فنانو الثورة السورية.. والدور الضائع
6 سبتمبر، 2016
انحاز عدد من نجوم الدراما السورية وممثليها البارزين إلى الثورة منذ أيامها الأولى، حيث وجدوا أن الحلم الذي بشّروا به في نتاجهم الإبداعي في طريقه للتحقق، فكان عدد منهم في مقدمة المتظاهرين حداة وهاتفين للحرية التي طال انتظارها، وعندما أقلبت كانوا في مقدمة الجموع الثائرة المتعطشة للكرامة.
لم يتساهل نظام البراميل المتفجرة مع الكتاب والمخرجين والممثلين الذين أعلنوا موقفا مؤيدا للثورة، أو شاركوا في فعاليات ثورية، فهو يدرك تأثيرهم في الرأي العام، فاعتقل عددا منهم، وهدد آخرين بالتصفية، وسلّط شبيحته على البعض منهم، فاضطر أغلبهم إلى الهجرة -على كره منهم- إلى بلدان قريبة، قبل أن يحطوا رحالهم في المنافي البعيدة، كما فعل ملايين السوريين، ونيسهم في غربة طالت، على أمل بعودة إلى وطن بات اليوم ممزقا ومتشظيا ومحتلا، بعد سنوات من المذبحة التي يصعب على كل الفنون الإحاطة بها، حيث لم تشهد البشرية عمليات إبادة وتهجير كالذي حدث – ولا يزال- في سوريا.
يتذكر السوريون على الدوام الممثلين الأوائل الذين كانوا نجوما في الثورة، رغم المخاطر التي كانت تحيط بحياتهم، حيث قادوا مظاهرات في عدة مدن سورية محمولين على أكتاف شباب حلمه التغيير نحو الأفضل، ونقل البلاد إلى ضفة الحرية والديمقراطية، وإنهاء عقود الاستبداد.
ففي العاصمة دمشق، كان الفنانان فارس الحلو وجلال الطويل وسواهما في طليعة المظاهرات، كما كان الفنان نوار بلبل يقود مظاهرات مماثلة في مدينة حمص قبل أن تظهر الممثلة فدوى سليمان على رأس المظاهرات الحاشدة في مدينة خالد بن الوليد، معلنة وحدة السوريين واجتماعهم على حلم واحد بوطن واحد لا ظلم فيه ولا جبروت ولا تهميش ولا إقصاء.
تعرض العديد من الفنانين للاعتقال من قبل أجهزة النظام القمعية، ومنهم الفنان محمد آل رشي، والفنان محمد أوسو قبل أن يغادرا سوريا نتيجة التهديد بالتصفية من قبل هذه الاجهزة وشبيحتها، كما اضطر أغلب الممثلين المؤيدين للثورة لمغادرة بلادهم، وفي مقدمتهم جمال سليمان، يارا صبري، ماهر صليبي، نوار بلبل، فارس الحلو، جلال الطويل، فدوى سليمان، لويز عبد الكريم، عزة البحرة، المخرج مأمون البني وزوجته الفنانة واحة الراهب، المخرج هيثم حقي، الفنان ياسر العظمة، الفنان مكسيم خليل، الفنان عبد الحكيم قطيفان، وسامر المصري، جهاد عبدو، مي سكاف، كندا علوش، وعدد كبير من الفنانين الشباب الذين باتوا اليوم غرباء في بلاد اللجوء لانهم حلموا بوطن حر كريم.
ولا يزال الفنان زكي كورديلو، وابنه مهيار الذي كان طالباً في معهد الفنون المسرحية، والفنانة سمر كوكش، وفنانون آخرون مغيبين في معتقلات النظام منذ سنوات، مع عشرات آلاف المعتقلين الذين تظهر كل يوم جوانب من مآسيهم داخل سجون النظام. كما تعرضت الممثلة ليلى عوض لاعتقال دام نحو 15 شهراً، بسبب موقفها المؤيد للثورة.
أكثر من خمس سنوات على الثورة، ولم تتقدم جهات المعارضة المعنية، أو رجال الأعمال المؤيدين للثورة، خطوة واحدة اتجاه الاستفادة الفعلية من هؤلاء النجوم في أعمال تلفزيونية أو سينمائية أو مسرحية، توثق هذه الملحمة الثورية الفريدة، وتكون وقودا للثورة، ودافعا للشباب للاستمرار في الطريق الثوري إلى آخره، وعدم الاستسلام لليأس نتيجة تآمر العالم – كل العالم- على ثورة السوريين، وتركهم أمام مختلف آلات الفتك.
الثورة – ورغم مرور أكثر من خمس سنوات- لا تزال في الخطوة الأولى نحو التغيير الذي دفع السوريون ثمنا مؤلما من أجله، لذا آن الأوان لإيلاء الفنون ما تستحق، ومواجهة النتاج الفاسد لشركات النظام المنتجة التي تحاول تشويه السوريين، وتبرير كل هذا القمع ضدهم.
أُقيمت بعض النشاطات الفنية لفنانين معارضين في أكثر من عاصمة عربية في العامين الأولين من الثورة، ولكنها لم ترق إلى المستوى المأمول بسبب قلة الإمكانيات، وعدم إيلاء الفنون ما تستحق في العمل الثوري، حيث لا تزال النظرة القاصرة هي السائدة في مؤسسات المعارضة اتجاه قدرة الفن على تحشيد السوريين خلف خطاب وطني جامع.
ربما بات من الضرورة الوطنية في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ سوريا المعاصر أن يلعب فنانو الثورة أهم أدوارهم من خلال عمل فني سوري خالص يحاول جمع شتات وطن ممزق، وخاصة أن النظام يدفع في اتجاه تقسيم البلاد، وتهجير أهلها، وزرع المزيد من ألغام حقد تتوارثه الأجيال، لتفخيخ المستقبل، بعد أن قتل الراهن بسيوف الماضي الصدئة.
في مقابل هؤلاء الفنانين، يقف فنانون آخرون اختاروا البقاء إلى جانب النظام في تأكيد على أنهم كانوا صناعته، وأنه أعدهم ليوم كهذا، وأن المال والشهرة الفارغة هما ما يعنيهم من الفن، وليس شيئا آخر. وقد أسهموا خلال هذه السنوات بالدفاع عن القتلة، وتسويق رواياتهم الملفقة عن السوريين المطالبين بالحرية التي تعد إحدى أهم رسائل الفنون السامية.
لعب هؤلاء أقذر الأدوار، وكانوا (أبطالا) مزيفين في مساندة المجرمين الذين حولوا سوريا إلى بحيرات من دماء ودموع.
لا ريب أن ذاكرة الثورة ستحفظ أسماء الذين وقفوا مع حق السوريين في الحياة، وتُسقط أسماء اولئك الذين اصطفوا إلى جانب “مغول العصر” مهما علت أمواج نجوميتهم، وبدأوا بالتواري خلف جُدر عارهم، وصمتهم المخزي على قتل السوريين.
فشل السياسيون في تجسير هوّة تتسع بين السوريين عمل النظام سنوات على حفرها، وربما من الملحّ أن يُفسح بالمجال أمام فناني الثورة لمحاولات تجسير هذه الهوّة بخطاب وطني، قبل أن يمضي نظام البراميل بعيدا في خطوات تقسيم سوريا، حيث بات إفشال هذا المشروع الخبيث من الأولويات، ويجب أن يكون لدينا أسلحة قادرة على مواجهته: الفن والكلمة قبل البندقية.