‘الغوطة الشرقية: مدنيون يتلمسون الحياة وخشية جديدة من انفجار شريان الدم ..’

11 سبتمبر، 2015

سعاد خبية: ميكروسيريا

تحارُ – أم العبد –  وهي سيدة في منتصف العقد الثالث من عمرها من مدينة دوما مع زوجها ماذا يفعلوا وأين يمكن لهم أن ينزحوا بعد ماتردد  بين المدنيين في المدينة من إمكانية استئناف المجازر المروعة التي ارتكبتها طائرات النظام الحربية بحقهم  قبل أيام فقط يتزامن ذلك  مع الإعلان مجددا عن فتح جبهات جديدة وبدء معارك أخرى في الغوطة الشرقية المحاصرة ولم يتم الإعلان بعد عن انتهاء المعارك السابقة التي أعلن عنها قبل مايقرب من الشهر وكانت تهدف كما جاء في الإعلان حينها لتحرير-  إدارة المركبات العامة في مدينة حرستا – وهو مالم يتحقق حتى الآن ولم يُعرف أين وصلت تلك المعارك وهل حققت أهدافها مع ماتكبدته الغوطة على إثرها من خسائر فادحة  في الأرواح والبنى التحية والأبنية والأسواق وراح ضحيتها ما يقرب من 700 شخص خلال بضعة أيام فقط كما تسببت بإصابة الآلاف في عموم الغوطة الشرقية كان لمدينة دوما حصة الأسد منها في فاتورة الدم والدمار تلك .

الحظ فقط كان هو المنجي ..

هي بضعة أيام فقط منذ وجدت  – أم العبد – وعائلتها وهي واحدة من آلاف الأسر المنكوبة في هذه المنطقة سقفا يؤويهم في أحد الأحياء العشوائية الفقيرة في مدينة دوما بعد دمار منزلهم بشكل كامل جراء القصف خلال الحملة العسكرية الأخيرة الشهر الفائت ، حتى طلب منها ومن غيرها من سكان الحي مغادرته نظرا لخطورة البقاء فيه مع بدء المعارك الجديدة فأين يذهبون ؟ كان سؤالا يوجعهم ،  وقد كُتبت لهم النجاة صدفةً فيما قبل عندما غادروا منزلهم السابق قبل دقائق فقط من استهداف البناء كاملا بأحد الصواريخ الموجهة ،  وكانوا في طريقهم لتأمين بعض الطعام والاطمئنان على أقارب لهم بعد منعٍ للتجوال واختباءٍ في قبو البناء دام لأكثر من خمسة عشرة يوما جراء الغارات الجوية .

 هو حظهم فقط من  أنقذهم  من موت محقق في حين قتل تحت ركام ذات البناء المؤلف من ثلاث طبقات عدد من الجيران ممن كانوا معهم قبل لحظات فقط ، فاقتصرت خسارة هذه العائلة على البيت بكل مافيه ليبقى لهم الشارع مأوىً وملاذاً لهم ، كانت رؤية أشلاء جيرنهم صاعقة عاشوها – كما تقول المرأة – لاتكاد تبرح مخيلة أطفالها الثلاثة  ، ومنذ ذلك الحين والعائلة تحاول البحث عن مآمن وملاذ دون جدوى مع تدمير ممنهج لعموم الأبنية وصل لأكثر من 70% من منازل المدينة حتى بات المئات من الأهالي دون مآوى ، و بات حلم الخروج من الغوطة المحاصرة والبحث عن حياة خارج دائرة الموت والإبادة المغلقة تلك كما تصفها السيدة حلما لهم .

أين المفر ..

 رسمت المرأة ملامح مشهد قاس يتقاسمه المدنيون في الغوطة ممن يتعرضون لحرب الإبادة تلك  ” حاولنا كل ما نستطيع أن نحمي أطفالنا دون جدوى الكل يحاصرنا ويطلب منا الصبر ولانرى أمامنا سوى تقبل قتلنا بصمت وهدوء ،النظام يغلق علينا من الخارج ويقصفنا بكل مالديه من سلاح ويمارس علينا الإبادة الجماعية بشكل علني والكل صامت على فعلته ،بينما من يتولى الأمور في الداخل بقوة السلاح لم يترك لنا نافذة أو بابا لإنقاذ أنفسنا وقد اتخذ قراره  بمنع المدنيين من المغادرة لأي سبب كان وساهم في إغلاق المنافذ علينا أيضا  ، ” وتضيف ” حاولت تأمين طريق لإنقاذ أولادي الذين يعانون جميعا من عوارض عصبية حادة بسبب ما شاهدوه وعاشوه من مجازر لم أترك شيخا أو نفقا ولا حتى  الهلال الأحمر إلا وطلبت مساعدتهم في تأمين خروجنا من هذه المقتلة إلا أن للجميع شروطا ومعايير خاصة للسماح لاتنطبق على من يريد الخروج هربا من الموت المحقق  فقط ” تقتصرشروطهم غالبا على المرضى أصحاب الحالات المرضية الشديدة التي تحتاج إلى عمليات جراحية تحت إشراف الهلال الأحمر ،  أما الأنفاق والطرق الخاصة فوضعها حساس أثناء المعارك كما يقال لنا وتقتصر على الفصائل التي تملكها  ومن معهم فيما تغلق كليا أمامنا كمدنيين لاظهر لنا ”    .

البحث عن إجابات ..

تبدي  – أم العبد – الكثيرة من الغضب والخوف وتتسائل ” ما المغزى من منعنا من المغادرة إذا لم يتبقى لنا شيء نستر أنفسنا به  ولا نملك مانقدمه وندعم به أي جهة عسكرية أو مدنية   فزوجي لايستطيع العمل ولا المشاركة بالقتال أو أيٍ أعمال مجهدة أخرى بسبب ضعفه ومرضه الدائم جراء إصابة سابقة بعموده الفقري ولديَّ ثلاثة أطفال لا نعرف كيف نؤمن لهم ما يبقيهم أحياء فما الذي يجعلهم يمنعنون خروجنا ولماذا يغلق هذا النظام الفاجر أبواب البلد أمام المدنيين الذين لايملكون من أمرهم شيئا ؟ !” ، تعدد السيدة أسماء من فقدتهم من عائلتها  وأقاربها وجيرانها  خلال المجازر الأخيرة وجلهم من النساء والأطفال وكبار السن ممن كانوا يحاولون البحث عن ملجأ آمن فاصطادهم القاتل دون اكتراث ” نزحت أختي مع أولادها وأحفادها  إلى قرية قريبة بسبب الغارات الجوية والقصف العشوائي واستقروا في بيت طيني داخل إحدى المزارع بعد أن قُصف بناءٌ مجاور لبيتهم داخل دوما ، ماأدى إلى تصدع بناءهم ، فدفعهم الخوف والبحث عن ملاذ آمن للخروج فلاحقتهم الطائرات واستهدفتهم إحدى غاراتها ومات منهم من مات ” ، وتضيف كثير ممن لجؤوا للقرى والمناطق المجاورة لم يجدوا مآوى نظرا لعدد النازحين الكبير فا فترشوا الأرض العراء أو بقوا لأيام تحت الأشجار مهددين في كل لحظة دون أي مقومات للحياة  وكانوا أهدافا للقصف أيضا ، أما من وجد منهم مأوى فلم يجد الطعام والشراب فلا عمل ولا وارد ولا جهة داعمة تقدم لهم ما يسد الرمق مشيرة إلى أنها ومنذ أشهر لم تتلق أي معونات فما بالكم خلال الحملة العسكرية وقد ارتفعت فيها الأسعار لمستويات مرعبة  و  توقفت المساعدات  التي تقدمها المراكز الإغاثية كليا عن المحتاجين وهم أكثر من 90% من السكان .

خمسة عشر يوما  لم نغادر القبو الذي حوصرنا فيه مع تسع عائلات أخرى لاكهرباء داخله ولا ماء ولا صرف صحي والأهم لاطعام ولاماء للشرب أو النظافة ،من أين نأتي بالطعام ؟ ..تتسائل ..  ونحن لانتجرأ على الخروج وقد قصفت الأسواق ومات فيها من مات منا ، تتنهد أم العبد  وهي تتذكر أخيها وابنه اللذان قضيا في مجزرة ” ساحة الغنم ” وكانا يفترشان الرصيف لبيع بعض الخضار وتركا خلفهما عائلة من الجياع دون معيل  ، المؤن المدخرة في البيوت قليلة جدا ومعدومة في معظم البيوت وحين توجد لدى البعض فهي لاتكاد تكفي أياما ، فلا ثلاجات تحفظ الطعام ولا مال لشرائه وحفظه وتعيد تساؤلها ” شو بدنا نعمل ولوين بدنا ننزح ولمين بدنا نلتجأ ؟ ” .

مخلفات المجازر ..

أوضاع نفسية وعصبية متعَبة جدا يعيشها المحاصرون المستهدفون بالإبادة الجماعية  في عموم عموم مناطق الغوطة الشرقية فالعشرات من الغارات استهدفت مدينة حرستا وقتلت من قتلت من أبناءها وعشرات أخرى كانت من نصيب عربين وسقبا وحموريا وزبدين ومديرة وقرى المرج وغيرها من مناطق الغوطة وضعت المدنيين في أوضاع نفسية وصحية واجتماعية غاية في التأزم تعبر عنها – أم العبد بالقول  ” أولادي الثلاثة وأكبرهم في الحادية عشرة من عمره جميعهم مصابون بالسلس البولي اضطر لابقى مستيقظة بشكل متتابع ليلا لأوقظهم خشية أن يبولوا في الفراش فلاماء كاف للتنظيف ولا شمس في القبو المعتم لتجفيفها وقد تراجعت حالتهم أكثر بسبب ما تعرضوا له من رؤية الأشلاء والموت وأصوات القصف والخوف حتى باتوا يبولون وهم أيقاظ أيضا بينما ابني الصغير يبكي ويصرخ بشكل هستيري عندما يسمع صوت الطائرة ويبدأ بتحطيم كل شيء حوله دون إرادة أما زوجها فقد أصيب بتشنج عصبي دائم  ،فيما تلك الأم البائسة تعاني من نزيف دموي شبه مستمر، وتشير إلى أن أصوات الصواريخ لاتبرح أذنيها ” أجدني متوترة وعاجرة عن الحركة والقيام بأي عمل ، معظم الوقت وأنا أعيش مترقبة الموت لي ولأطفالي إن لم يكن بالقصف فالجوع يفي بالغرض ” .

تتسائل هل يرانا الناس ؟ وهل يشهدون قتلنا العلني ؟ مبدية دهشتها من كل هذا الصمت إزاء ما يتعرض له المدنيون المحاصرون وهو ما يدفعها للمطالبة بوقف القتل والقتال بكل أشكاله “الناس تعبت نحن متعبون ”  تضيف في نهاية اللقاء ” لماذا لايُخرجون المدنيين طالما يريدونها ساحة معركة دائمة ؟ سؤال ترميه دون أن تنتظر إجابة وتردف هل نحن سوى أرقام قتلى وأسماء مطلوبة فقط لجمع التبرعات ؟ ألا يفكر هؤلاء بالأطفال  والنساء ، أين نذهب ؟ .

متى تتغير استراتيجيات الفعل ؟ ..

أسئلة يطرحها العديد من المحاصرين الذين يُبدوّن تخوفا كبيرا حين تتخذ أي جهة مسلحة قرارا ببدء عمليات عسكرية جديدة أو الإعلان عن معارك ضمن هذه البقعة دون أن يكون هناك بحسب ما يبرر البعض  أي تغير في المشهد العام سياسيا أو عسكريا يضمن تحييد المدنيين أو توفير حماية لهم أو منع النظام من استهدافهم بالطائرات الحربية فلازال بشار الأسد وجيشه يتلقون الدعم الغير محدود والغطاء الوافر للقتل ولازال الإعلام والمجتمع الدولي والساسة يتعامون كليا عن مآسي هذه المنطقة ولازالت المطارات العسكرية تعمل بكامل طاقتها وقد دخلت طائرات حربية جديدة أكثر فتكا في القتل إلى منظومة سلاح الجو الأسدي ، كما دخلت روسيا وايران وحزب الله اللبناني بشكل مباشر وعلني على خطوط المعارك في الوقت الذي لم يحدث فيه أي تغيير منظور وجذري في طريقة إقرار المعارك وإداراتها وتحديد أهدافها من قبل فصائل المعارضة العسكرية في الغوطة الشرقية أوفي إطار توحد الفصائل التي باتت خلافاتها تظهر بشكل علني تنافسها فج ويظهر عدائها وتضادها دون مواربة ودون وضع إستراتيجية عسكرية وسياسية واقعية لهم  تضمن تحقيق أهداف المعارك المعلنة  بحسب إمكاناتها الحقيقية وما تملكه من مساحة للتحرك وسلاح نوعي وغطاء سياسي ، كما لايزال واقع الحصار والجوع والفقر والعوز متجليا بأسوء صوره بين المدنيين الذين يشكلون عمق تلك اللوحة ،فكيف يمكن لمثل هؤلاء أن يخوضوا معارك لاتزال أهدافها العامة تتمحور حول الغنائم المادية وما يمكن أن يكسبه هذا الفصيل أو ذاك من تلك المعارك دون اكتراث بأرواح المدنيين ودون تأمين طرق آمنة لمن يرغب منهم بمغادرة مناطق القصف وساحات القتال حتى لاتكون قضية اعتبارهم رهائن ودروع بشرية قضية محققة بامتياز .

أخبار سوريا ميكرو سيريا