صدع في جدار الكرملين

عيسى الشعيبي

قد يكون قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2235، الخاص بالتحقق من هويات مرتكبي جريمة استخدام السلاح الكيماوي على الأراضي السورية، تمهيداً لمساءلة الجناة وتقديمهم للمحاكمة، هو أهم تطور سياسي على الإطلاق وقع في مجرى الأزمة، التي ازدادت تعقيداً ودموية، وخرجت عن السيطرة، وتحولت بعد نحو سنة من انفجارها إلى أزمة إقليمية دولية، على الرغم من ازدياد وزن العوامل المحلية فيها.
إذ تفوق أهمية هذا القرار الأممي، الذي أجازته روسيا -بعد أربع مرات استخدمت فيها حق النقض “الفيتو”، ضد أي مشروع قرار يتعلق بالأزمة السورية- أهمية كل التحركات والاتصالات والمبادرات الدبلوماسية المتزاحمة لإيجاد مخرج سياسي لهذه الأزمة، التي ما كان لها أن تتفاقم على هذا النحو لولا الدعم الذي قدمه الكرملين لنظام حكم دكتاتوري، أقنع حلفاءه بقدرته على هزيمة المؤامرة الكونية.
ومع أن هذا التحول الجزئي في موقف موسكو، لا يعد انعطافة في الموقف الروسي القائم على توظيف الأزمة السورية والاستثمار فيها بفظاظة، بما يخدم مصالح الدولة الكبرى الساعية لاسترداد مكانة الدولة العظمى السابقة، إلا أن هذا التحول الذي بدا كثمرة إيجابية لسلسلة طويلة من المفاوضات والتفاهمات الروسية الأميركية، ينطوي على انزياح ما باتجاه الاقتراب من موقف واشنطن القائم، بدوره، على حل ليس فيه مكان لبشار الأسد، الذي فقد شرعيته وسلطته على معظم الأراضي السورية.
وعليه، ليس من المجازفة القول إن الحقائق التي تبدلت على أرضية الأزمة السورية مؤخراً، بما في ذلك الانهيارات العسكرية المتلاحقة لقوات نظام بات يشكو علنا افتقاره للموارد البشرية، قد أدت إلى إجراء المراجعات اللازمة لدى موسكو، وأفضت إلى اعادة تقدير الموقف المكابر إزاء مستقبل حليف ناله التعب، وفقد زمام المبادأة الميدانية، ثم تحول إلى حصان خاسر، لا يمكن استمرار المراهنة عليه في مضمار سباق يبدو بلا نهاية مرئية.
وأحسب أن هذه المراجعة التي تمت بصمت وراء جدران الكرملين الشاهقة، انصبت على إعادة غربلة حسابات الموقف الخاطئ، وفحص أسباب هزال النتائج التي حققتها الدبلوماسية الروسية الخشنة، جراء دفاعها المستميت عن نظام حكم بات مستقبله وراءه، وصار عبئاً على حلفائه، وغدت إيران صاحبة الكلمة الأولى في حاضر هذا النظام ومستقبله، الأمر الذي أضعف حضور موسكو التقليدي في دمشق، وأضر بعلاقاتها مع عالم عربي أخذ يأنس في أعطافه قدرة على الفعل والمواجهة، إثر انطلاق “عاصفة الحزم” في اليمن.
هكذا، فإن هذا التحول الجزئي في موقف موسكو، المفضي إلى إنشاء آلية تحقيق دولية، هدفها تشخيص هوية الفاعل المجهول المعلوم، هو تحول من شأنه أن ينقل الدبلوماسية الروسية من دور الفاعل السلبي غير المنتج في الأزمة السورية، إلى دور اللاعب الإيجابي المثمر في تقرير مستقبل البلد، الذي بات ساحة مفتوحة لسائر اللاعبين من كل الأوزان، ناهيك عن تحقيق عوائد سياسية واقتصادية روسية، في منطقة قد تفقد فيها موسكو كل نفوذ، إذا بقيت متعلقة بأذيال نظام آيل للسقوط في أي لحظة.
إزاء ذلك، فإن قرار مجلس الأمن الدولي، يشكل الخطوة الأولى على مسار قد لا يكون طويلاً، لتكييف الوضع القانوني للقضية، وتشخيص هوية مرتكب جريمة الأسلحة الكيماوية، ومن ثم تقديمه للعدالة الدولية في نهاية المطاف. فيما سيؤدي هذا القرار، فوراً، إلى منع استخدام سلاح الكلور السام، مع وجود محققين دوليين طوال فترة سنة، الأمر الذي يمكن اعتباره تطوراً في صالح مدنيين سوريين عزل، يتعرضون لشتى أنواع القتل، بما في ذلك البراميل المقنبلة.
بكلام آخر، فإنه يمكن قراءة هذا التطور المفتوح على ممكنات جديدة، من بينها احتمال تخلي موسكو عن حليف يئست من قدرته على البقاء، على أنه اول صدع في جدار الكرملين، تضافرت على تحقيقه معطيات موضوعية غير قابلة للإنكار، في مقدمتها التحولات الميدانية الجارية تباعاً ضد آلة القتل المتهالكة، والضغوطات العربية والغربية المتصاعدة على روسيا المأزومة بعقوبات أوكرانيا الاقتصادية، فضلاً عن انكشاف عدمية تلك الدبلوماسية التي قادها سيرغي لافروف بعناد، من دون أن تسجل أي مكسب يحسب لصالح دولة كبرى، خسرت صورتها لدى العرب، وأضرت بمصالحها الواسعة معهم.

المصدر: الغد الأردنية