أكذوبة انسحاب ميليشيات “حزب الله” من سورية
8 يناير، 2018
لم يلقَ السؤال الذي طرحته بعض المواقع الإعلامية اللبنانية، حول حقيقة اتّخاذ (حزب الله) قرار انسحابه من سورية، ذاك الاهتمام والمتابعة، على الأقل من أصحاب الشأن المنتظرين له والمهتمين بصدوره، ولم يتم البحث في مدى صدقية وجدّية هذه الخطوة، أكانت قد اتّخذت من أصله أم أنها مجرد فقاعات، للاستهلاك المحلي.
التأكيد على هذا القرار جاء فقط من مصادر سياسية قريبة من الضاحية الجنوبية لبيروت، أشارت إلى أن القرار اتّخذ على أعلى المستويات، ويقضي بسحب الحزب لعناصر ميليشياته من سورية والعراق، وأن التحضيرات اللوجستية والعسكرية قائمة على قدم وساق، من أجل التنفيذ العملي له، مع ترك الإعلان عن التوقيت المناسب لحسن نصر الله.
حسن نصر الله، زعيم الحزب، قال خلال مسيرة تضامن مع القدس، على خلفية قرار الرئيس الأميركي رونالد ترامب: إن “محور المقاومة يخرج من محنة السنوات الماضية منتصرًا قويًا صلبًا، وهو يكاد أن يُنهي معاركه في الإقليم، ويُلحق الهزيمة بالتكفيريين، وهو اليوم سيعود لتكون أولوية اهتماماته للقدس وفلسطين والمقاومة الفلسطينية”. ولكن الشيء الذي لم يتطرق إليه أو يفصح عنه هو أنه تجنب الخوض في تفاصيل عملية الانسحاب والتوقيت المتوقع لها، في محاولة منه للهروب إلى الأمام، من دون إلزام نفسه بوعد محدد وتوقيت معين، بانتظار ما ستحمله الأيام من مستجدات تسعفه في التملص مما ذهب إليه في قراره.
ذهبت المصادر في محاولة منها لتأكيد قرار الانسحاب إلى أكثر من إشارة روسية، أبرزها اثنتان: الأولى إعلان وزارة الدفاع الروسية منذ أشهر ثلاثة أن الوضع العملي في سورية شارف على الانتهاء، ولم يعد يستدعي كل هذا الوجود العسكري لروسيا وحلفائها، وأن سحب القوات المقاتلة سيتم تدريجيًا من الأراضي السورية. والثانية ما أوجزه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال زيارته إلى قاعدة حميميم العسكرية في سورية، بالقول: “المهمّة أنجِزت بعد الإجهاز على المجموعات الإرهابية، وبالتالي سأبدأ بسحب قواتي من سورية”. ورأت تلك المصادر أن هذا الإعلان بمثابة رسالة إلى جميع الميليشيات المسلحة التي استجلبت إلى الأراضي السورية، وأبرزها الحرس الثوري الإيراني و(حزب الله)، لإبلاغهم أن بقاءهم في سورية بات الآن لزوم ما لا يلزم، وتاليًا لا بدّ أن يبدؤوا بالانسحاب منها، للعودة إلى إيران ولبنان، كما رأت أن القرار قد اتخِذ وتم إبلاغه إلى المعنيين في إيران و(حزب الله) وباقي الميليشيات الشيعة الطائفية، للبدء في الإجراءات اللازمة لتنفيذه.
ما يُعزز فرضية أن خروج ميليشيا (حزب الله) اللبناني من سورية بات مسألة وقت لا أكثر -وإن كانت الترجيحات تتوقع أن يتم الانسحاب العتيد تدريجيًا من دون ضجيج إعلامي- هو أن هذه الميليشيات تواجه معضلة نقل سلاحها من سورية إلى لبنان، وهو السلاح الذي استقدمته من إيران، عبر نظام الأسد في دمشق ومن النظام نفسه.
على التوازي، يُكثّف المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة وفرنسا، الضغوط لتنفيذ القرارات الدولية التي تستهدف سلاح هذه الميليشيات، وأبرزها القراران 1701 و1559، وفي وقت تواصل فيه “إسرائيل” استهدافها لأي قوافل عسكرية تابعة للحرس الثوري الإيراني أو ميليشيات (حزب الله) في سورية، يدرس قادة هذه الميليشيات ونظام طهران الخيارات المتاحة أمامهما، للانسحاب بأقل الخسائر الممكنة، بعد أن انتفى وجودهما في ظل التواجد الدولي على الأراضي السورية، وذلك بحسب ما جاء على لسان الأمين العام السابق لـ (حزب الله) صبحي الطفيلي الذي قال: “بعد التدخل الأميركي والروسي في سورية، وهزيمة ما يُعرف بـ (المعارضة المسلّحة) في معظم مناطق نفوذها، انتفت الحاجة إلى وجود (حزب الله) هناك، كما أن الميليشيات الشيعية بات بإمكانها العودة إلى بلادها، بعد أن سلّمت الأمانة للأسياد الروس والأميركيين، وأصبح مقام السيدة زينب وقبر معاوية بن أبي سفيان في مأمنٍ من السبي، بضمانة اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لليهود، وبعد ذلك من الطبيعي أن يعود مقاتلو الحزب من الدفاع المقدس في سورية عن “المقدس بشار”.
ثمة سؤال يبرز مجددًا، مفاده: هل المعضلة في انسحاب العناصر أم في سحب السلاح، ولا سيما الثقيل منه؟ وفي هذا الصدد، تُشير المصادر إلى أن من الصعب أن يتم تسليم السلاح إلى الجيش السوري الجديد الذي سينشأ بعد انتهاء الحرب، لأكثر من اعتبار، أهمها أن (حزب الله) يضع حاليًا تحت المجهر احتمال تخزين سلاحه في منطقة الطفيل اللبنانية الواقعة داخل الأراضي السورية، والتي عاد أهلها إليها منذ أيام معدودة بعد أن هجّرتهم المعارك، وبعد وقوع هذه البقعة الجغرافية تحت سيطرة (حزب الله)، خصوصًا أن معظم العائدين كانوا يرفعون أعلام الحزب، فهل ترتفع أصوات أهالي الطفيل نفسها محذّرة من استخدام البلدة وسكّانها دروعًا بشرية في المواجهة، بين الحزب من جهة والمجتمع الدولي وتل أبيب من جهة ثانية؟.
بموازاة ذلك، وحول وجود بوادر تلوح في الأفق تتعلق بانسحاب ميليشيات (حزب الله) والقوات الروسية من الأراضي السورية، نجد أن كل ما يُشاع ويُنشر هو مجرد رسائل وهمية، لا أساس لها على أرض الواقع، وأن ما رُوّج له عار عن الصحة، والدليل رفض ميليشيات نصر الله السماح للسوريين من أبناء المناطق التي سيطرت عليها، بالعودة إلى بيوتهم وأرزاقهم، حتى لمن تجاوز سن الخمسين من العمر رجالًا ونساء، والأكثر من ذلك، منع حتى من يُعرفون أو يُسمّون بـ “المؤيدين” للنظام الأسدي بالعودة إلى بيوتهم، في منطقة القصير الواقعة تحت سيطرة تلك الميليشيات، باستثناء بعض العائلات المسيحية التي سُمح لها بالعودة إلى بيوتها، في منطقة القصير فقط، ناهيكم عن تعزيز تواجدها في بلدة قارة، وغياب أي مظاهر تشير إلى أي عملية انسحاب تزمع تلك الميليشيات القيام بها قريبًا.
ما يعزز القناعة بعدم صدقية ما صرّح به نصر الله، وما روّجت له بعض المواقع الإعلامية، حول قرار انسحاب ميليشيات الحزب من سورية، هو التجارب السابقة التي أظهر هذا الحزب التزامه بها، وما إن لاحت الفرصة له حتى انقلب عليها وخرق بكل تعهداته، من القرار 1559 وأيضًا 1701 وصولًا إلى إعلان بعبدا لعام 2012، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، فقد توقعت مصادر سياسية وإعلامية لبنانية، من فريق 14 آذار مؤخرًا، أن يُبادر (حزب الله) إلى الانقلاب حتى على سياسة “النأي بالنفس” التي أعاد التأكيد عليها مجددًا مجلس الوزراء اللبناني، لا سيّما أن النأي بالنفس أمرٌ يُبحث في طهران وليس في لبنان، لذا يبقى ما أُعلن عنه حول الانسحاب من الأراضي السورية مجرد أكذوبة، بما أن الحزب قادر على إخفاء تورطه في سورية بطرق عديدة، ولن يُحشر في الزاوية ويضيق الخناق عليه، إلا وفق تفاهمات إقليمية ودولية، أو من خلال تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة 1559 و1701 لتقليم أظفار هذه الميليشيات، عبر نزع سلاحها وإجبارها على تنفيذ انسحابها من سورية عمليًا وليس إعلامًا، وبانتظار قادم الأيام، إما أن يظلّ ما أعلن عنه مجرد أكذوبة أو يُنفّذ القرار الذي روّجت له وسائل الإعلام.
غياث كنعو
[sociallocker]
جيرون