أين الحل السياسي في سورية؟

29 نوفمبر، 2015

ادم ملحم – المصدر

ماهي إلا ساعات قليلة أعقبت المباحثات الدولية في العاصمة النمساوية فيينا حول الحرب السورية، حتى كان على الجميع إعادة ترتيب أوراقه وفق قطار الحل الروسي، الذي بدا واضحاً أنه رسم الخطوط العريضة لاتفاق سياسي يلوح بالأفق، تعتمد مرتكزاته على تقسيم الجيوش إلى إرهابية “ضدنا” تحاربها جيوش العالم، ولاإرهابية نشترك معها في التفاوض على مرحلة انتقالية، لايبدو فيها مصير الأسد واضحاً إلا من قبيل تعهدات وضمانات روسية شخصية بعدم ترشحة لولاية رئاسية جديدة، ثم راحت الدول الفاعلة ترشح من السوريين من تراه مناسب لخوض غمار تلك الجولة التفاوضية، في سباق محموم لتقاسم الكعكة السورية وفق مصالح كل طرف.
بموازة ذلك كان على الهيئات السورية المعارضة والفصائل العسكرية، أن تنطلق بركب موجة الحل، في جولات مكوكية لإعادة ترتيب بيتها الداخلي، واتساق العسكري والسياسي لتشكيل قوى تفاوضية والدخول في هذا السباق المحموم، الذي يتنافس فيه الجميع على تمثيل السوريين اليوم، فيما بدا أنه قناعة باتت تتشكل لدى معظم المكونات السياسية والعسكرية السورية، بأن هذا التفاوض سيثمر في رسم نهاية الحرب في سورية، فهل حقاً باتت المعارضة السورية مؤمنة بحل سياسي يشترك الأسد في رسم جولاته؟ وهل حقاً مايشاهده السوريون من إعادة ترتيب المعارضة لأوراقها يندرج في هذا الإطار؟ سؤال بات يطرحه السوريون وهم يشاهدون كيف تنقلب المواقف على شاشات التلفزة، محابية الدول الفاعلة في الأزمة السورية، ويراقبون عن كثب المؤتمرات العريضة التي عقدت مؤخراً في كنف دول أخرى، وماانبثق عنها من أجسام وتيارات سياسية جديدة، رغم أن جميعها لاينفك يعلن أنه ليس بديلاً لأحد موجود، لكنه يحظى بتأييد قاعدة شعبية، وأن كانت غير واضحة المعالم وستعمل على التفاوض باسم من تمثل لتنال مصالحهم وحقوقهم.
بموازة ذلك استمرت المشكلات الداخلية بين أقطاب المعارضة طافيةعلى السطح، معلنة عن تأجيل مؤتمر الرياض المزمع عقده منتصف الشهر القادم، للخروج بجسم سياسي موحد للمعارضة السورية يستطيع مفاوضة النظام، وبدى واضحاً أن الصراع بات محموماً على ركوب القطار الروسي، وحجز تذاكر ولو كانت في العربات الدنيا، وبحسب العديد من الناشطين فإنه بات واضحاً أن المعارضة لم تتعلم من أخطائها خلال سنوات الحرب الدامية، وأن الانقسام والتشرذم مازل يطغى على خطابها وكأنها الى نقطة البداية، حين كان العالم يعلل بقاء الأسد بغياب البديل الحقيقي الفاعل على الأرض، وهو مالم تلتقطه المعارضة وتعمل على تغييره.
ولعل هذه الخلافات وغيرها لعبت دوراً بارزاً في تأجيل سقوط النظام، وإطالة آلام السوريين، لكن هل حقيقة أن النظام سيرحل في إطار تفاوضي؟ وأن الحل السياسي الذي ينادي به الجميع بات قاب قوسين او أدنى، سؤال سارع النظام إلى دحضه إذ لم تمض ساعات على إعلان البيان الختامي لمؤتمر فيينا، حتى كان الأسد يظهر في مقابلة تلقزيونية، معلناً ان المرحلة الانتقالية لايمكن ان تحدد بزمن، وأن محاربة الارهاب على النموذج الروسي هي الأولوية، ليعيد وزير خارجيته بعد أيام ماقاله الأسد بصورة أوضح، “مالم تستطع المعارضة اخذه بلغة السلاح لايمكن ان تاخذه في فيينا” في اشارة إلى أن النظام يصر على القتال حتى الرمق الأخير، وان اساليبه في الالتفات على الحلول السياسية التي طرحت منذ بداية الثورة ستستمر، في الوقت الذي ينشغل فيه المعارضون بعقد اجتماعات ولقاءات في العواصم العالمية، فيما يبدو ان النظام مازال يرتكز وضوحا على حلفائه الروس والإيرانيين، وأن حادثة إسقاط الطائرة الروسية صبت في مصلحته من حيث، تهديداتها المحتملة في نسف اتفاق فيينا.
فهل مايشاع عن الحل السياسي هو حل سياسي لأزمة المعارضة السورية، وإعطاء وقت مديد للأسد للإمعان أكثر في قتل السوريين، وهل يحتاج الحل السياسي إلى تقديم المزيد من الدماء السورية على طاولة التفاوض؟ أم أن مايشاع عن الحل السياسي لايعدو كونه تطبيق لنظرية الخراج المتعفن التي انتهجتها دول العالم في ثورات الربيع العربي، والقائمة على حل سياسي شكلي يزيح الملف السوري من الأجندة العالمية، ليبقى السوريون يموتون بصيغ وأشكال أخرى؟ فيما تحقق روسيا مكاسب حقيقية في اللعبة السورية تجلى أهمها في انتزاع الاعتراف الدولي بعملية سياسية يشترك فيها الأسد بصرف النظر عن مصيره، أو دوره وهو مايمثل ورقة توت جديدة قد تستمر روسيا في اللعب بها سنوات مديدة على حساب الدم السوري.

المصدر : الإتحاد برس