المحطة ألمانيا


علي إبراهيم

على مدار الأسبوع كان الخبر الأول في نشرات الأخبار والصحف الأوروبية هي قصة اللاجئين السوريين وصراعهم مع السلطات المجرية في محاولة الوصول بأي ثمن إلى الحدود النمساوية ثم الألمانية. لا أحد يريد البقاء في المجر أو صربيا أو الدول التي اجتازوا حدودها، الجميع يريد الذهاب إلى ألمانيا على حد قول رئيس الوزراء المجري الذي حاولت بلاده وقف موجات العابرين للحدود، وشهدت أيامًا من الكر والفر في محطة القطارات في بودابست ثم اضطرت للاستسلام وفتح الحدود في النهاية.
وكان الاستقبال الحار المرحب للاجئين في ميونيخ أكثر من توقعات اللاجئين السوريين، فقد تعاطف معهم الرأي العام الألماني بعد رحلة معاناة عبر المتوسط ثم الهبوط على سواحل اليونان وإيطاليا، ومنها العبور سيرًا على الأقدام في وسط أوروبا، والهدف هو الاقتراب من ألمانيا التي يتوقع أن تقبل 800 ألف لاجئ على أراضيها هذا العام.
هي رحلة مثل اليانصيب بالنسبة إلى اللاجئين، سواء كانوا سوريين أو أكرادًا لعبور البحر المتوسط من تركيا إلى اليونان في قوارب غير مجهزة بترتيب مع مهربين لا تهمهم الأرواح، وإما أن تنتهي الرحلة في قاع المتوسط أو الهبوط في جزيرة يونانية أو إيطالية، ومحاولة عبور آلاف الأميال للوصول إلى أوروبا الثرية.
وهي أكبر موجة مهاجرين ولاجئين تواجهها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، والساسة الأوروبيون يدركون أن هذه البداية وليست النهاية، فهناك مليونا لاجئ سوري في تركيا، ومليون في لبنان، والذين يحاولون الوصول إلى الشاطئ الأوروبي ليسوا سوريين فقط فهناك أفغان ومن دول أفريقية تشهد صراعات دامية.
والخلافات بين الدول الأوروبية حول استقبال اللاجئين تعطي إشارات بأن الكرم الأوروبي له سقف أيضًا ما لم يكن هناك تعامل دولي مع الظاهرة، لاستيعابها وتقليل موجة الاحتقانات التي قد تحدث مع ريبة اليمين الأوروبي المتشدد مما يحدث.
من المؤسف أن يتحول ملايين من الشعب السوري إلى لاجئين ونازحين، وهو شعب أصيل وله إسهاماته الحضارية في تاريخ المنطقة، ومع استمرار الحرب والصراع وتعقد تركيبته بعد دخول منظمات التطرف الساحة وسيطرتها على أجزاء كبيرة من الأراضي السورية.
ونستطيع أن نقول من الآن، إن اللاجئين السوريين الذين وصلوا إلى أوروبا مع عائلاتهم بعد مغامرات في البحر والبر، لن يعودوا إلى بلادهم مجددًا، كما حدث من قبل في موجات الهجرة الكبيرة، بينما لا نعرف ماذا كان هؤلاء الذين قدموا إلى سوريا من مختلف مناطق العالم للقتال مع المنظمات التكفيرية المتطرفة سيعودون إلى بلادهم في يوم من الأيام، وهي مفارقة غريبة أن يهاجر السوريون من بلاد آبائهم وأجدادهم ليحل مكانهم أفغان وشيشانيون، وآخرون من الذين يقاتلون مع حزب الله والتنظيمات الشبيهة.
لن يعود المهاجرون طالما وجدوا فرص عمل وإقامة وأمانًا، ولذلك فهم اختاروا ألمانيا القوة الاقتصادية الأكبر في أوروبا والتي تحتاج إلى المهاجرين في سوق العمل لديها بعد إعادة تأهيلهم، واتخذت سياسة متساهلة تجاه اللاجئين السوريين.
لقد حركت قصص وصور اللاجئين السوريين أطفالاً ونساء العالم في اتجاه مساعدتهم، خاصة صورة الطفل الغريق الذي يحمله شرطي تركي من على أحد الشواطئ.
لكن كل ذلك يمكن أن يكون موجة تنتهي بفتور الرأي العام مثلما حدث في قضايا ونزاعات كثيرة مثل الحرب في الصومال الدائرة منذ عقود، ولو كان هناك طريق سهل لوجدت أوروبا ملايين يسبحون إلى شواطئها.
لذلك فإن معالجة قضية اللاجئين السوريين يجب أن تكون بجهد منسق مثل إنشاء صندوق دولي في إطار منظمة دولية كالأمم المتحدة لرعايتهم وتوفير الخدمات الأساسية لهم، وربما عمل حصص لاستقبال الهاربين منهم من نار الأزمة.
كل ذلك لا يلغي أن هذه الأزمة طالت بانعكاسات مأساوية، وأن الحل النهائي يجب أن يكون سياسيًا مقبولا من الجميع بما يحافظ على سوريا شعبًا ودولة، وهو ما يتطلب تغييرًا في الحكم فليس معقولاً بعد كل هذا.

المصدر: الشرق الأوسط اللندنية