بلد تجاه الآخر في ساحة القتال المزدحمة زاد من التوترات بين روسيا والولايات المتحدة، إذ يسعى كل منهما إلى ممارسة نفوذه في الشرق الأوسط.

كان قادة الجيشين الأمريكي والروسي يتجنبون الاحتكاك ببعضهم البعض عن طريق التواصل عبر خطوط تفادي الصدام التي يكثر استخدامها.

وفي الأيام التي سبقت الهجوم، وعلى جانبي نهر الفرات، كانت روسيا والولايات المتحدة تدعمان هجماتٍ منفصلة ضد "تنظيم الدولة" في مدينة دير الزور الغنية بالنفط والواقعة على الحدود مع العراق.

وقد حذر المسؤولون العسكريون الأميركيون مراراً من تزايد أعداد القوات. لكنَّ المسؤولين العسكريين الروس قالوا إنَّه لا نفوذ لهم على القوات المتجمعة بالقرب من النهر، مع أنَّ أجهزة المراقبة الأميركية التي كانت تراقب موجات الراديو كشفت أنَّ أفراد هذه القوات البرية يتحدثون باللغة الروسية.

ووصفت الوثائق المقاتلين بأنَّهم "قوة مؤيدة للنظام" وموالية لبشار الأسد، وضمت بعض الجنود والميليشيات التابعة للنظام، لكنَّ مسؤولين عسكريين واستخباراتيين أميركيين قالوا إنَّ غالبية القوة كانت عبارة عن قوات روسية شبه عسكرية من المرتزقة، وعلى الأرجح جزء من مجموعة فاغنر، وهي شركة غالباً ما يستخدمها الكرملين لتنفيذ عمليات لا يرغب المسؤولون أن تكون ذات صلة بالحكومة الروسية.

وقال وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس أمام أعضاء مجلس الشيوخ في شهادة أدلى بها أبريل/نيسان الماضي: "لقد أكدت لنا القيادة العسكرية الروسية العليا في سوريا أنَّ المهاجمين ليسوا من شعبها". وأضاف أنَّه أمر الجنرال جوزيف دانفورد جونيور، رئيس هيئة الأركان المشتركة، "باستخدام القوة، ثم الإبادة". "وهو ما حدث".

" يوم المعركة"

كان فريق من حوالي 30 جندي من قوات "دلتا" و"رينجرز" من قيادة العمليات الخاصة المشتركة يعملون جنباً إلى جنب مع "قوات سوريا الديمقراطية" في موقع صغير بالقرب من محطة غاز كونوكو، بالقرب من مدينة دير الزور.

على بعد 20 ميلاً تقريباً، في قاعدة معروفة باسم موقع دعم المهمة، قام فريق من "القبعات الخضراء" وفصيلة من مشاة البحرية يحدقون في شاشات أجهزة الكمبيوتر، وهم يشاهدون ما تمدهم به الطائرات من دون طيار وينقلون المعلومات، حول تجمع المقاتلين، إلى الأمريكيين في محطة الغاز.

على الساعة 3 ظهرا، بدأت قوات النظام تتجه نحو مصنع كونوكو. وبحلول المساء، تجمع أكثر من 500 جندي و27 مركبة، ومنها الدبابات وناقلات الجنود المدرعة. وفي مركز العمليات الجوية الأمريكية في قاعدة العُديد الجوية في قطر، وفي البنتاغون، راقب ضباط عسكريون ومحللون استخباريون تفاصيل المشهد. وأطلع القادة الطيارين والطاقم الأرضي، وقال مسؤولون عسكريون إن الطائرات في المنطقة وُضعت في حالة تأهب.

وبالعودة إلى موقع دعم المهمة، كان فريق "القبعات الخضراء" ومشاة البحرية يُعدون قوة رد فعل صغيرة، حوالي 16 جنديًا في أربع مركبات مقاومة للألغام، في حالة الحاجة إليها في حقل كونوكو. وقاموا بتفتيش أسلحتهم وتأكدوا من أن الشاحنات كانت محملة بصواريخ مضادة للدبابات وبصريات حرارية وأغذية ومياه.

في الساعة الثامنة والنصف مساء، تحركت ثلاث دبابات روسية الصنع من طراز T-72 ومسلحة ببنادق من عيار 125 ملم داخل مصنع كونوكو بمسافة ميل تقريبا، لتستعد القبعات الخضراء لشن هجوم مضاد.

راقب الجنود الأميركيون، من نقطة المراقبة العسكرية، طابور الدبابات والمركبات المدرعة الأخرى تتجه نحوهم في حوالي الساعة العاشرة مساء، وهم يخرجون من حي حاولوا التجمع في بيوته من دون أن يكتشفهم أحد. وبعد نصف ساعة، ضرب المرتزقة الروس والقوات الموالية للنظام.

وتظهر الوثائق أن الموقع العسكري في حقل "كونوكو" أُصيب بخليط من نيران الدبابات والمدفعية الكبيرة وقذائف الهاون، وكان الهواء مليئًا بالغبار والشظايا. احتمى الكوماندوس الأمريكيون، ثم ركضوا وراء الحواجز الترابية لإطلاق صواريخ مضادة للدبابات وبنادق آلية على الرتل المتقدم للمركبات المدرعة.

في أول 15 دقيقة، اتصل المسؤولون العسكريون الأمريكيون بنظرائهم الروس وحثوهم على وقف الهجوم. عندما فشلوا في ذلك، أطلقت القوات الأمريكية طلقات تحذيرية على مجموعة من المركبات ومدافع الهاوتزر، ولكن لا تزال القوات في تقدم.

الطائرات الحربية ترد

وصلت الطائرات الحربية الأمريكية في أسراب، وكان منها طائرات من دون طيار وطائرات مقاتلة F-22 الشبح ومقاتلات F-15E وقاذفات B-52 وطائرات من طراز AC-130 وطائرات هليكوبتر من طراز AH-64  أباتشي. وخلال الساعات الثلاث التالية، قال مسؤولون أميركيون إن عشرات الغارات ضربت قوات العدو والدبابات والمركبات الأخرى، أطلقت قذائف صاروخية من الأرض.

مع اقتراب القبعات الخضراء ومشاة البحرية من مصنع كونوكو في حوالي الساعة 11:30 مساءً، ولكنهم أُجبروا على التوقف، إذ كان قصف المدفعية خطرا جدا، بحيث لا يمكن المرور عبره إلى أن أسكتت الغارات الجوية مدافع الهاوتزر والدبابات. في المصنع، أُعيق تقدم الكوماندوز بواسطة مدفعية المهاجمين وسيل النيران.

وقد أضاءت ومضات فوهات الدبابات والأسلحة المضادة للطائرات والمدافع الرشاشة ساحة الاشتباك رغم الظلام الدامس.

في الساعة الواحدة صباحا، ومع تناقص نيران المدفعية، اقترب فريق المارينز والقبعات الخضراء من مركز "كونوكو" الأمامي وبدأوا في إطلاق النار. وبحلول ذلك الوقت، عادت بعض الطائرات الحربية الأمريكية إلى القاعدة لقلة الوقود أو الذخيرة.

وبلغت أعداد القوات الأمريكية على الأرض، في هذه اللحظة، 40 تقريبا، استعدوا دفاعاتهم بينما غادر المرتزقة مركباتهم واتجهوا نحو المركز الأمامي سيرا على الأقدام.

قامت مجموعة من جنود المارينز بتعبئة مدافع رشاشة بالذخيرة وقاذفات صواريخ "جافلين" متناثرة على طول الحوائط الجيرية. وأخذ بعض جنود القبعات الخضراء ومشاة البحرية مواقعهم انطلاقا من الفتحات المكشوفة. وظل آخرون في شاحناتهم باستخدام مزيج من الشاشات الحرارية وأذرع التحكم للتحكم في رشاشات الأسلحة الثقيلة الملصقة على أسطحها.

وشغَل عدد قليل من قوات الكوماندوز، ومنهم وحدات التحكم القتالية التابعة للقوات الجوية، أجهزة الراديو لتوجيه أسطول القاذفات القادم نحو ميدان المعركة. وتعرض أحد أفراد مشاة البحرية على الأقل لنيران قادمة أثناء قيامه باستخدام حاسوب التوجيه الصاروخي للعثور على مواقع الأهداف وتمريرها إلى الكوماندوز المتصل بالغارات الجوية.

بعد ساعة، بدأ مقاتلو الخصم في التراجع وتوقفت القوات الأمريكية عن إطلاق النار. وشاهدت قوات الكوماندوز، من موقعهما، المرتزقة الروس والمقاتلين التابعين للنظام يجمعون قتلاهم. ولم يتضرر الفريق الصغير من القوات الأمريكية، وأُصيب أحد المقاتلين السوريين المتحالفين بجروح.

في البداية، قال المسؤولون الروس إن أربعة مواطنين روس، فقط، قُتلوا، ولكن ربما العشرات. ونقل ضابط بنظام الأسد أن حوالي 100 جندي للنظام قتلو. وقدرت الوثائق التي حصلت عليها صحيفة التايمز أن 200 إلى 300 من "القوة الموالية للنظام" قد قُتلوا.

وتشير نتائج المعركة، والكثير من آلياتها، إلى أن المرتزقة الروس وحلفاءهم أخطأوا التقدير في شن هجوم على موقع عسكري أمريكي.

تبقى الأسئلة حول هوية المرتزقة الروس، ولماذا هاجموا؟

ويقول مسؤولو الاستخبارات الأمريكية إن مجموعة "فاغنر" الروسية الخاصة موجودة في سوريا للاستيلاء على حقول النفط والغاز وحمايتها نيابة عن نظام الأسد، وأضافوا أن المرتزقة يكسبون حصة من عائدات الإنتاج من حقول النفط التي يستردونها.

اقرأ أيضا: النظام سيترأس مؤتمر نزع السلاح بجنيف.. ونداء للدول الأوروبية: لا تعيدوا الاعتبار للديكتاتور الأسد




المصدر