سليم بشارة : مشاهد من هولندا / معلم رياضيات ابنتي حاول الانتحار


 

Saleem Bshara

المشاهد اليوم من هولندا محزنة, فقد جائت ابنتي ذات الستة عشر عاما الى المنزل وفي جعبتها خبر وصفته بالحزين, إنه محاولة انتحار استاذ الرياضيات.

الحمد لله أن الأستاذ هو الآن في المشفى وكتب له النجاة، ولكن الجرح الذي تركه بين طلابه ورفاقه الأساتذة كان عميقا.

لم يكن بإمكاني سوى الكذب لمحاولة تشتيت ذهن ابنتي وصرفه عن الحادثة التي طالت معلمها باستخدام مناورة يتبعها السوريون للتعايش مع الخطر وهي أن يقنعوا أنفسهم والآخرين بأن الخطر بعيد ولن يطالهم, وهكذا فالبيوت كلها تقصف إلا بيتنا والكل ممكن أن يصاب إلا نحن.

قلت لابنتي أن الأسرة العربية لا تعاني من مثل هذا النوع من المشاكل وأن الانتحار هو مرض المجتمعات الغربية والحمد لله نحن سليمون منه.

لم أقل لابنتي أن السفر في الزوارق الخفيفة المحشوة بالبشر هو أشبه ما يكون بالانتحار عن سبق الاصرار والتصميم وأن ثقافتنا تقسو على المنتحر وتلهب مأساته بالوعيد والتهديد بأنه سيدخل النار وأنه لا يجوز الصلاة عليه وتحمل أسرته عار انتحاره حتى الجد السابع.

لقد أرسلت لنا المدرسة رسالة تقول فيها: اليوم تحمل ابنتكم معها الى المنزل خبرا محزنا عن أستاذ مادة الرياضيات الذي علمنا من عائلته أنه حاول الانتحار وإننا إذ ننقل لكم بمسؤولية هذا الخبر فإننا نرجو منكم عدم التردد في طلب المساعدة لكم أو لابنتكم في حال الحاجة, لأننا شكلنا فريقا من الموجهين وخبراء الرعاية وقادة النشاطات المدرسية والمتطوعين للتغلب على الإحباط الذي قد ينشأ عن هذا الخبر.

أوف أوف يا سوريا: كم مدربا وكم خبير رعاية وكم موجها وكم طبيبا نفسيا تحتاجين لكي يتغلب السوريون على الإحباط, بل كم نبيا وكم ملاكا من السماء ليعيدوا للناس الأمل والحلم بالمستقبل الأفضل والتخلص من مفاعيل الحرب التي جعلت منك دولة منتحرة تدمر نفسها بنفسها.