ذكرى صبرا وشاتيلا والفرجة على مثيلاتها في سورية
18 سبتمبر، 2017
صبرا – شاتيلا، تتسخ اللغة ونحن نذكر اغتصابكما بعد عقود، لنتهيأ كل يوم لمجزرة أخرى في لعبة ترويضنا بالموت. ماذا تعني اللغة والذكرى وأنت تشهد كل لحظة من وقتك موتَ الضحية، لتصبح بضخامتها متفوقة على كل المذابح التي تشهدها، وتقرأ عنها لتصبح المجزرة في الذكرى اسمًا مغدورًا، مع واقع القفز عن موت محتوم أمامك في جنازات مسرعة، بين مشيّعين لا وقت لديهم لمجالس العزاء، مثل وقت لملمة الجثث وعدها، ليصبح الشعب ربيب المجزرة، نحني أعناقنا لشهيد المذبحة اليومية ولأسير الحرية وجريح الكرامة وفقيدها، ولندقق بالصورة جيدًا لإزالة الفرق، بين مذبحتي الأمس واليوم.
وقفتُ في ندوة عن ذكرى صبرا وشاتيلا، لأسأل المُحاضر الفرنسي الذي عاد للتو من زيارة لبنان، وعرض صورَه مع شخصيات تتبع لـ “حزب الله” وصورًا له في متحف الحزب في الجنوب، وصورًا من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الذين لجؤوا إلى لبنان، سألته: ألم تثر مع الشخصيات اللبنانية الحديثَ عن مسؤولية هذا الحزب في قتل الآلاف وقد فاق عددهم ضحايا صبرا وشاتيلا؟ تحوّلت الصالة إلى مسرح من التشبيح ومحاولة الإخراس، أسئلة صعبة تلك التي وجهتها، حسب شبيحة “حملة التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني”.
أن تقفز عن جثث مبعثرة في كل مدينة وقرية حملت اسم مذبحتها، من درعا في الجنوب السوري إلى حلب شمالًا، لتعود إلى ثلاثة عقود ونصف، لتتذكر مذبحة كان سفاحها في الأمس القريب حليفَ الممانع، وحُرّاسها ذاتهم يحيطون سفاح الممانعة بعناية الشعارات النازفة، من قال إن المنتصر يكتب التاريخ! والمهزومون في أخلاقهم وإنسانيتهم يزورونه ويلطخونه بأبشع الشعارات، المذبوحون مُتّحدون في المجزرة في صبرا أو قبية أو حندرات واليرموك، موتهم واحد، الأحياء في كنف البساطير والسواطير مختلفون في طريقة تقبيل السكين واليد التي تجز الرقاب، لا نرى في القفز عن مجازر الأعوام الستة غير هذا الاختلاف المُعبّر عن اختلال جيني.
ما الفائدة من إيقاظ العقل في مناسبات واحتفالات تتحول إلى “لطميات” تاريخية، تلعن “سنسفيل” (المؤامرة والصهيونية والإمبريالية)، ثم تدعوه إلى غفوة تقفز بك إلى زمن آخر من الفجيعة المتحررة من شقيقاتها، زمن ينكر آلاف الضحايا والمجازر ويهلل لسفاحهم، أي “تعهير” هذا، حين يشكو أحدهم قلّة الوافدين إلى صالة الاحتفاء بذكرى ما، دون أن يُدرك أن سببها هو قفزه المستمر وغفوات ضميره عن فجائع شتى تطال شقيقه الإنسان، وفشله الأخلاقي قد فعل فعله في الانحدار. وعقلية التمسك بتلابيب السفاحين والجلادين هي التي عطلت كل المناسبات النبيلة والعظيمة.
إنه الفشل، ولا تسمية أخرى لهذا الذي يجري لمواسم المناسبات الوطنية، ومواسم إقامة العداء مع المحتل وإسقاطه العداوة من على الطاغية، لن يستقيم التاريخ مع لطخات التشويه لذاكرة الشعوب لقولبتها لتتماشى ومسار وخيارات هؤلاء الباحثين عن مبررات لكل هذا الانحدار الذي ضرب العقل، وأصابه بلوثة لا تعرف إلا الاختباء من مذابح اليوم، والفرجة عليها، فهناك مجازر ارتُكبت بأيدٍ غير صهيونية منذ ستة أعوام، ترتدي قفازات قومجية تنحر الضحايا وتلعلع منددة بأخرى.
مناسباتنا وتاريخنا لا يسطو عليها المحتل فحسب. يتقاسم السفاح معه عملية الطمس والإذابة، لهدف وسبب بسيط هو هاجس الإفلات من العقاب، إقامة الكثير من مواسم الاحتفاء ستبقى صبرا هي صبرا، وستبقى مجزرة حماة هي حماة، والغوطة ودير ياسين وداريا وكل قرية وحي حفظ صور الضحايا والمجرمين حتى لو تلوّنت الأسماء من الهاغانا إلى سرايا الدفاع، أو من البلماخ إلى الفرقة الرابعة، حتى لو كان اسمك الأسد أو أرئيل شارون، الانتماء لحمولة الجريمة واحد.
[sociallocker] [/sociallocker]نزار السهلي