لحظة الحقيقة في سوريا


مأمون فندي

بقرار مجلس الأمن الصادر بالإجماع يوم الجمعة 2015/12/18 بوقف إطلاق النار في سوريا، يكون العالم قد وصل إلى لحظة الحقيقة في هذا البلد، بعد مقتل ما يقرب من ربع مليون من مواطنيه، وتشريد ملايين آخرين كنازحين في كل بقاع الأرض تقريبا. ولا أعني هاهنا بالعالم، العالم الغربي فقط، بل أعني أيضًا سوريا وإيران والعالم العربي ونظام الأسد نفسه. لقد تخطّت الأزمة السورية المستمرة منذ ما يقرب من خمس سنوات عتبة ما يمكن للضمير العالمي أن يسكت عليه، كما أن الأزمة دخلت مرحلة لو زادت عنها لتفكك النظام الإقليمي في الشرق الأوسط.

فما هي المحركات التي جعلت من الأزمة السورية أولوية الآن؟

الشيء الذي لا يريد الكثيرون الاعتراف به في الأزمة السورية هو التغير الاستراتيجي الذي حدث نتيجة التدخل الروسي في سوريا. فهو تدخل فرض واقعًا جديدًا وعكس التزامًا روسيًا أجبر الغرب المتردد على تبني موقف ملتزم أيضًا انعكس في قرار مجلس الأمن الأخير. التدخل الروسي في سوريا ليس سلبيًا كله، فروسيا هي الوحيدة القادرة على ترشيد النظامين السوري والإيراني تجاه التوصل إلى حل سلمي للأزمة. وروسيا هي الدولة الوحيدة التي استدعت بشار الأسد لتأخذ منه التزامًا مباشرًا بالخط الروسي في المفاوضات مع الغرب. وبهذا لا نقلل من قيمة روسيا في إقناع النظام بالالتزام بوقف إطلاق النار الذي أقره مجلس الأمن، الجمعة، بالإجماع. فإذا استطاعت روسيا فرض تصورها على نظام الأسد، فهل يستطيع الغرب أن يفرض أمرًا واقعًا على الميليشيات والجماعات المختلفة المناهضة للنظام؟ ظني أن موقف الغرب قد تغير تجاه الأزمة الروسية، وقد يفرض وقف إطلاق النار بالقوة حتى تتحرك الأطراف باتجاه المفاوضات في فيينا مرة أخرى.

قرار مجلس الأمن حول سوريا هذه المرة يجب ألا يُستخف به كما تعودت منطقتنا في التعامل مع قرارات المنظمة الدولية، فالقرار هذه المرة فيه رائحة قرارات مجلس الأمن حول العراق عندما احتل الكويت (1990)، أو مثل قراراته لرد الصرب في يوغوسلافيا القديمة أو البوسنة. قرار جاد، واختبار حقيقي، ويجب ألا نراه كما تعودنا من قرارات المجلس تجاه القضية الفلسطينية. لذا يكون من الحصافة بالنسبة للاعبين الإقليميين، وأولهم إيران، ألا يتصوروا أن الموضوع هو مجرد مسكنات سياسية لإدارة أزمة لا حلها. قرار المجلس والإجماع الذي حظي به يعني بداية العمل الجاد نحو الحل النهائي للمأساة السورية.

ما جعل الأزمة السورية أولوية الآن هو وضعها في السياق الأوسع للحرب على الإرهاب، وجاءت أحداث الإرهاب في كل من باريس وكاليفورنيا لتركز الذهنية الغربية على مواجهة الإرهاب، وتم النظر إلى سوريا على أنها حاضنة هذا الإرهاب أو المحرك الأول لما يحظى به متطرفو «داعش» من قوة عسكرية ومالية نتيجة سيطرة التنظيم على أجزاء مهمة من سوريا، ومن ضمنها بعض آبار النفط التي تمنح التنظيم قوة اقتصادية غير مسبوقة لتنظيمات من هذا النوع. كما أن تمدد «داعش» في ليبيا، وارتباطه بحركات التطرف في أفريقيا مثل حركة «بوكو حرام»، يجعله تحديًا أوروبيًا.

أما المحرك الثاني لقرار مجلس الأمن واستعجاله، فهو الضغط الذي جاء نتيجة تدفق النازحين من سوريا ومناظرهم في طوابير طويلة يعبرون الحدود الأوروبية، في مشهد درامي حرك القادة الأوروبيين وأولهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فقد جعل من القضية السورية قضية محلية في بعض هذه الدول، ومن شاهد الحوار في البرلمان البريطاني مثلا سيدرك كيف تحولت سوريا إلى قضية بريطانية محلية، مما أدى إلى موافقة البرلمان على تدخل القوات البريطانية في الحرب على «داعش».

أيضًا يعد التحالف الإسلامي ضد الإرهاب الذي أعلنته السعودية مؤخرًا تقاطعًا إقليميًا مهمًا مع الأجندة الغربية لمكافحة الإرهاب. هذا الموقف الإقليمي الذي طالما طالب به الغرب أصبح الآن في متناول اليد.

الشراكة الغربية الإقليمية، ومعها روسيا، خلقت نوعًا من سياق جديد للحوار حول سوريا يسمح بتنازلات من كل الأطراف مع الحفاظ على ماء الوجه للجميع.

المهم في كل هذا هو قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار في سوريا، فهو خطوة عالمية جادة تأخذنا إلى لحظة الحقيقة في سوريا. وكما أشرت بداية فإن الأزمة السورية المستمرة منذ ما يقرب من خمس سنوات تخطت عتبة ما يمكن للضمير العالمي أن يسكت عليه، كما أن الأزمة دخلت مرحلة لو زادت عنها لتفكك النظام الإقليمي في الشرق الأوسط.. لذلك تحرك مجلس الأمن.