تقرير حول السجون في المناطق المختلفة من سوريا


120

أنا برس-

بعد 45 عاماً من استلام نظام “الأسد” الحكم في سوريا، بدءاً من عام 1970 حيث استلم حافظ الأسد دفة الحكم حتى عام 2000، ليستلم نجله بشار حكم سوريا، كان القاسم المشترك بين الطرفين هو الاعتقالات التعسفية، حيث أنّ المئات سُجنوا لسنوات دون معرفتهم السبب.

ومع إطلاق الشعب السوري شرارة ثورته ضد الظلم والطغيان الذي مارسه النظام بحق مواطنيه، في الخامس عشر من شهر آذار – مارس 2011، كانت أولى الكلمات التي أطلقها هي “حرية”، حيث أشار بها إلى ضرورة منح الشعب حرية التعبير عن المعتقدات والتحرر من الظلم والعبودية.

وبعد سيطرة فصائل المعارضة على مناطق واسعة من سوريا، وإحكام سيطرتها عليها، وقيامها بإدارة المناطق التي تُحكِم سيطرتها عليها، كانت السجون إحدى الطرق التقليدية التي يتبِعُها في عقاب من يخالف القانون كونه السلطة التنفيذية على الأرض.

ويعتبر عدم وجود قوة مركزية، سبباً رئيسياً في عدم تطبيق القانون على الجميع، وذلك لوجود “محاباة” أو “وساطات” تتدخل لإيقاف تنفيذ الحكم أو العقوبة.

وذكر “أحمد”، وهو سجين سابق لدى إحدى فصائل المعارضة، بأنّه أمضى 20 يوماً داخل السجن بتهمة “سرقة أثاثات المنازل”، خلال الفترة التي أعقبت نزوح أبناء بلدته التي رفض ذكر اسمها والواقعة في ريف إدلب، بسبب القصف العنيف الذي استهدفها قُبيل تحرير معسكري “المسطومة والقرميد” جنوب وغرب مدينة إدلب.

وروى “أحمد” ظروف اعتقاله بالقول: “بعد عودة أبناء البلدة إلى منازلهم، وبسط “المعارضة” سيطرتها على البلدة بشكل أكبر، قامت الكتيبة الأمنية باحصاء السرقات في المنازل، ومن ثم إيقاف عدة أشخاص بينهم أنا، حيث اعتُقِلتُ خلال خروجي من منزلي صباحاً، واقتادتني مجموعة مسلحة مكونة من أربعة أشخاص نحو مكان لم أعرفه كونهم وضعوا الرباط على عينيَّ، حيث تم وضعي بغرفة منفردة مدة 48  ساعة، ليتم إحالتي إلى التحقيق ومن ثم الحكم علي بالسجن 20يوماً، بعد تعهدي بإعادة المسروقات”.

وأضاف: “السجن كان عبارة عن قَبْو، وُضعتُ يومَيْن قبل الحكم بغرفة منفردة، وأكملت بقية الأيام في سجن جماعيّ، وقد كان تعامل السجانين قاسياً خلال اليومين الأوليّين، حيث تعرّضتُ لضرب كثير خاصة في اللحظات الأولى من اعتقالي، في حين تعرّضتُ خلال اليومين لما يسمى “الفَلَق” ثلاث مرات يومياً، قبل أن أعترف بما ارتكبت من سرقات، بعدها أصبح الوضع طبيعياً في باقي الأيام الـ18 التي قضيتها، حيث كان الأمر بالنسبة إلي تمضية وقت ليس أكثر”.

ومن جانبه ذكر “باسل”، وهو يعمل كمدير للمكتب الأمني في لواء تابع لفصائل “جيش الفتح”، بأنّ الهدف من عمله هو ضبط الأمن ومنع انتشار الفوضى، خاصةً في ظل ظروف الحرب المستعرة منذ خمس سنوات.

وأضاف: “نحنُ كمتكب أمني يجب أن نكون البديل الذي يحفظ حياة الناس، فإن لم نقُم نحن الفصائل الثورية في حماية المناطق المحررة، والناس المدنيين من القتل والظلم والسرقة فلا خير فينا” – على حد وصفه –.

وتابع “باسل” قائلاً: “يوجد لدينا فرع للشكاوي في المنطقة، حيث ترِدُنا يومياً 15 حالة مختلفة حيث يتواجد شرعيون يقومون بالفصل في القضايا، ومن ثم إحالتها لنا، ونحن بدورنا نقوم بإلقاء القبض على المتهمين بعد تفويض نحصل عليه من قبل الشرعيين، ومن ثم إحالته إلى السجن، لإحالته لفريق التحقيق”.

وبيّن بأنّ عملهم يشمل كافة المجالات، سواء حالات القتل أوالاعتداءات الشخصية وغيرها من المشاكل، التي يدفعون من خلال حله،ا لضبط الأمن في المناطق الخارجة عن سيطرة قوات النظام.

وردّاً على سؤال مراسل “أنا برس” حول مايطلق عليه “انتهاكات” بحق المعتقلين قائلاً: “نحن من واجبنا ضبط الأمن، ولن تُضبَط المناطق المحررة إلا من خلال معاقبة المخربين والمفسدين وهو ما نطبّقه، فإن تركنا كل شخص يخرِّب ويُفسِد على هواه، ستصبح المناطق المحررة غابة يتصارع فيها الجميع، لتكون الغلبة للأقوى”.

وأضاف: “العقوبات هو صلب عملنا، والتعذيب الذي يُمارس بحق المعتدين هو واجب علينا، لكي نردعه عن ظلمه للآخرين، فلولا التعذيب الذي نقوم به لما اعترف المجرمون بكثير من الجرائم، خاصة أننا في سوريا لايوجد لدينا تقنيات متطورة لكشف الفاعلين كما في الدول الأخرى، التي يستغرق بناء جهازها الأمني سنوات عديدة”.

وطرح “باسل” مثالاً قال خلاله: “قبضنا مؤخراً على عميل تابع للنظام يقوم بكتابة تقارير مفصّلة عن المناطق الخاضعة لسيطرتنا، وعن نِسَب تواجدنا بالمناطق، فقمنا باعتقاله بشكل سريّ، قبل أن نقوم بالتحقيق المطول معه، حيث اعترف على تعامل اثنين آخرين معه، ولولا إجباره على الاعتراف لما أقرّ بذلك، وهو مايبرر لنا ممارسة التعذيب في بعض الحالات، وهو أمر طبيعي لانتزاع الاعترافات ـ على حد تعبيره ـ “.

وتعاني المناطق الخاضعة لسيطرة “المعارضة” من عدم وجود قوة موحدة تقود المناطق الخاضعة لسيطرة “المعارضة”، حيث توجد في كل منطقة كتيبة أمنية، إما تكون تابعة للفصيل الأقوى، أو أنها تكون مشتركة بين فصائل المنطقة.

وبعد سيطرة جيش الفتح على معظم محافظة إدلب، شكّل “الفتح” قبل أيام محكمة بمدينة “إدلب” ستكون هي المركز الرئيسي للمحاكم الأخرى، التي سيقيمها في ريف إدلب، مع إلغاء كافة أدوار القضاء والكتائب الأمنية في المناطق الخاضعة لسيطرته.

السجون في مناطق الإدارة الذاتية بمحافظة الحسكة

بعد إعلان الإدارة الذاتية الديمقراطية في المناطق الكردية في سوريا، “أي المناطق الشمالية والشمالية الشرقية في سوريا، والممتدة على الحدود التركية”، وخضوع تلك المناطق لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردي وقوات الأسايش الكردية، اعتمدت تلك الإدارة إلى بناء سجون حديثة، والاعتماد أيضاً على السجون التي كانت تابعة لقوات النظام السوري لسجن المخالفين لقوانين الإدارة.

أنواع السجناء الموجودين:

يتم استخدام تلك السجون لكافة أنواع المساجين الذين اعتقلتهم الإدارة الذاتية، عن طريق قوات الأسايش الكردية لجرائم جنائية، كالقتل والسرقة والتعدي على ممتلكات المواطنين، إضافة إلى استخدامها للسجناء السياسيين ومعتقلي الرأي، الذين يخالفون التوجّهات السياسيَّة للإدارة الذاتيَّة الديمقراطي، ولحزب الاتحاد الديمقراطي  PYD.

كشف المستشار القانوني للقيادة العامة لقوات الآساييش الكردية “عاصم عيدي”، أنه “كانت هناك تجاوزات كثيرة بحق المساجين نتيجة سوء الأوضاع الأمنية، وعدم وجود الخبرة الكافية لدى العناصر، ويجوز للسجين مراسلة أهله، وأما من الناحية القانونية لا يجوز مطلقاً شتم وإهانة المعتقل، وقمنا في الفترة الأخيرة بإصدار بروشورات خاصّة بعلاقة الآسايش بالمواطنين والسياسيين والمعتقلين”.

مضيفاً: “إنّ القنوات الإخبارية والوثائقيّة لا تعتبر ممنوعة، ولكن يجب مراعاة وضع السجين على أنه يتمّ تأهيله، وأن إعادة التأهيل لا تعني متابعة كل شيء”.

قال أحد السجناء لـ “أنا برس” رفض الكشف عن اسمه، أنه اعتقل من قبل قوات الأسايش ودخل السجن لممارسته العمل السياسي، مؤكداً أن هناك الكثيرين من المعتقلين السياسيين في تلك السجون، وأكّد أنهم لم يتعرضوا للتعذيب أوالضرب أوالشتم طول فترة سجنهم.

وبخصوص مفهوم السجن لدى الإدارة الذاتية الديمقراطية، تحدث رئيس الهيئة الداخلية في مقاطعة الجزيرة بمحافظة الحسكة “كنعان بركات” لـ “أنا برس”: “إننا لا نستخدم مصطلح السجن كوننا نرفضه بل نستخدم مصطلح مركز إصلاح وتدريب للسجناء، وإنه بعكس مفهوم السجن، يكون مزوداً بكافة الأمور القانونية والحقوقية”.

أشار “بركات” أن السجناء سيوزعون على أقسام داخل المركز، مثل قسم المخدرات، قسم العقوبات الاقتصادية وقسم الأحداث، وأنه سوف يكون هذا المركز مستوفياً للمعايير القانونية والحقوقية، سواءً من حيث المنامة والحمامات داخل المركز، ووجود حلاقين وبوفيه، كذلك مكاتب تثقيفية لتأهيل الأشخاص الذين يخرجون عن القانون والأخلاق الاجتماعية، وسيكون هناك مشاغل لخياطة الأقمشة والألبسة.

تابع “بركات” قائلاً: “وعندما يدخل الشخص إلى المركز لن يكون مكتوفاً أو مربوط الأيدي كمفهوم السجن التقليدي، بل على العكس تماماً سوف يتم تدريب هذا الشخص من الناحية الذهنية والفكرية، كما سيقوم بعمل منتج داخل هذا المركز”.

محاكم “جبهة النصرة” هي الأكثر عدلاً:

تتعدد الفصائل المعارضة وتتوزع بشكل جغرافي على مدينة حلب، توزيعاً مناطقياً، بحيث يوجد في كل منطقة فصيل يُعتبر هو المسؤول عن أمنها وفض الخلافات والخصومات بين أفراد ساكنيها، ومعاملاتهم وكافة أحوالهم، ويمتلك كل فصيل محكمة خاصة به يُلحق بها السجن، إضافة إلى وجود محكمة عامة هي “المحكمة الشرعية” التي تشمل مناطق حلب كافة.

وتكون عادة معظم المحاكم التي تمتلكها الفصائل عبارة عن أبنية تحتوي على أقبية، تكون فيها السجون التي يضعون فيها الموقوفين والمحكومين، وهي إما مدارس حكومية أو صالات أو ملاجيء الأبنية.

يوجد في مدينة “حلب” خمس محاكم رئيسية هي: المحكمة الشرعية، والقاتمية لحركة “نور الدين الزنكي”، والقضاء الشرعي لتجمع “فاستقم كما أُمرت”، والمؤسسة الأمنية التابعة للجبهة الشامية، ومحكمة جبهة النصرة في “حريتان”.

فمن ناحية إصدار الأحكام بالنسبة لمحكمة “الزنكي” و”القضاء الشرعي” فهي مستمدة من “الكتاب والسنة” مع وجود بعض الأحكام المدنية، أما المحكمة الشرعية ومحكمة “جبهة النصرة” فهي من الكتاب والسنة مع الالتزام بتطبيق الحدود كالسارق والزاني، إلى آخر ذلك من الأحكام والحدود، وتطلب من السجناء الحفظ من القرآن الكريم، ويُخفف الحكم بمقدار الحفظ الذي يحفظه السجين، في حين أن المؤسسة الأمنية التابعة للجبهة الشامية هي محكمة عسكرية لا علاقة لها بالشؤون المدنية، التي هي من اختصاص باقي المحاكم. 

أما من ناحية التعامل مع السجناء، فتتدرج المعاملة وتختلف بين المحاكم، فالتعامل في “القضاء الشرعي” ومحاكم “الزنكي” يُعتبر سيئاً بعض الشيء في بعض الحالات، أما عن التعامل في المحكمة الشرعية يُعتبر جيداً نسبياً إلى حد ما، لكنّ محكمة “جبهة النصرة” تُعدُّ أفضل المحاكم تعاملاً وأنصفها وأكثرها تحقيقاً للعدل في الأحكام. ويُقدم للسجناء ثلاث وجبات يومياً “فطور- غذاء- عشاء”، تكون الوجبات مما يقدم لموظفي المحكمة ذاته،  لذلك يعتبر الأمر الغذائي جيداً إلى حد كبير.

أما من ناحية الرعاية الصحية، يتم تأمين الأدوية والمستلزمات الطبية للسجناء، ويمكن نقلهم للمشافي إذا اضطرّ الأمر إلى ذلك. وبشكل عام يمكن القول أن الأوضاع الحالية للسجناء في المحاكم والسجون التابعة للمعارضة تُعتبر ضمن النطاق الجيد، وهي بعيدة عن التجاوزات الإنسانية، التي تكاد تكون نادرة والتي كانت معروفة لدى المعتقلات، والفروع الأمنية للنظام السوري.

عن سجون المعارضة:

في عام 2011 عندما اندلعت الاحتجاجات ضد نظام الحكم في سوريا، كان التعذيب في سجون النظام هو السبب الرئيسي وراء ذلك، حين اعتقلت قوات النظام أطفال “درعا” وعذّبتهم بقلع أظافرهم وضربهم، مما أثار سخط وغضب أهاليهم، وتضامن كل المدن والقرى هناك معهم.

وقد اعتاد الناس في سوريا عامة على مدى أربعين عاماً من حكم نظام الأسد، على تنوع أشكال التعذيب في سجون قوات النظام، حيث بات يُعرف أن الداخل إلى سجون النظام مفقود والخارج منها مولود.

لكن لم يتوقع أحد يوماً أن تنجب المعارضة سلطات فاعلة على الأرض تعتمد على التعذيب في تحقيقاتها وفي سجونها المفتعلة، والمفترض أن تكون بعيدةً كل البعدِ عن سجون النظام، من حيث الأسلوب والمعاملة.

في “درعا” جنوباً عُرف للمعارضة السورية عددٌ من السجون، بعضها تمّ افتعاله بشكل جديد كلياً، وبعضه الآخر تم توارثه من قوات النظام التي انسحبت منه، وهذه السجون بمعظمها تحت سيطرة “دار العدل”، وهي السلطة القضائية الأولى في “درعا والقنيطرة”.

وأهم هذه السجون هو “سجن غرز”، والذي كان حصناً من حصون النظام يوماً ما، قبل أن تتمكن المعارضة من السيطرة عليه وتحويله إلى سجنٍ خاصٍ بها، ويتم إنزال الأشخاص الذين حُكم عليهم بمدة طويلة تزيد عن شهر في هذا السجن، ومن المعروف أن هذا السجن ما زال يحافظ على الشكل الذي تم توارثه من قوات النظام تماماً، من حيث نمط الزنزانات الموجودة فيه، سواء الكبيرة أو المنفردة.

والسجن الآخر هو سجن “دار العدل” في مدينة “نوى”، وهو يعتبر بمثابة السجن ذي الإقامة المؤقتة لنزلائه، إلى حين صدور حكم نهائي بحقهم من قبل محكمة “دار العدل”، ليتمَّ بعدها ترحيلهم إلى سجن “غرز”، ويُعتبر هذا السجن بمثابة مكان للتحقيق مع المتهمين.

أما السجن الآخر فهو يقع حسب شهود عيان في منطقة “وادي اليرموك”، وهو يتبع للواء “شهداء اليرموك” المتهم بمبايعة “تنظيم الدولة”، ويُعتبر هذا السجن من السجون المحدثة في ظل سيطرة المعارضة على المنطقة، ومن الجدير بالذكر أن لواء “شهداء اليرموك” لا يعترف بمحكمة “دار العدل” ولم يوقَّع على ميثاقها، حيث يملك محكمة شرعية خاصة به في منطقة “الشجرة” بريف درعا.

وبالحديث عن السجن الأخير، التقينا بأحد المعتقلين الذي وضعوا بهذا السجن، ليحدثنا عن ماهيته وما يحصل بداخله، فقال: “لقد تم اعتقالي والتحقيق معي أكثر من مرة، حيث اتُهمت بالتخابر مع فصائل الجيش الحر وجبهة النصرة لنقل أخبار لواء شهداء اليرموك لهم، وقد تم تعذيبي بشكل فظيع أثناء التحقيق، وتهديدي بالتصفية إن لم أعترف، وقد بقيتُ في سجن اللواء ما يقارب الشهر، حيث تم وضع كيس على رأسي ونقلي إلى مكان لم أعرفه، أشبه بالسجن وفيه العديد من المنفردات، ووُضعت بإحداهن، وكنت خلال فترة إقامتي أسمع أصوات صراخ من غرف مجاورة، وأصوات تعذيب وضرب، ولم أعرف شيء عن المكان، وقد تم إطلاق سراحي بعد التأكد من أنني بريء من التهم الموجهة إلي”.

وفي نفس السياق، التقينا “بعمر” وهو من ريف درعا الغربي، وينتسب لإحدى فصائل المعارضة، ليخبرنا أنه كان معتقل في سجون “دار العدل” لمدة تزيد عن شهرين، حيث حسب ما ذُكر لنا أنه تم اتهامه بسرقاتٍ من أحد الأشخاص، ولم يتسنَ لنا معرفة تفاصيل القصة، وبالحديث عن التعذيب في سجون المعارضة يخبرنا “عمر” قائلاً: “لقد تعرضتُ للضرب بكبلٍ كهرباء رباعي أثناء التحقيق من قبل عناصر المحكمة، والذين كانوا يرتدون أقنعةً حتى لا نعرفهم، وأُجبرت على الاعتراف بأشياء لم أفعلها، وعلى إثرها تم نقلي إلى سجن “غرز”، وهناك لم أتعرض للتعذيب أبداً”.

وفي سياق الحديث، يخبرنا “عمر” بأن “المتهمين ذوي السلطة والقوة ــ أمثال قيادات عسكرية وما إلى ذلك ــ لا يتم تعذيبهم، فقط يتم تعذيب أولئك الذين لا سلطة لهم”، ويتابع: “لم تختلف محاكمنا الجديدة وأسلوب التحقيق فيها، عن محاكم النظام سوى أنها ارتدت عباءة الحرية”.

ومن الجدير بالذكر، أن بعض المقيمين في سجون المعارضة أكدوا لنا أن معظم السجناء هناك، تتراوح تهمهم  بين السرقة والسطو المسلح والقتل، ولم يذكر أي أحد من سجون “دار العدل” أن هناك معتقلي رأي لديهم، بينما لم يتسنَ لنا التأكد من سجون شهداء اليرموك”.

ويُذكر أن حادثةً انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً، حيث قام أحد نزلاء سجن “غرز” بإرسال رسالة بخط يده إلى أشخاص خارج السجن، وتم تناقلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتفيد الرسالة بأن الشخص، ويدّعي أنه طبيب ويملك مشافي كبيرة في عدة بلدان، تم وضعه بسجن دار العدل بعد تهجّمه على أحد قيادات المعارضة، وحُكم عليه بالسجن لمدة عام، وقد انقضت مدة سجنه ولم يتم إطلاق سراحه، بينما صرّحت محكمة “دار العدل” عبّر بيان لها بهذه  القضية، بأن الشخص المذكور هو موجود فعلاً بسجن “غرز”، إلا أنه متهمٌ بممارسة الطب، وهو لا يملك شهادة خاصة بذلك، إضافة لوجود شكوك حول هذا الشخص، ويتم التواصل مع أقربائه لمعرفة ماهية عمله.

وعلى إثر هذه القصة، وبعد اتهام هذا الشخص لدار العدل بتعذيبه ــ وذلك من خلال الرسالة التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي ــ قررت محكمة “دار العدل” السماح لمجموعة من الناشطين بزيارة السجون والاطلاع على الأوضاع هناك عن كثب، وما زال حتى اللحظة يتم التحضير لهذه الزيارة.

السجون التابعة للمحاكم الشرعية في مناطق حماة الخارجة عن سيطرة قوات النظام 

منذ بداية العمليات العسكرية في سوريا، وسيطرة المعارضة المسلحة على مدن وبلدات كانت في عهدة نظام الأسد؛ برزت آنذاك تشكيل هيئات ومحاكم شرعية تتبع لها سجون ومراكز احتجاز، لتكون بديلًا مقبولًا في حالة الفراغ الأمني التي تعقب كل عملية تحرير.

في مناطق ريف حماة الشمالي والغربي والتي تعتبر خارجة كلياً عن سيطرة النظام، تشكلت في نهاية 2012 محاكم شرعية في هذه المناطق لتسيير معاملات الناس وحل قضاياهم، ولكنها كانت تفتقر للجهة التنفيذية القادرة على تطبيق الحكم مهما كان، مما استدعى تشكيل قوة مركزية من “جبهة النصرة -أحرار الشام – جند الاقصى”، تابعة لهذه المحاكم ولدار القضاء الأعلى الذي تم تشكيله مؤخراً في مدينة “خان شيخون” بريف إدلب الجنوبي، واعتُبرت كل محاكم ريف حماة تابعة لدار القضاء الأعلى، وتوزعت السجون المركزية في مناطق ريف إدلب “كنصفرة، سراقب، سرمدا، خان شيخون، كفرنبل”، كونها آمنة نوعاً ما.

وتُعتبر سجون ريف “حماة وإدلب” ذات سمعة جيدة من حيث المعاملة مع المساجين، والأحكام الشرعية الصحيحية الصادرة من المحاكم في هذه المناطق، إضافةً لوجود سجون خاصة يقوم السجّانون فيها بتعليم المساجين أصول دينهم والعقيدة الصحيحة، وأيضاً يتمّ داخل السجن إقامة دورات لتحفيظ القرآن ومحو الأمية.

“أبو محمد” من مدينة “كفرنبودة” بريف حماة الشمالي، سجينٌ سابق في سجن “كفرنبل”، سُجن بتهمة السرقة يقول بتصريح خاص لـ “أنا برس”، أنه “بالرغم من سوء فعلتي وسرقتي لممتلكات غيري، كانت معاملة السجّانين جيدة، والتزمتُ بالدروس الدينية التي كانت تُعطى في السجن، ودورات التحفيظ، هذا الشيء الذي جعلني أندمُ على فعلتي وأتوجه للعمل وكسب الرزق الحلال بعد خروجي من السجن مباشرة، بقيتُ في السجن مدة شهرين ونصف، ولن أعود إليه إلا لزيارة السجّانين الذي عاملوني كأخٍ لهم”.

أما “أبو البراء” القيادي في القوة المركزية التابعة لدار القضاء، صرّح لـ “أنا برس” قائلاً: ’’إنّ القوة المركزية شُكّلت لإعطاء القوة للمحكمة الشرعية، وليس لترهيب الناس، ونحن لا نقوم باعتقال أحد أو سجنه إلا بطلبٍ من المحكمة الشرعية العليا، وبكتاب مختوم منها، ولا نقوم بمداهمة البيوت، وإنما يتمُّ تبليغ المتهم لمراجعة المحكمة، وإن لم يفعل عندها نقوم باعتقاله موجوداً”.

انتقلت “الغوطة الشرقية” من مرحلة النظام إلى المرحلة العشوائية الفاقدة كلياً للتنظيم، والترتيب والسلطة الواحدة، حيث خلتْ غوطةُ دمشق الشرقية بعد تحريرها للكثير من العشوائية في العمل وفقدانٍ للمؤسسات التنظيمية في المرحلة الراهنة التي جاءت في ظل التشكيلات الكثيرة في بداية سيطرة المعارضة على المنطقة.

كثُرتِ السجون في “الغوطة الشرقية” بدايةً حتى أصبح لكل فصيل صغير سجن له يحكم بما يرضي هواه، وما يتوافق مع المبادئ التي يمتلكها، حتى انتقلت الغوطة الشرقية لمرحلة جيدة تنظيمياً جراء الحصار المفروض عليها، والذي استمرَّ لفترةٍ تجاوزت الأربع سنوات على مرّ الثورة حتى يتسنى للغوطة الشرقية في الفترة الأخيرة توحد الفصائل العسكرية فيها بأجسام واحدة لتصل إلى أربعة أجسام عسكرية تحكم المنطقة، لدى كل فصيل منها سجون يمتلكها، حتى جاءت القيادة الموحدة والقضاء الموحد ليخفّف من السجون ويحوّل العمل اللاتنظيمي لعمل مرتب ومنظم وقانوني، يشرفُ عليه قضاة شرعيون، حتى وصلت الغوطة الشرقية لقضاءٍ موحد يلتزم به جميع الفصائل سوى “جبهة النصرة” التي أصرَّت حياديتها عن ذلك القضاء لأسباب خاصة بها، لدى القضاء الموحد قضاة ومحققين، وبالتالي فلديه سجون ومحاكم شرعية في كل منطقة من مناطق غوطة دمشق الشرقية توزعت بشكل جغرافي على المنطقة، بالمقابل يمتلك كل فصيل عسكري  سجوناً خاصه به، يضع فيها كل من يتم تجريمه بالأمور العسكرية، أو الأمور التي تخصُّ المصلحة العسكرية، وليس لها علاقة بالوضع المدني العام .

أما في سجون القضاء الموحد فيتمُّ التحقيق مع المتهم بقوانين شرعية موضوعة من قبل قضاة شرعيين متفق عليهم، وبالتالي يتمّ الحكم على المتهم بما يوافي القوانين الوضعية الملتَزم بها لديهم.

أصدر القضاء الموحد الكثير من الأحكام بحق أشخاص تفاوتت نسبهم بين مجرمين وفاسدين وغيرهم، منهم من تم إعدامه حسب جرمه، ومنهم من حُكم عليه بأحكام مختلفة مثل السجن المؤبد، والسجن لفترات مختلفة. أعدم القضاء الموحّد أعداداً ليست بقليلة من أفرادٍ تمت إدانتهم بجرائمَ بشعة في الغوطة الشرقية بطرق مختلفة، منها رمياً بالرصاص ومنها قطع الرأس وغيرها.

في حين لم يكن هنالك أي دعوات مثبتة على السجون بالفترة الأخيرة في الغوطة الشرقية تخص الخدمات المقدمة للمسجونين، رغم الحصار المفروض، فالمسجونون يأكلون وجباتٍ متماثلة بوجبات العاملين في السجون والقائمين عليها. 

يتلقى المسجونون عقوباتٍ مختلفة، كان أهمها في الغوطة الشرقية، هي الحفر في الجبهات القتالية أو حفر الخنادق التي يحتاجها الثوار، وكل متهم يقوم بالحفر لمدة  معينة حسب عقوبته، التي يحددها القاضي بحقه، ومنهم من يُعاقب فقط بالسجن لفتراتٍ تُحدد أيضاً أصولاً حسب القوانين الوضعية لدى المحكمة. 

أخبار سوريا ميكرو سيريا