العرب والأكراد وضرورات الفهم والتفاهم

د. خليل حسن

شكلت معاهدة لوزان 1923 ضربة قاسية للأحلام الكردية ببناء وطن قومي لشعب يشكل تعداده رقماً صعباً بين شعوب المنطقة ودولها. وأصبحت القضية الكردية مع الوقت أحد مصادر الصراع في الشرق الأوسط. وفي ظل التحولات السياسية والديموغرافية في المنطقة، بدأت القوى الكردية في تأسيس أدوات عسكرية وأمنية وسياسية وإدارية، بهدف الاستفادة من واقع فرضته الأحداث الجارية في المنطقة، حيث تشكلت مساحات جغرافية تديرها جماعات مسلحة.
لقد عمل الأكراد على تشكيل حيثيات جغرافية وديموغرافية في مناطق تواجدهم، إن كان في سوريا أو العراق، ولم تكن معركة «كوباني» سوى منعطف مهم في تاريخ القضية الكردية، حيث بدت كأنها صك اعتراف مسبق بما يمكن أن تؤول إليه أمور المنطقة، وحقهم في تظهير أحلامهم الموعودة بوطن قومي، بعدما بلورت كردستان العراق هذه الصورة بشكل جلي. ورغم ذلك لم تكن هذه الفرصة عامل توحّد لدى مجمل الفصائل الكردية، بقدر ما هي نقطة تقاطع المصالح في لحظة معينة. وهنا بالذات يظهر خطأ العرب في نظرتهم للأكراد وأحزابهم، إذ تتم قراءتهم على أنهم كتلة واحدة تجاوزت الخطوط الحمر ولامست محرمات فرضت عليها عقوداً ودهوراً، إلا أن التدقيق في الكثير من الواقع والوقائع، يظهر ويثبت أن العرب والأكراد هم، تاريخياً، مستهدفون، وهم حالياً في سلة واحدة في مواجهة المد التكفيري والإرهاب، أياً كان مصدره أو عنوانه أو مكان إحلاله.
وفي قراءة موضوعية وهادئة، ثمة عدة صور يمكن التوصل إليها. في المبدأ لا يمكن إنكار أن الأكراد استفادوا من الفوضى العارمة التي تحيط بهم وبأماكن تواجدهم، وتمكنوا ليس من تكوين بيئات جادة لمناطق من الممكن أن تكون أرضاً لدولة واعدة وحسب، وإنما أيضاً إقناع المجتمع الدولي، وبخاصة الغرب، بأن قضيتهم لم يعد من الجائز تجاهلها، بخاصة أن الأكراد أنفسهم يعتقدون أن فرصتهم باتت في متناول اليد إذا ما نجح المشروع الأمريكي في تفتيت المنطقة ديموغرافياً وجغرافياً، إن كان على أسس عرقية قومية أو طائفية مذهبية، أو الاثنين معاً. وما يعزز ذلك، النجاحات التي تحققت في إدارة المناطق التي يسيطرون عليها في سوريا والعراق، وقد يشجع الإنجاز الانتخابي الأخير في تركيا، والمتزامن مع الحملات التركية العسكرية والأمنية ضدهم، من مد نفوذهم إلى الداخل التركي في لحظة ما. يشار هنا إلى أن واشنطن ربما تعتبر النموذج الكردي للدولة، يمكن تعميمه والاستفادة منه عملياً في مواجهة دويلات أخرى موجودة بحكم الأمر الواقع كدولة «داعش»، إذا اقتضت ظروف المعارك ذلك.
إن تعقيدات الأزمة في الشرق الأوسط وفي مختلف فروعها، معطوفة على غياب القوى الإقليمية القادرة على حماية ما تبقى من أنظمة، وفشل الغرب في إملاء شروطه، علاوة على الصراع القائم لملء الفراغ، كل ذلك يرخي بظلاله على الأكراد والعرب في الوقت نفسه، فيؤجج الصراع والتنافس على الزعامة والمصالح؛ فالخيارات والتوجهات الكردية ليست واحدة، كما هي خيارات وتوجهات العرب المختلفة أيضاً، ويخطئ العرب إن اعتقدوا أو عاملوا الأكراد على أنهم ذات مشرب أو توجه واحد. أو اعتبارهم منافسين أو خصوماً أو أعداء محتملين.
وفي الواقع، تعتبر الحركة الكردية حركة تحرر أسهمت في المواجهة ضد الهيمنة والاحتلال الصهيوني، وليس غريباً أن تشهد بعض الفصائل الكردية بعض الانحرافات والإخفاقات، فهي مثل نظيراتها العربية التي شهدت في بعض مراحل عملها مثل تلك الانحرافات. فبعض المظاهر لا تعدو كونها تقاطع مصالح، فهي لا تحالفات استراتيجية، لا مع الغرب ولا مع غيره. فالأكراد يقبلون الدعم الأمريكي لمواجهة «داعش»، كما حاجتهم لضغوط واشنطن على أنقرة لعدم تقويض إنجازاتهم، والأكراد يعرفون أيضاً أنهم بنظر الغرب أداة للضغط على تركيا، كما يدركون أن «إسرائيل» والولايات المتحدة حليفان استراتيجيان لتركيا ولجيشها العدو اللدود لهم. فباستثناء الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، وبعض الأحزاب الصغيرة، فإن الخيارات الكردية لا تناقض ولا تواجه خيارات القوى الوطنية في المنطقة.
في المحصلة، ربما قدر العرب والأكراد أنهم اجتمعوا في نطاق جغرافي واحد، وهم في حقيقة الأمر الأقرب إلى بعضهم بعضاً، مقارنة بظروف الأكراد وأوضاعهم في المناطق الأخرى غير العربية، كإيران وتركيا، وبهذا المعنى والواقع وأيضاً الوقائع التي تحكم ظرفهما، لا بد من فهم متبادل للقضية الكردية، بأبعادها المختلفة، بعيداً عن التوجس والخوف والقلق الذي يراه العرب داهماً عند كل منعطف، في الوقت الذي يكون فيه الاثنان العرب والأكراد في مواجهة خطر واحد.

المصدر: الخليج الإماراتية