‘“التعفيش” بين النظام وحلفائه: حرب إعلامية بالأسماء’

25 نوفمبر، 2016

المدن

بات واضحًا أن الصراع في سورية لا ينحصر بين النظام وقوات المعارضة، بل إن صراعًا داخليًا بين النظام وحلفائه يتنامى، ويتأجج من فترة الى أخرى على شكل حرب إعلامية، بلغت ذروتها أخيرًا بعد الخلافات الحادة حول “تقاسم الغنائم” في حلب بين الميليشيات المختلفة، وهو صراع ذو مستويين يتعلق الأول بالأفراد أنفسهم على صعيد المكاسب الشخصية ضمن الميليشيات، ويرتبط الثاني بالتنازع بين قيادات الميليشيات على مناطق نفوذها على الأرض مباشرة.

وفي أول تصعيد إعلامي من نوعه، هاجم مراسل قناة “الميادين” في سورية، رضا الباشا، عبر صفحته الشخصية في “فايسبوك” وفي لقاء إذاعي مع إذاعة محلية قبل أيام، قوات “الدفاع الوطني” و”اللجان الشعبية”، أي الميليشيات المحلية التي تتشكل من متطوعين سوريين، متهمًا إياها بالتعفيش في حلب، وهي الظاهرة التي باتت منتشرة بشكل مخيف في السنوات الأخيرة، في جميع المناطق التي شهدت اشتباكات عسكرية بين النظام والمعارضة، وتقوم فيها الميليشيات المحلية بسرقة بيوت المدنيين بالتعاون مع قوات الجيش والحواجز الأمنية المختلفة، كما تكررت الاتهامات بطريقة أقل حدة في صحيفة “الأخبار” اللبنانية.

وقال الباشا إن عمليات “التعفيش” (أو سرقة بيوت المهجرين) من قبل اللجان الشعبية بلغت حد القتل في الراموسة بحلب مثلًا، معتبرًا ان هذه التصرفات ليست فردية وأخطاء، بل هي عمليات إجرامية منظمة تلقى الرعاية من نافذين عسكريين، محددًا منها ميليشيات “صقور الصحراء” و”قوة الدرع الأمني العسكري” و”قوة العشائر” في منطقة منيان، إضافة إلى علي الشلي وهو شخص تابع للعقيد السوري سهيل الحسن، المعروف بـ”النمر”، وذلك في أول هجوم بالأسماء من قبل الإعلام الحليف على رموز النظام، في ما يبدو صراعًا داخليًا على الغنائم وتقاسم النفوذ على الأرض.

تصريح من هذا النوع ليس تصرفًا فرديًا أو اجتهادًا من قبل الباشا بكل تأكيد، بل هو نتيجة لسلسلة أوامر هرمية من قيادات أعلى، بحسب النظام المتبع في كافة مؤسسات الممانعة المختلفة، عسكرية كانت أم إعلامية، خصوصًا وأنها تصريحات ليست إيجابية بين الحلفاء.

ويبدو ان ازدياد النفوذ الإيراني في سورية بات مقلقًا للنظام السوري نفسه، الذي أعلن تشكيل ميليشيا جديدة من المتطوعين السوريين تحت اسم “الفيلق الخامس”، كطريقة لوضع حد للميليشات الإيرانية من جهة ولقوات الدفاع الوطني واللجان الشعبية من جهة ثانية، وهي صراعات يمتد أثرها للمدى البعيد، مع تأسيس الميليشات المحلية والأجنبية قواعد راسخة على الأرض، بحيث تفرض ما تريد -بقوة السلاح- عبر علاقات مافياوية مع ضباط أمنيين كبار في جيش النظام.

ومن المنطقي هنا، أن يتمدد الصراع الحالي نحو افتراض حدوث صراع إيراني – روسي في المستقبل القريب حول تقاسم مناطق النفوذ المحلي في سورية أيضًا، مع اضمحلال كامل لدور النظام السوري الذي يشكل في هذه المعادلة مجرد واجهة كرتونية، مهمتها توجيه الخطاب الإعلامي والدعائي للمدنيين السوريين.

في هذا السياق، وبعد أسبوع على العرض العسكري لحزب الله في القصير، أتى الرد السوري عبر وكالة أنباء النظام “سانا” التي أوردت خبرًا عن “إلقاء القبض على شاحنة محملة بالحشيش المخدر في القصير قادمة من الحدود اللبنانية”. ويعكس الخبر رغبة في إثبات وجود النظام في القصير وإلقاء الاتهام بشكل مبطن على حزب الله بأنه يسهل عمليات التهريب الخطيرة بين سورية ولبنان.

ويمكن تلمس الحرب الإعلامية بشكل واضح من متابعة المراسلين الميدانيين التابعين للنظام. فعلى سبيل المثال، فإن المراسل الموالي إياد الحسين، المشهور بعلاقته المقربة من سهيل الحسن والمرافق الأول لميليشيا “صقور الصحراء”، هاجم رضا الباشا، متهمًا إياه بالعمالة لجهات خارجية، مع إشارات إلى عمليات تعفيش تقوم بها الميليشيات الإيرانية واللبنانية في حلب. ورغم أن الحسين حذف التصريحات لاحقًا، إلا أنها بقيت متداولة في الصفحات الموالية.

إثر هذا الضخ الإعلامي الإيراني، اضطر الإعلام السوري الموالي إلى الاعتراف بواقع ظاهرة التعفيش، التي بقي ينكرها لشهور أو يلقي بمسؤوليتها على فصائل المعارضة، ففتحت الملف قناة “سما” شبه الرسمية وصحيفة “الوطن” أيضًا، وكانت لافتة هنا تصريحات كثيرة لمسؤولين حكوميين تطالب بمحاكمة السارقين حتى لو كانوا أفرادًا في الجيش النظامي وقوات الدفاع الوطني، وهو تكرار لأسلوب امتصاص الصدمات وغضب الشارع المحلي، الذي يمارسه إعلام النظام بإلقاء الشعارات والوعود من دون تحقيقها فعلًا.

والحال إن موضوع التعفيش كان مطروحًا في الإعلام السوري الرسمي والموالي، بشكل مكثف منذ أواخر آب/أغسطس الماضي، من دون الإشارة إلى هوية ممارسي التعفيش والذين يتراوح وصفهم بين “متنكرين في زي الجيِش” أو “زعران لا يمتون للجيش بصلة”. ولا تنبع تلك التغطيات “الجريئة” من واقع اهتمام إعلامي بالشارع السوري أو الدفاع عن حقوق المدنيين بطبيعة الحال، بل هي “واجب وطني” من أجل وقف الإساءة لصورة جيش النظام من قبل “المسيئين”، ليتوسع ذلك الخطاب عبر انتقادات إعلامية علنية لعضو مجلس الشعب ورئيس غرفة صناعة حلب، فارس الشهابي، منتصف الشهر الجاري.

الدفاع عن صورة الجيش استمر بطبيعة الحال في الصفحات المؤيدة التي تتناقل مقطعًا “مسرحيًا” لإلقاء القبض على عصابة التعفيش في حلب، وتظهر التعليقات سخرية من الموالين للنظام على مستوى الكذب الفاضح في المقطع، بالتوازي مع غضب عام يعبر عنه الموالون للنظام السوري في الداخل إزاء النفوذ الذي تتمتع به الميليشيات في ظل إحباط نفسي من واقع فوضى السلاح وغياب كامل للأمن الذي يتشدق به النظام في مواده الدعائية وقنواته الرسمية.

في السابق كان خفيًا الصراع بين الجيش السوري والميليشات المحلية من جهة، وبين الميليشيات الأجنبية الحليفة معه من جهة ثانية. وكان يتم التعبير عنه إعلاميًا بطرق ملتوية، فأظهرت البرامج والتقارير الميدانية في وسائل الإعلام الرسمية، انتصارات النظام على أنها نتيجة جهود الجيش السوري حصرًا من دون أي ذكر للقوات الحليفة وتحديدًا “حزب الله” والحرس الثوري الإيراني (معركة التلال الذهبية، مطار الثعلة العسكري،..)، في مقابل محاولة فرقة الإعلام الحربي المركزي التابع لـ “حزب الله” إعطاء الأفضلية لتلك الميليشيات على حساب الجيش السوري (الزبداني،..).

وفي شهر حزيران/ يونيو الماضي تناقلت وسائل الإعلام المحايدة أنباء عن اشتباكات بين عناصر من الجيش السوري وعناصر من “حزب الله” في حلب، لكن الخبر لم يلق صدى واسعًا لدى إعلام الممانعة، رغم أهميته، وتم التعتيم عليه حينها ولم يلق زخمًا كبيرًا في الإعلام ومواقع التواصل، وانتشر عبر مصادر المعارضة بشكل أقرب للشائعات. في حين أشعلت الهزائم التي ألمّت بالنظام وحلفائه في بداية معركة حلب، في شهر آب/ أغسطس الماضي، حرب تصريحات متشنجة بين النظام وحلفائه حول هوية المتسبب في الخسائر حينها.

(*) كاتب سوري

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]