خطة واقعية من أجل سورية

جميل النمري

قبل يومين، نظم مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية لقاء ضيقا حول سورية، بمشاركة شخصيات سياسية ومحللين، لتدارس آثار التدخل الروسي، وآفاق المستقبل. وكانت المداخلات الرئيسة لاثنين من رؤساء الوزارات السابقين، ووزير خارجية سابق. وأثرى بقية الحضور الحوار بتحليلات مهمة عن خلفية التدخل، ومواقف مختلف الأطراف، وفي النهاية الموقف الأردني. كنت متشوقا أن أسمع التحليلات، لكن أيضا إجابة عن السؤال: سورية إلى أين بعد التدخل الروسي؟! إلا أن الحذر كان سيد الموقف، ولم يغامر أحد باعطاء مقترح متماسك للحل أو الصفقة الممكنة. طبعا، الجميع يريد الحل السياسي، ويتمنى أن يتحول التدخل الروسي من تحد سلبي (كما تراه الأطراف الغربية والسعودية)، إلى فرصة إيجابية كما تراه (ولو من دون إعلان) مصر والأردن. الحل السياسي سندا لـ”جنيف1″ و”جنيف2″ أو غيرهما، ليس له أقدام يمشي عليها. ليس هناك أي فرصة واقعية لسلطة سياسية انتقالية بوجود الأسد أو من دونه، لأن من يتقاسم السلطة في الميدان هي القوى العسكرية، وليس بينها القوى الوطنية المعتدلة؛ رغم الوجود المفترض للجيش الحر الذي لا نعرف حجمه ومساحة حضوره، وحقيقة تركيبته. السلطة في الميدان هي للسلاح. السلطة العلوية (النظام) من جهة، والميليشيات السُنّية المتطرفة من جهة أخرى. التدخل الروسي أعطى دعما للنظام وقلل فرص سقوطه، بل منعها. لكنه أيضا يقلل التفرد الإيراني، ويخلق توازنات جديدة لا تترك الأجندة الإيرانية تسيطر على القرار. روسيا تؤيد نظاما علمانيا صديقا لها، ويحفظ قاعدتها البحرية وموطئ قدمها على البحر الأبيض المتوسط؛ وإيران تؤيد نظاما طائفيا متشيعا تهيمن عليه كما في العراق. وهذا هو الوجه الإيجابي للتدخل الروسي، إلى جانب الزج بقوة إضافية في مواجهة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة. لكن التدخل الروسي إذا ركز على ضرب المعارضات التي تهدد النظام وعلى خطوط التماس معه، يكون قد خدم تقسيم سورية بين “داعش” والأسد. وقد تكون هذه خطة النظام ورغبته. وفي المقابل، إذا لم تر السعودية ودول الخليج الأخرى الفرص الإيجابية المحتملة أو التي يمكن صنعها بالتدخل الروسي، وخصوصا موازنة النفوذ الإيراني على سورية ومستقبلها، وانساقت إلى تفكير أحادي يريد معاقبة روسيا ووضعها في مستنقع أفغاني، وهو ما يعني حكما دعم التنظيمات المتطرفة، فإننا نتجه بسورية إلى كارثة أعمق. ونفترض أن السعودية ستكون أكثر عقلانية من الأخذ بهذا الخيار. فما هو البديل الممكن؟! تقاسم السلطة الجغرافي لمرحلة انتقالية بين النظام والمعارضة المعتدلة هو الحل الواقعي. للنظام ما يسيطر عليه تقريبا من أرض، وللمعارضة المعتدلة تحت قيادة الائتلاف السوري والجيش الحر ما تبقى؛ أي عمليا شمال غرب سورية للنظام، وشرق جنوب سورية للمعارضة المعتدلة. بهذه الصيغة يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار على جميع الخطوط، وتكون معرفة ومتفقا عليها، وتتجه البنادق كلها -التحالف وروسيا- إلى الجهات التي ترفض الاتفاق، وهي “داعش” و”النصرة” أو من يبقى على خط “القاعدة” فيها. أي سيكون هناك جبهة عالمية وعربية موحدة تدعم حربا لتحرير المناطق التي تحتلها قوى التطرف والإرهاب. وسيكف النظام عن أي عمل عسكري، كما سيكف عن قمع المعارضة السلمية، ويطلق سراح السجناء… إلخ. وفي هذا المشروع سيكون للأردن دور مركزي، وخصوصا في جنوب سورية. هل هذا سيناريو لتقسيم سورية؟ لا، إنه سيناريو لمنع التقسيم؛ عبر حلول واقعية تعترف بمصالح جميع الأطراف، وحق الشعب السوري في وقف المقتلة والدمار المستمرين، تمكينا لمفاوضات الحل السياسي طويل الأمد، في ظل ظروف مطمئنة لمكونات الشعب السوري المختلفة.

المصدر: الغد