التنافس الأميركي-الروسي على العداء العربي

منار الرشواني

كما كان يؤكد العديد من أنصارها، فإن روسيا تعود بقوة فعلاً إلى الشرق الأوسط، نداً كاملاً للولايات المتحدة، بعد سنوات من الغياب. لكن ما يكشف عنه استطلاع معهد “بيو” الأميركي الصادر هذا الشهر، هو أنها ليست إلا عودة تنافس فيها موسكو خصمها التاريخي واشنطن، على عداء وكراهية الشعوب العربية لهما.
فتماماً كما أظهر استطلاع للمعهد ذاته، في حزيران (يونيو) الماضي، إجماع الأغلبية في البلدان العربية الثلاثة المشمولة (الأردن، ولبنان، و”الأراضي الفلسطينية”) على نظرة “غير إيجابية” تجاه الولايات المتحدة (83 % و60 % و70 %، على التوالي)، تذهب الأغلبية أيضاً في البلدان ذاتها جميعاً إلى الموقف نفسه بشأن روسيا في الاستطلاع الأحدث (80 % و56 % و52 %). وإذا كان يبدو من الاستطلاعين استمرار تسيد الولايات المتحدة بالنظرة “غير الإيجابية” عربياً، فإن من المنطقي القول إن الحقائق على الأرض تجعل من روسيا صاحبة الحظ الأكبر من العداء العربي، وليس العكس.
فالحقيقة المعروفة هي أن النظرة العربية عموماً إلى الولايات المتحدة تكاد تكون نظرة “حب وكراهية” في الآن ذاته. ففيما تعادي الأغلبية المواقف الرسمية الأميركية تجاه القضايا العربية عموماً، فإنه يمكن القول بشديد ثقة إن الأغلبية أيضا ترى في الولايات المتحدة أرض الفرص المتعددة والحرية، والتي يتوق كثيرون للرحيل إليها ونيل جنسيتها. في المقابل، ماذا تقدم روسيا للشعوب العربية؟ باختصار، لا نموذج روسيا يقدم للعالم العربي اليوم، وبخلاف حتى الاتحاد السوفيتي، إلا ذاك القائم على دعم دكتاتوريات عربية شمولية موغلة في دماء شعوبها، من القذافي إلى بشار الأسد. بل وبدت موسكو في الحالة السورية تحديداً رافضة لطرح مبادرة إصلاح كان يمكن أن تحمي سورية منذ بداية الأزمة، ثم صارت اليوم أعجز من أن تتمكن من إطلاق سجين سياسي سوري واحد، ولو من الشيوعيين المحسوبين عليها، مثل د.عبدالعزيز الخير وغيره كثيرون.
وإذا كان البعض سيعود لترديد خرافة “المؤامرة الكونية” على نظام الأسد “الديمقراطي الخالي من الفساد تاريخياً!”، فإن الرد على ذلك ليس من لبنان فقط؛ ذي المكونات الإسلامية والمسيحية متعددة الطوائف والمذاهب في زمن الصراع الطائفي العربي-العربي، بل أوضح من ذلك النظرة غير الإيجابية لأغلبية الفلسطينيين، الذين طالما استفاد “أعداء أميركا” من الاتجار بقضيتهم، وما يزالون يكتوون إلى الآن بسياسات أميركا عبر إسرائيل؛ فحتى هؤلاء صاروا لا يرون دوراً إيجابياً لموسكو على صعيد قضيتهم، كما يؤكد الاستطلاع.
لكن الأهم من كل ذلك، والذي يمكن استنتاجه من الاستطلاعين؛ بشأن صورة روسيا وأميركا، وإن بدا غير ظاهر تماماً؛ فهو الوعي العربي الشعبي. إذ بخلاف مواقف أغلبية مدعي النخبوية على الصعد المختلفة في العالم العربي، لا ترى الشعوب أن عليها الاختيار بين عدو من اثنين، تدين أحدهما فيما تمنح الآخر شيكاً على بياض لارتكاب (أو تأييد) الجرائم التي يريدها نكاية بالعدو المنتقى. وبعبارة أخرى، فإن بوصلة الشعوب في تحديد أصدقائها وأعدائها تتمثل في حماية حقوقها الإنسانية بمعناها الكامل الشامل؛ وليس هوية الجلاد وأيديولوجيته اللتين يظن بعض النخب أنها تبرر جرائم “الأصدقاء” والدفاع عنها، فقط نكاية بعدو آخر!

المصدر: الغد الأردنية